ملزَمة الرؤية الحوثية.. اختطاف ناعم للدولة وقطرَنة عصريّة حديثة (1)

السياسية - Saturday 07 September 2019 الساعة 11:29 pm
صنعاء، نيوزيمن، مهدي العمراني:

على قدمٍ وساق تواصل مليشيا الحوثي تغلغلها داخل مفاصل وأركان الدولة اليمنية مستغلّة حالة الاسترخاء الفندقي للحكومة الشرعية واجترار خلافات الأحزاب والقوى السياسية الوطنية، لتصادر القرار السياسي للعاصمة السياسية للدولة اليمنية الوليدة، وتختطف اليمن الجمهوري بعيدًا، وتلقى به قرباناً لأولياء نعمتها في طهران.

وتحت يافطة ناعمة الملمس، وعناوين برّاقة المظهر، تدسّ مليشيا الحوثي سموم عقاربها في مفاصل مؤسّسات الدولة وإداراتها بشعارات الدّولة المدنية الحديثة، وما تسمّيها جزافاً رؤيةً وطنية، لما تزعم أنّه بناء للدولة اليمنية الحديثة، فيما هي في الأساس تغتال كُلّ يوم أنظمة ولوائح وقوانين الدّولة، وفي كلّ شاردة وواردة لها لا تدّخر جهداً يذكر فيما له علاقة بنسف أُسس ومقومات ومعايير ومفاهيم بناء الدولة، أيّاً كانت وحيثما تكون هذه الدّولة..

تخدير موضعي وكيانات عائلية موازية لمؤسسات الدولة

إنشاء وحدات وهياكل إدارية، واستحداث مكاتب فنّية وأخرى رقابية، وإعداد خُطط مرحلية تنفيذية، وتشكيل لجان رقابية، موجهات إرشادية وفرق تنفيذية، ورش تدريبية وحلقات نقاشية، في حين تعاني معظم الإدارات الحكومية من الشلل التام والبطالة والتسريح للموظفين، لذات الوظائف والاختصاصات والعبارات المطاطية التي تحاول مليشيا الحوثي تسويقها كنوع من التخدير الموضعي لمن تتمكّن من خداعهم لبعض الوقت..

تعطيل للدّستور واعتساف للقوانين، وانقلاب على اللوائح والبرامج الحكومية، اختطاف منمّق للدّولة، وقطرَنَة(1) عصرية حديثة، إنشاء كيانات موازية لمؤسسات الدولة، ذات طابع سلالي عائلي لذوي القربى، عبارات وجُمل إنشائية منسوخة من برامج أحزاب وخطط حكومات سابقة..

استخفاف عام بالمواطنين

فشلت حكومة ابن حبتور التي تُديرها مليشيا الحوثي في الوفاء بالحدّ الأدنى من التزاماتها وفقاً لبرنامجها الحكومي المفترض، وبدلاً من مراجعة أدائها، فرّت إلى ساحة الجُمل الإنشائية والعبارات الفضفاضة على شاكلة "قرار وثيقة الموجّهات الإرشادية لإعداد خطة المرحلة الأولى 2019م -2020، في إطار الرّؤية الوطنية لبناء الدّولة اليمنية الحديثة".

لم يتوقّف مسار الاستخفاف بالمواطنين عند هذا الحدّ، فقد ذهبت مليشيا الحوثي بحكومتها الصورية لتشكيل ما أسمتها لجنة حكومية عليا لما ادّعت أنّه "تسيير رؤيتها الوطنية لبناء الدّولة اليمنية الحديثة"، وإمعاناً في الاستخفاف بالعقول لا تجد مليشيا الحوثي حرجاً في إعلان مناقشة هذه اللجنة (لجنة التسيير)، لما أسمتها "الآليات الكفيلة ببدء الانتقال بالرؤية إلى رحاب التطبيق العملي للمهام الآنية والمتوسطة المدى"..

"رؤية بطيخية وفقعسات بخططية"

وتعليقاً على هذه المسمّيات، يرى القيادي في الجماعة والكاتب الصحافي محمد المقالح، أنّ المرحلة لا تحتاج إلى ما وصفها "رؤية وطنية ولا رؤية بطيخية"، بقدر احتياجها فقط إلى "إرادة سياسية وتوجه عام ونهائي في تحمّل مسؤولية حكم الشعب، لا حكم الجماعة وتحقيق مصلحة المواطنين، لا مصلحة الأطراف والفئات والمكونات"، واصفاً الحديث عن الرؤى وتشكيل اللجان وإنجاز المهام ومرحلة الخطوات بأنه "ضحك كبير على الناس وفساد في فساد ومغالطة للنفس والناس".

