غسيل أدمغة اليمنيين في مرمى البندقية الحوثية
السياسية - Saturday 11 May 2019 الساعة 03:24 pm
لا تكتفي الحركات العقائدية، وخصوصاً الدينية، بالسيطرة على السلطة فحسب، بل وعلى المجتمع وثقافته كذلك، وتشكل مساعي الاستيلاء على التعليم هدفاً مركزياً، وأولوية في مسار هذا النوع من الحركات للاستحواذ على عقلية وثقافة المجتمع.
ورغم ما يبدو من تكوين مليشاوي على الحركة الحوثية، فإنها في أساسها جماعة عقائدية هدفها البعيد إعادة هيكلة ثقافة اليمنيين وشخصيتهم بما يخدم مكونات مشاريع التفكيك الطائفي للجناح الشرقي من المنطقة العربية.
نقد مناهج التعليم
بدأت الحركة في أنشطتها الأولى في عام 1990م بأول دورة في ضحيان صعدة، حسب مقابلة صحفية 2005 مع محمد عزان، أحد أهم مؤسسي ما بات يعرف أواخر تسعينيات القرن الماضي بمنتدى الشباب المؤمن.
توسعت فعاليات المنتدى منذ العام 1998 إلى خارج صعدة، وشملت عدة محافظات بإقامة مخيمات ثقافية لشباب مراهقين في أغلبهم شكلوا النواة للحركة الحوثية عقب استحواذ حسين الحوثي على منتدى الشباب ليؤسس حركته الخاصة.
وإلى جانب البناء التربوي والتعليمي لعناصر الحركة، اتجه المؤسس حسين الحوثي إلى نقد النظام التعليمي الحكومي في صورة غير مباشرة بامتداحه الثورة الإيرانية بقيادة الخميني، فيقول "التعليم في مختلف مجالاته، احتاجوا ثورة عليه من جديد، ثورة من جديد بعدما انتصرت الثورة الإسلامية، ليعيدوا المناهج ويجعلوها بالشكل الذي يفيد".
وفقاً لإحدى محاضراته المنشورة في الملازم الحوثية، وفي محاضرة أخرى يطرح بصورة مباشرة استياءه من المناهج التعليمية معتبراً إياها تخدم اليهود، ويقول "يعرفون فيما يتعلق بالمناج الدراسية أنها مناهج بقاؤها على هذا النحو – ولتكن هي ما يتعلمه الناس جميعاً أبناؤنا جميعاً، رجالاً، ونساء– هي في الواقع بالشكل الذي يخدمهم".
وفي رسالة من زعيم الحركة الحالي عبدالملك الحوثي إلى الرئيس الراحل علي عبدالله صالح في العام 2005 إشارة إلى من وصفهم ب"الحاقدين فكرياً"، ويقول في حوار صحفي العام 2008 "لدينا مشروع ذو صبغة قرآنية تنويرية لإصلاح واقع أمتنا، ونحن نتحرك في إطاره ونقوم بنشره".
سارت الحركة الحوثية في طريق التكوين الفكري لعناصرها كأساس يسهل الهيمنة على سلوكياتهم، وما زالت بعد انقلابها في سبتمبر 2014 تولي اهتمامها بهذا الشأن من خلال استمرار ما تسميه الدورات الثقافية، والبرامج الرمضانية، لكنها اليوم لا تقتصر على المنتمين إليها، ولم تعد طوعية في أكثر الأحيان، ولا تتوقف عند صغار السن، وأصبحت الدورات إجبارية لموظفي الدولة للحفاظ على مواقعهم الوظيفية.
جوهر الأزمة
حرص الحوثيون أثناء عملية التفاوض مع المؤتمر الشعبي – قبل انقلابهم عليه– على تشكيل حكومة في صنعاء، على أن تكون وزارة التربية والتعليم من حقهم، وتولاها الرجل الثاني في الحركة، يحيى بدر الدين الحوثي أخو مؤسسها حسين، وزعيمها عبدالملك.
وكان ليحيى وجهة نظر خاصة بالنظام التعليمي عبر عنها في رسالة لعلماء الدين اليمنيين عام 2007، طالب فيها ب"صدور قرار بإنشاء جامعة معتمدة لأهالي المنطقة في شتى المجالات المعرفية مع ضمان حق أبناء المذهب الزيدي في تعلم المذهب في الكليات الشرعية".
وأضاف في رسالته "إعادة اعتماد المذهبين الشافعي والزيدي كمذهبين رئيسيين للدولة واحترام فكريهما وفقهيهما والمناسبات المتعارف عليها في تراث كل منهما (المولد النبوي، الإسراء والمعراج، النبي هود، الغدير... الخ). ومراجعة المناهج الدراسية الدينية لجميع المراحل بحيث لا تتصادم مع أصول أي من المذهبين"، وهي مطالب معقولة إلى حد ما، رغم ما تتضمنه من إلغاء لرؤى دينية أخرى، تطورت بعد الاستيلاء على السلطة إلى استبعاد كل نظرة مخالفة بما فيها الاجتهادات المعتدلة في المذهب الزيدي لصالح بنية فكرية جديدة تستمد مقولات كثيرة من المذهب الصفوي الجعفري في إيران.
ومن أوائل ما قام به وزير تربية صنعاء يحيى الحوثي تنفيذاً لتوجهاته التعليمية تشكيل لجنة لإعادة النظر في المناهج الدراسية، سيراً على خطى الحركة الحوثية عندما كان نفوذها محصوراً في محافظة صعدة، حيث مارست في عمليات سيطرتها على المدارس فرض أفكارها على التلاميذ ومنع تدريس بعض مواد المنهج النظامي كمادة السيرة النبوية.
ودون تفريق بين دوائر الحركة ومؤسسات الدولة قام الحوثيون بإحلال الموالين لهم في مفاصل النظام التعليمي سواء العام أو الجامعي بموازاة استبعاد الآلاف من غير المرغوبين، وصارت شعارات الحركة والمحاضرات الطائفية أمراً معتاداً في المدارس والجامعات، حتى الأهلية منها.
يقول أحد الطلبة الجامعيين، إن الحوثيين أضافوا مقرراً عاماً لكل الكليات بمسمى "الثقافة الوطنية" يبثون عبرها الأفكار الواردة في ملازمهم، والممجدة "لبطولاتهم الزائفة".
وتفيد مصادر خاصة بعكوف دوائر مختصة في الحركة الحوثية على إعداد لوائح للمدارس الحكومية والأهلية تمكن للمزيد من التأثير الطائفي في عقول الناشئة.
يقول د. أحمد الدغشي، الباحث في شؤون الحركات الدينية باليمن، في كتاب له عن الظاهرة الحوثية "يمثل الاتجاه التربوي والفكري في الظاهرة الحوثية جوهر الأزمة ولحمتها وسداها". ويتابع "والواقع أن كلاً من الاتجاهين العسكري والميداني من جهة، والسياسي والتنظيمي من الجهة الأخرى، ليس بأكثر من وسيلتين من وسائل التعبير عن منطلقات – هذا الاتجاه وانعكاساته السلوكية".
مقابل عمليات غسيل الدماغ التي لم تعد تقتصر على عناصر الحركة الحوثية، وإنما صارت تستهدف النسيج الثقافي للمجتمع اليمني، تقف الأطراف المقاومة للمشروع الحوثي عند المستويات الإعلامية والسياسية والعسكرية، السطحية بطبيعة الحال، متغافلة عن الأصل العقائدي العميق للحركة القائم على قاعدة الحق الإلهي وتفرعاته الفكرية.