علي سعيد.. البطل الذي انتصر لنا من الأشرار لتهزمنا المليشيا من بعده!
متفرقات - Wednesday 16 October 2019 الساعة 06:35 pm
يقاتل بشراسة في مقدمة الكتائب الدفاعية التي ما تلبث أن تتحول إلى هجوم لا يبقي ولا يذر، ولا يتوانى إلا وقد ولّى الأشرار هاربين..
بينما كان ذلك الطفل الأسمر يتقمص دور الأبطال الذين يشاهدهم في التلفاز في تلك القرية النائية شمال تعز، مجسداً أدوارهم ثم يرتجل مواقف أخرى من عنده.. كان الكثير من أبناء القرية صغارا وكبارا لا يفقهون فنون الدراما والمسرح وتفاصيلها سوى أنهم مذهولون ومنجذبون لما يشاهدونه.
يُعرِّف عالم النفس زهير شاكر الإبداع بأنه مزيج من الخيال العلمي المرن، لتطوير فكرة قديمة أو لإيجاد فكرة جديدة، مهما كانت الفكرة صغيرة، ينتج عنها إنتاج متميز غير مألوف، يمكن تطبيقه واستعماله، وعادة ما يكون الطفل المبدع لديه حب الاستطلاع، والرغبة في فحص الأشياء وربطها معاً وطرح الأسئلة باستمرار، واستعمال كل حواسه في استكشاف العالم المحيط من حوله..
كنت أصغر عن علي سعيد بسنين، لذا فأنا لم أكن أعي ما هو المسرح أو فن التمثيل، مثلي مثل بقية أبناء القرية..
غير أن الفتى سعيد يستطيع أن يضحكك وأنت في ذروة غضبك، يجمع الأطفال ثم يقوم بحركات يجسد دور شخوص وفجأة يقوم بإصدار أصوات أو القيام بحركات يجعل الجميع ينفجر ضحكا، واستمر في ذلك إلى أن باتت عادة.. كان تمثيله ليس مجرد تمثيل عادي وقد قيل كل طفل فنان إلى أن يجد من يأخذ بيده..
عاش علي سعيد خجولا وعزيزا، ولا ينهج سبيل العنف مع أقرانه كبقية الأطفال.
وهو الصبي الذي ينتمي لأسرة مكافحة لكنه كان مستمتعا بالحياة من حوله محاربا للأعداء كالفاتحين أو عاشقا يستميت على محبوبته ويقاتل الأشرار الذين يريدون خطفها في عالم خيالي تأثرا بالسينما الهندية..
شكل علي سعيد وفهد القرني ثنائيا مسرحيا أكثر إبداعا كلما اجتمعا لتقمص أدوار مسرحية أمام أطفال القرية..
مرت الأيام ليلتحق الأخير بفرقة الجند التابعة لمعهد الجند -شمال شرق تعز- ثم اشتهر أكثر وبات على علاقة بقيادات لدى الجماعة وذاع صيته وهو الآخر من يمتلك الموهبة أيضا..
غير أن سعيد لم يلتحق بأي معهد كزميله وبات يناضل لإكمال دراسته في مدرسة الشهيد الطيار علي سيف بقرية كلابة -شمال تعز في وافر من المعاناه، ليتحول معه فنه إلى خُلُق، فبينما يلتقي بك سعيد ويحاول إضحاكك مبتسما، يستجديك بإلحاح بأن يشاركك ما بيده من ماء أو طعام أو اي شيء يحمله..
لكن المجتمع لم يكن من نفس طينة سعيد الصادق البريئ المبتسم، المجتمع الذي حاول سعيد ابهاجه منذ أن كان طفلا حتى صار شابا..
الطيبون يغادرون هكذا تتردد على اذهاننا هذه العبارة كلما أخذت الأقدار من هو أجدر بالحياة لذلك فقد قرر علي سعيد أخيرا أن يغادر هذا المجتمع إلى دار أخرى، فضل أن يذهب هناك عند من يقدِّره ويتفهم له أفضل منا، غادر سعيد إلى ملكوت الرب وتركنا..
أعتقد أنه إن لم يغادرنا مبكرا إلى لقاء ربه فإنه كان سيغادرنا مصدوما وهو يشاهد جيرانه يواجهون الموت إما بقذائف غادرة أو برصاص قناصة مجهولين..
علي سعيد ذلك الصبي الذي كان يحذرنا من الاستسلام للعدى، وهو يرتدي ثوب الحرب ويصنع له سيفا من بقايا الحديد وقوسا من معلق الدلو.. ثم ينطلق بضراوة صوب الأعداء وقوى الشر الذين قدموا من حارات أخرى للاعتداء على أطفال حارته..
الزمن غدر بنا يا علي سعيد اليوم ويا ليتنا كنا التقينا بالرب مثلك، على أن لا نرى قوى الشر وقد ألحقت بديارنا واسرنا ومدننا الخراب ونحن لا نستطيع طردهم ولو بسيف من خشب..
لقد بتنا اليوم يا سعيد ضحايا لما ليس لنا فيه ناقة ولا جمل وامسى مصيرنا بيد جماعات تلحق نفسها بالله وهي لا تعرف الطريق إلى الله..
فجأة يرن الهاتف وانا في عميق حزني وقد استجديت الكثير للحصول على صورة شخصية للبطل: "علي سعيد هنا مقيل معنا في مكان ما"..
يا الله.. البطل يُبعث من جديد، ولكنه نازح في وافر اكبر من المعاناة..
ظهور السعيد أعاد لي الأمل وأفرحني مرتين الأولى بوجوده على قيد الحياة..
والثانية تأهبه لمعاودة المعركة ضد الأشرار من جديد ولو بعد حين..
وما ضاع حق وراءه محارب.