هكذا يعبث الحوثيون بحياتنا!!
السياسية - Wednesday 27 March 2019 الساعة 03:22 pm
"الله يأخذ أولادهم مثلما أخذوا أولادي"، هكذا دعت العجوز السبعينية بحرقة وبصوت مرتفع، وهي تشرح كيف أخذ الحوثيون آخر وأصغر أبنائها إلى الجبهة التي لم يعد منها، بل التحق بأخويه اللذين قتلا وهما يحاربان في سبيل تكريس سلطة الحوثي، وهم كل ما تبقى للمرأة من الدنيا، بعد وفاة زوجها قبل سنوات، كانت تحتضن صورته وهي تبكي وتقول: "أخذوه دم ولحم ورجعوه لي صورة، الله ياخذهم جهنم".
العجوز وأولادها من أسرة هاشمية معروفة، لكن لا علاقة قوية لهم بالقيادات الحوثية، لذلك أخذوهم إلى الموت مباشرة، ولم يعينوهم في المناصب الكبيرة مثل غيرهم كما قالت، بل استخدموهم وقوداً ليتمتعوا وحدهم بالمناصب والفلل والسيارات، ويتزوجوا أكثر من واحدة، كما قالت.
"خدعوهم وخدعوني، الله يخدعهم بأولادهم"، هكذا لخصت الحكاية، ودموعها تتدفق بوجع تعجز اللغة عن وصفه.
مع بكاء العجوز وشكواها، كانت مجموعة من الحوثيين يقتحمون مدرسة بأمانة العاصمة، ويطلبون من المدير أن يفتح لهم الفصول ليمروا عليها لإلقاء المحاضرات على التلاميذ بمناسبة الذكرى الرابعة (للصمود في وجه العدوان)، وعندما طلب منهم توجيهاً بذلك من مدير التربية بالأمانة اتهموه بأنه "عفاشي"، وتوعدوا بالعودة مجدداً، وتغييره ما لم يفتح مدرسته للمحاضرات، بينما كانت الإذاعات المدرسية قد كرست لصالح الجماعة، وبتوجيهات من قيادات تربوية، تحت غطاء مواجهة (العدوان).
أما في مدرسة البنات شرق صنعاء، فكانت المديرة تطوف بالفصول وتطلب من التلميذات كتابة رسائل للمجاهدين:
"مطلوب خمسة ألف رسالة، رسالة من كل طالبة للمجاهدين في الجبهات، وإلا سيقومون بتغييري، ويأتون لكن بمديرة جديدة".
هكذا قالت لهن، بعد أن وقف عدد من الطالبات الفقيرات اللواتي لم يدفعن مبلغ (1500 ريال) المفروضة على كل طالبة شهرياً.
في جامعة صنعاء قامت عمادة كلية التجارة بوضع كاميرات مراقبة في كل القاعات والطواريد بالكلية، فارضة رقابة صارمة على مدار الساعة لمراقبة محاضرات أساتذة الكلية وتجمعات الطلاب، خاصة تلك التجمعات التي يتحدث فيها زملاء وزميلات، لأن ذلك اختلاط، والحقيقة أن السبب المباشر اعتبار أن كلية التجارة كانت أكثر الكليات احتشاداً في مظاهرات 6 أكتوبر الماضي، فتم تشديد الحراسة عليها، وفرض نظام تفتيش دقيق على طلابها وطالباتها.
نظام كاميرات المراقبة على كلية بحجم التجارة تكلف ملايين الريالات، بينما عمادة الكلية تفرض على الطلاب توفير أقلام السبورات والمساحات بأنفسهم، بحجة عدم وجود موازنة، رغم أن عائدات النظام الموازي والنظام العام مئات الملايين.
وفي محاولة للتأثير على طلاب الجامعة جهز الحوثيون صوراً كثيرة في شوارع ومباني الجامعة الواسعة، لصواريخ وأسلحة يزعم الحوثيون صناعتها المحلية، من تلك التي يستخدمونها لقتل اليمنيين في معركة الموت المفتوح التي يقودونها منذ سنوات، مع شعارات حماسية لـ(الجهاد)، وفضل (الشهادة).
الأهم من ذلك أن العمل للتأثير على الطلاب لم يقتصر على مناسبة ذكرى الصمود المزعوم، بل إن أساتذة الجامعة من الجماعة قد فرضوا على الطلاب أبحاثاً حول قيادات الجماعة و(شهدائها)، وتحت هذه الذريعة قاموا بعرض فيديوهات عن حياة الصماد والقوبري والملصي، وغيرهم، مع قيام الطلاب الموالين للجماعة أو الخانعين لمنطق القوة بترديد شعار الجماعة "الصرخة" في قاعات الجامعة.
في كلمة لأحد أساتذة الجامعة التابعين للجماعة بمربع ساحة التغيير الشبابية أمام بوابة الجامعة، قال الرجل للمحتشدين، إنه بكلمة واحدة لـ(السيد) مستعدين لتقديم أرواحنا، برا وبحرا وجوا، وحيثما أمر "سيدي ومولاي".
خطيب مسجد فاطمة قال لمصليي الجمعة، إن من لم يحضر إلى ميدان السبعين ويقف ضد (العدوان) صراحة، ويترجم ذلك قولا وفعلا، فلن يقابله رب العالمين يوم القيامة ولن يدخله في رحمته!!
أمام هذا التحشيد والضخ الإعلامي، في كل مكان وكل وسيلة، فرض شاب مسلح على سائق الباص بالخط الدائري أن يوقف الأغنية التي كان يسمعها، ويقوم بفتح إذاعة حوثية تبث الزوامل، بل وأمره برفع الصوت ليسمع المارة بالشارع زاملهم الحربي، ولأنه مسلح اكتفى الركاب بابتسامة سخرية وصمت مطبق طوال الطريق.
هكذا يسممون المجال العام كل يوم، ويفرضون ثقافتهم كل دقيقة، وينشرون خرافاتهم كل لحظة، ويستغلون كل مناسبة لنشر سمومهم، بل ويخلقون مناسبات لا تمت بصلة لليمن واليمنيين، بغرض الضخ الإعلامي المكثف كوسيلة للتأثير في الرأي العام، وشغله بعيداً عن الحقائق التي لا يجد لها مصدراً من طرف آخر، فما تسمى بالشرعية منشغلة بمعاركها الصغيرة التي تتدفق إلى نهر الحوثي وتغذيه، ليجرف تربة هذا الوطن كما يريد، وبكل أريحية وتفرغ، حيث تشتعل المعارك في مناطق الشرعية بينها البين، بينما تتمتع الجبهات مع الحوثي بالهدوء التام ليتفرغ للسيطرة على المجال العام دون أية منغصات.