غزوة "الولاية" تدفع جيلاً يمنياً كاملاً إلى حافة الضياع

السياسية - Saturday 24 November 2018 الساعة 10:16 am
صنعاء، نيوزيمن، نجوى إسماعيل:

يواجه جيل كامل من الشباب اليمني، خطر الضياع، وسط كم هائل من التحديات وخيبات الأمل، نتيجة الحرب الدائرة منذ انقلاب ميليشيا الحوثي على السلطة وسيطرتها على مؤسسة الدولة بقوة السلاح.

ولا تتوقف هذه التحديات عند العوز المالي، وإنما تتجاوز ذلك إلى المعاناة الإنسانية والنفسية، فظروف النزوح الإجبارية مع حالة العنف القائم من قبل الجماعات المتطرفة دينياً ومناطقياً ألقت بظلالها السوداء على مستقبل آلاف الشباب اليمنيين خاصة المناطق الواقعة تحت سيطرة ميلشيا الحوثي.

وبموازاة ذلك أنتجت سطوة ميليشيا الحوثي، انعكاسات نفسية ومعنوية طالت أحلام وآمال الشباب وأدت إلى فقدانهم الثقة بقدوم مستقبل مختلف، فصار آلاف الشباب يعانون الأمرين تحت وطأة تطرف الميليشيا الحوثية الفكري والسلوكي.

في الاثناء يجد الشباب اليمني أنفسهم في أتون مأساة اقتصادية وتعليمية وثقافية وفكرية، ومحاصرين بكميات كبيرة من اليأس والإحباط، رغم محاولات الكثير مقاومة الواقع المحبط بمجموعة من الأنشطة والفعاليات والتي غالباً ما تواجه بالعنف والقمع من قبل ميليشيا الحوثي، بذرائع عدة منها "مخالفة نهج المسيرة القرآنية" و"الحرب الناعمة".

من طاقة هائلة للبناء إلى قوة كاسحة للهدم

تقول الإخصائية النفسية والاجتماعية ايمان عبدالله، لـ"نيوزيمن"، إن وعي الشباب بقدراتهم وحقوقهم يصطدم بواقع مؤلم يهمش دورهم ويسخرهم وقوداً للحرب من قبل الجماعات المتطرفة الدينية".

وترى أن جماعة الحوثي من أخطر الجماعات التي تستغل طاقة الشباب وحماسهم، فهي في بداية الأمر عملت على خديعة قطاع واسع من الشباب باللعب بأوتار مفردات الحقوق والحرية وأفكار العزة والحياة الكريمة تحت شعارات متعددة مزيفة، لتحولهم فيما بعد إلى قطيع تابع للجماعة وأفكارها الظلامية، ووقوداً لمعاركها.

وتضيف إيمان: "للأسف، نجح الحوثي، إلى حد كبير، في تحويل عدد كبير من شبابنا من طاقة هائلة للبناء إلى قوة كاسحة للهدم".

"يموتونا جوع ويسوقونا للموت"

ياسمين الجحدري، واحدة من الطالبات المتطوعات ضمن المبادرات الشبابية، وكان السبب الرئيس لالتحاق ياسمين بالعمل الطوعي، هو رؤيتها لعدد كبير من زملائها وزميلاتها بالجامعة ينهارون نفسياً أمام الظروف التي تواجههم.

تقول ياسمين: نحاول عبر المبادرات إقامة عدد من الفعاليات والتي من خلالها نجمع الأموال لمساعدة زملائنا وزميلاتنا ذوي الظروف المعيشية الصعبة، فهناك المئات من الطلاب والطالبات صاروا غير قادرين حتى على دفع (2000 ريال رسوم تجديد البطاقة الجامعية، وهذا شيء مؤلم خاصة إذا كانوا من الطلبة المتفوقين.

وتشير إلى أن "تسرب زملائنا من الجامعة ساعد الحوثيين على استغلالهم وتجنيدهم لصالح الجماعة".

وخلال الحديث، قاطعت رجاء المطري، وهي زميلة ياسمين في الكلية، وقالت: هل تعرفون كم من زملائنا استغلهم الحوثي وشلهم (أخذهم) للجبهات؟ من دفعتنا بس أكثر من عشرين طالباً وكلهم من الذين ظروفهم صعبة.. استغلوا حاجتهم وشلوهم وردوهم جنايز( جثث) وعيال الحوثة الكبار يدرسون بأوروبا وأمريكا وماليزيا واحنا يموتونا جوع ويسوقونا للموت".

ظروف معيشية قاهرة

وأدت الطروف المعيشية المأساوية في صنعاء والمناطق الواقعة تحت سيطرة ميلشيات الحوثي، إلى توقف آلاف الشباب اليمني عن إكمال الدراسة الجامعية أو تعثر مواصلتهم للدراسة".

تغريد الغابري، واحدة من الطالبات اللواتي توقفن عن الدراسة لعام كامل، نظراً لتوقف راتب والدها، تسرد حكايتها بمرارة قائلة: "أكملت الثانوية في عام 2014 مع اجتياح الحوثيين لصنعاء، وشعرت حينها بخوف كبير لم أعلم مصدره إلا عند دخولي الجامعة".

