كوارث "الرخاوة السياسية": هادي واليماني ودبلوماسية "العَشَم" البريطاني
السياسية - Sunday 26 May 2019 الساعة 10:04 pm
تساهلت شرعية الرئيس هادي كثيراً في قضايا مصيرية كانت تتطلب الحزم، مخالفة بذلك رغبة اليمنيين وإجماعهم على ضرورة هزيمة الحوثيين سياسياً ودبلوماسياً أو عسكرياً في حال كان ذلك خيارهم.. وهو خيارهم الوحيد بعد 5 سنوات من الصراع.
وتبعاً لذلك كان تعامل الأمم المتحدة والمجتمع الدولي معها انتهاز رخاوة سياسية لتحقيق أهداف سياسية لا تخدم الشعب اليمني ثم البدء في الإجهاز عليها بصرامة.
ففي ظل تعنت الحوثيين بشأن تطبيق الاتفاقات المبرمة لاسيما المتعلق بالحديدة تنامى رأي عام مفاده أن الحسم العسكري خيار مر لا بد منه، وبدلاً من أن تعبر الحكومة اليمنية والرئيس عبدربه منصور هادي عن رغبات الشعب الذي يمثلانه انتهجوا درباً خلاف ذلك تسيرهم ارتباطات أيديولوجية وتحالفات آنية وأحياناً أحقاد شخصية فكانت معبراً للتجاوزات الأممية.
وفيما لم نجد إصرارها على الالتزام بالمرجعيات والقرارات الدولية إلا في الخطب الرنانة والأبواق الموجهة لأبناء الشعب؛ لم تتمسك الشرعية بمرجعيات بقائها على طاولات التفاوض ونقاشات التنفيذ، ولم تكن سوى معول هدم لأسس بقائها والاعتراف بها دولياً باتخاذ مواقف سياسية مصيرية لا تخدم المصلحة العامة للبلد وإصدار قرارات عشوائية والتراجع عن التزامات استرضاءً لهذه الدولة أو تلك ظناً منها أن ذلك سيشفع لها في مراحل قادمة من الصراع ووعود بتبوء مكانة على مائدة الحل.
أبرمت شرعية هادي ممثلة بوزير خارجيته اتفاقاً في ستوكهولم لم يتم التوقيع عليه وبنصوص عامة حمالة أوجه وبخاتمة مفتوحة يحددها كل طرف بما يتناسب مع طموحاته (ستوكهولم) لتنفيذ الاتفاق؛ بذريعة أن الطرف الآخر ليس جاداً في التنفيذ، وعندما أخل الحوثيون بالتزمين المتعلق بالتنفيذ لم يكن للشرعية موقف حازم حيال ذلك.
وفي سياسة مقتبسة من أروقة الدبلوماسية الإيرانية كانت جماعة الحوثي تصر على تفسير أحادي الجانب لاتفاق ستوكهولم في مسعى للحصول على (إحدى الحسنيين) إما إرغام الطرف الآخر (الحكومة) على تبني تفسيرها المخالف للاتفاق جملة وتفصيلاً، أو التسويف والتأجيل تارة واصطناع العراقيل والإمعان في الجرائم والاعتداءات تارة أخرى وبالتالي نسف اتفاق ستوكهولم؛ ورغم ذلك كانت الشرعية مواصلة اجتماعات عقيمة ونقاشات سفسطائية برعاية أممية.
يدرك المبعوث الأممي البريطاني أن هادي هو الجانب الألين على جانبي طاولة المسار السياسي، لذلك يستبق انعقاد كل جلسة من جلسات مجلس الأمن الأخيرة بشأن اليمن بزيارته لثنيه عن موقف ما لصالح التفسير الحوثي، مدعوم باتصالات دبلوماسية بريطانية رفيعة تحددها أهمية الهدف الموكل بتحقيقه لصالح مبعوثهم.
وأمام "العشم" البريطاني كان هادي يثبت لهم دوماً أنه عند حسن ظنهم وإن كان بخذلان اليمنيين وعلى حساب قضيتهم التي دفعوا في سبيلها دماءً وأرواحاً وتشرداً في مخيمات النزوح والموت جوعاً بانتظار رغيف خبز؛ حتى وصفه أحدهم برجل بريطانيا في اليمن!!
ولا ننسى هنا عدم وجود موقف سياسي للشرعية يبنى عليه جراء فشل المبعوث الأممي في مهمته وتمسكه بطوق النجاة الوحيد الذي قذفه في مياه راكدة تمثل في تنفيذ "أحادي الجانب" للمرحلة الأولى من إعادة الانتشار في الحديدة وموانئها من قبل الحوثيين وفقاً لتفسيرهم، وطرحه أمام جلسة مجلس الأمن الأخيرة كـ"إنجاز" تمكن من تحقيقه على الرغم من مخالفته الصريحة لبنود الاتفاق مشيداً بزعيم الحوثيين وتعاونه في تنفيذ الاتفاق.
كل هذه الكوارث التي قامت بها شرعية الرئيس هادي مؤخراً بحق نفسها وبحق اليمنيين أفضت إلى الموقف الأممي الأخير المتمادي كثيراً في خطاب بعيد عن اللغة الدبلوماسية المتعارف عليها في مثل حالات أخرى كهذه.