وفي حين يرى السياسي محمد المقالح في الدستور اليمني والقوانين الحالية ما يكفي لتحقيق الغرض "لمن أراد تحقيقه فعلاً بدون مماطلات"، يتّفق معه الكاتب والمحلل السياسي، عبدالوهاب الشرفي، في أهمّية التزام مليشيا الحوثي أولاً بالنظام والقانون والاعتراف بسيادة النظام والقانون، مشيراً في تعليق له إلى أنّ "الرؤية الوطنية ما تحتاج بخطاط وملزَمة وفقعسات"، مخاطباً سلطات الحوثيين بهذا الخصوص "أوقفوا الفساد بداية بفاسديكم، التزموا بالنظام والقانون، واعترفوا أنتم أولاً قبل غيركم بسيادة النظام والقانون".

وقال الشرفي على حائطه في فيس بوك: "دعوا مؤسسات الدولة تعمل، وأوقفوا تدخّلات مشرفيكم ونافذيكم، أهّلوا وفعّلوا أجهزة الرّقابة على الجميع"، مضيفاً بلهجة شعبية: "هذه هي الرؤية الوطنية في سطرين، أمّا الملزمة بلّوها واشربوا ماءها، أطرف مُخزِّن (ماضغ قات) عيبخطط (سيخطط) أكثر منها"..

.........(يتبع)

---------------------------------------------------------------

(1): حكاية "القطرنة"، حصلت في عهد أحمد، عقب فشل ثورة 1948، التي قتل فيها والده الإمام يحيى، وتولى هو على إثرها الحكم.

لجأ الإمام أحمد، إلى حيلة القطرنة، كوسيلة ﺍﺳﺘﺒﻴﺎﻥ ﻟﻤﻌﺮﻓﺔ ﺍﻟﻤﻮﺍﻟﻴﻦ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﻌﺎﺭﺿﻴﻦ ﻟﺤﻜﻤﻪ، ﻭﻣﻦ ﺟﻬﺔ أﺧﺮﻯ ﻳﺮﻳﺪ معرفة مدى وعي الناس.

ﻭﻗﺘﻬﺎ ﻃﻠﺐ ﻣﻦ ﺍﻟﻴﻤﻨﻴﻴﻦ ﺻﺒﻎ ﻭﺟﻮﻫﻬﻢ ﺑﺰﻳﺖ ﺍﻟﻘﻄﺮﺍﻥ ﺑﺤﻴﺚ يسهل ﻋﻠﻴﻪ ﻛﺸﻒ ﺍﻟﻤﺆﻳﺪﻳﻦ ﻟﻠﺤﺮﻛﺔ ﺍﻟﺪﺳﺘﻮﺭﻳﺔ التي أطاحت بوالده.

وحينها أمر مقربيه ﺃﻥ ﻳﺬﻳﻌﻮﺍ ﻓﻲ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﺃﻥ ﺍﻟﺠﻦ ﻗﺪ ﺗﻤﺮﺩﻭﺍ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺃﻋﻠﻨﻮﺍ ﻋﺼﻴﺎﻧﻬﻢ ﻭﻣﻄﺎﻟﺒﺔ ﺍﻟﺮﻋﻴﺔ ﺃﻥ "ﻳﺘﻘﻄﺮﻧﻮﺍ" ﺑﻘﻄﺮﺍﻥ ﺍﻹﺑﻞ ﻛﻲ ﻳﺤﺼﻨﻮﺍ ﺃﻧﻔﺴﻬﻢ ﻣﻦ ﺷﺮ ﺍﻟﺠﻦ ﺣﺘﻰ ﻳﺘﻢ ﺍﻟﺴﻴﻄﺮﺓ ﻋﻠﻴﻬﻢ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ ﻣﻠﻚ ﺍﻹﻧﺲ ﻭﺍﻟﺠﻦ "ﺃﺣﻤﺪ ﻳﺎ ﺟﻨﺎﻩ"، ﻓﺼﺪﻕ ﺍﻟﺸﻌﺐ ﺍﻷﻣﺮ وخرج الغالبية في اليوم التالي وقد كسا وجوههم القطران، وأول من فعلها ﻭﺯﻳﺮ ﺍﻹﻣﺎﻡ ﺍﻷﻭﻝ ﻭﻛﺒﻴﺮ ﺣﺮﺍﺳﻪ ﻓﺘﺒﻌﻬﻢ ﺍﻟﺸﻌﺐ ﺍﻟﻤﻐﻠﻮﺏ ﻋﻠﻰ ﺃﻣﺮﻩ ﻭﻫﻮ ﻻ ﻳﻌﻠﻢ ﻣﻦ ﺍﻷﻣﺮ شيئاً.

ﻭﻛﺎﻥ ﺍﻹﻣﺎﻡ ﺣﻴﻨﻬﺎ ﻓﻲ ﻗﻤﺔ ﺍلاﻧﺘﺼﺎﺭ والنشوة ﻟﻜﺴﺒﻪ ﺍﻟﺮﻫﺎﻥ على جهل الشعب، وبذلك لم يستجب لدعوات التغيير التي طرحها الأحرار، كونه أدرك أن الشعب لا يزال يؤمن به.

- المصدر عبدالله البردوني - اليمن الجمهوري