وتكمل: "بنيت الكثير من الأحلام والتوقعات بعد الثانوية، ولكني اليوم أنا والكثير من زملائي وزميلاتي متعثرون عن إكمال دراستنا الجامعية، ومن دفعتي فقط هناك ما يزيد عن أربعين طالباً وطالبة توقفوا تماماً عن الدراسة بسبب ظروفهم المعيشية والبقية يدرسون فصلاً ويتوقفون فصلاً، وهكذا بحسب ظروفهم".

وتظيف تغريد في حديث لـ"نيوزيمن": "ًاضطررت للتوقف عاماً كاملاً بسبب انقطاع الراتب عن والدي، ولأنه لا يملك مصدراً آخر، ولولا مساعدة عدد من الأقارب من هم خارج اليمن لما كنا استطعنا العيش إلى الآن، وعدت إلى دراستي ولكني لا أملك حتى مصروف يومي لدفع أجرة الباص، فما أحصل عليه بالكاد يكفيني لنسخ المهم جداً من الملازم التعليمية والبقية أعمل على كتابتها بيدي".

وتتابع: أضطر يومياً إلى المشي من صنعاء القديمة إلى الجامعة القديمة والعودة أيضاً مشياً على قدمي بالرغم من بعد المسافة، وبالرغم من كوني كنت متفوقة بالعام الدراسي الأول لي بالجامعة إلا أن مستواي تراجع، وتلاشت أحلامي وتطلعاتي، فاليوم نحن فقط نبحث عن لقمة عيش وكيف نراجع المؤجر لعائلتي والذي يحضر يومياً ويهدد بطردنا من المنزل".

لا أحلام .. لا طموحات

علاء عبدالرزاق، شاب في الثامنة والعشرين من عمره، أكمل دراسته الجامعية في تخصص الهندسة المدنية وتوظف بعدها في إحدى المكاتب الهندسية والتي توقف نشاطها مباشرة بعد سيطرة الحوثيين على صنعاء.

يقول علاء: "كان صاحب المكتب قيادياً مناصراً لحزب الإصلاح، وعند دخول الحوثيين لصنعاء بدأوا بملاحقة كل من تربطه أي علاقة أو اتفاق فكري مع حزب الإصلاح، فاضطر لإغلاق المكتب وغادر صنعاء إلى خارج اليمن بعد تلقيه تهديدات عدة ومحاولة اعتقاله واتبزازه في إحدى المرات أثناء عودته إلى منزله ليلاً".

ويضيف: "أغلق المكتب وفقدت عملي أنا وسبعة من زملائي والذين لم يكن همنا سوى تأسيس مستقبل لنا والزواج وبناء أسر، ومنذ ذلك الحين أبحث عن أي فرصة عمل، بدون فائدة".

ويشير علاء الى أنه حاول السفر للخارج و"لكني نظراً لظروفي المالية الصعبة لم أتمكن من إكمال العديد من المعاملات الصعبة والتي تتطلب الذهاب إلى دولة أخرى وتقديم طلب عبر سفارات والانتظار إلى حين الموافقة، وأنا الآن بغير عمل ولا أي مصدر دخل، حاولت العمل كعامل في أعمال البناء والإنشاء ولكن لم أتوفق لأني مصاب بالروماتيزم وأعمال البناء شاقة وخطرة على صحتي".

ويكمل قائلاً: "ها أنا سأكمل الثلاثين من عمري وأنا بدون عمل بدون أسرة بدون مستقبل.. حتى التفكير بالهجرة حرمنا منه بسبب ظروفنا وحالة الحصار والانعزال التي تعيشها صنعاء".

جيل يتأرجح بين الاكتئاب والانتحار

وعلقت الناشطة أسماء عبدالكريم، المهتمة في قضايا الشباب، قائلة: أجرينا عدداً من الدراسات حول أوضاع الشباب اليمني بصنعاء وحجة وإب، ومن المؤلم أن نقول بأنه جيل اليوم من الشباب هو فعلاً (الجيل الضائع- أو جيل الانتظار)، فهذا الجيل هو الذي حرمته الظروف الحاصلة من أوضاع الحرب والنزوح القسري، إلى حرمانه من التعليم الأساسي والرعاية الصحية والغذاء والاطمئنان الداخلي، وهذا الجيل أيضاً يفتقر للمعنى الحقيقي للشعور بالأمان".

وأكملت: لعل الآثار الأخطر التي يعيشها الشباب العدد المتزايد لحالات الانتحار شهرياً، المتصاعدة بشكل دائم، غير عشرات الحالات شهرياً التي تتحول إلى حالات الضغط والاكتئاب النفسي والتي تسبب الفقدان في التوازن النفسي وحتى الجسدي، كما أن الشباب في هذه الحالة يكونون أكثر تهيئة للاستغلال الفكري والجسدي".