كيف قضى السلطان قابوس على الإخوان المسلمين؟

تقارير - Saturday 18 January 2020 الساعة 08:41 pm
نيوزيمن، كتب/ عبدالستار سيف الشميري

من التجارب الجديرة بالتأمل والدراسة تجربة السلطان قابوس مع جماعة الإخوان في سلطنة عمان، وكيفية التعامل الحاسم مع بذرتها الأولى والتي به ولسببه استقرت عمان ولم تدخل في صراعات غالبا ما يكون الإخوان وجماعات اليمين الديني والتطرف هم صناعها.

نحاول في عجالة وإطلالة سريعة لتاريخ الحركة القصير في السلطنة وكيف تخلصت من هذا السرطان الذي استشرى في كل جسد العالم دون استثناء؟ وكيف تعامل قابوس وهو الحكيم وذو السياسة المتزنة والدبلوماسية الهادئة كما هو مشهور عنه؟ وكيف ولماذا اختار طريقا آخر وهو الحسم وتخليص عمان من جماعة الإخوان؟

وسوف نمر مرور الكرام دون إسهاب في أبرز محطات الجماعة في السلطنة منذ البداية حتى الخلاص. 

البدايات:

كانت السبعينات هي المحطة الأولى لفيروس الإخوان في سلطنة عمان وجاء عبر الطلاب الذين عادوا من مصر والأردن وسوريا، حيث كانت البدايات تحت لافتة دعوية وفكرية دون بناء تنظيمي.

وتم استقطاب عدد من النخبة التجارية والحرفية العمانية والشباب للتنظيم، ولم تكن الدولة تعطي الأمر أهمية في هذه المرحلة مما ساعدهم في توسيع أنشتطهم وتوسيع قاعدتهم في مناطق مختلفة.

ومع نهاية السبعينات وظهور دولة الخميني في إيران واتساع المجال السياسي الإسلامي سني وشيعي وشيوع شعاراته، واصلت الجماعة قاعدة أنشطتها وعملت على استيراد الكتب الإسلامية ومنهج الإخوان والتجارب الإسلامية الأخرى، وحصلت على إدارة بعض المساجد عن طريق بعض المنتمين إليها.

المرحلة الثانية:

كانت مطلع الثمانينات، حيث تم استقطاب بعض رجالات الدولة والجيش مثل مسلم قطن وكيل وزارة الزراعة، وخميس مبارك وكيل وزارة التجارة، وعدد من ضباط الجيش والأمن والسفراء.

وظهرت شخصيات قيادية إخوانية في الواجهة الإعلامية، مثل عبدالله الغيلاني وسالم الغزالي وعبدالله باعمر.

ومع وصول الإسلاميين للحكم في السودان أو مشاركتهم فيه في بعض الدول انفتحت شهية الإخوان للتوسع والظهور واعتماد منهج مصارعة الدولة والحكم أو تلقين الأتباع هذا المنهج.

كان السلطان قابوس قد أمر بمتابعة الظاهرة وتقصي الحقائق ودفع من يتحدث إليهم بهدوء وتنبيههم إلى خطر ما يقومون به على السلطنة التي تتبع منهج التعايش والاهتمام بالشأن الداخلي، لكن ذلك لم يفلح معهم.

واصلت الجماعة نشاطها وبنيتها التنظيمية في العام 1988 واعتمدت كل تفاصيل العمل التنظيمي القائم على نظام الشعب والخلايا والأسر التنظيمية والقطاعات وأصبحت عدد كبير يتواجد في معظم جغرافية السلطنة.

ووثقت الجماعة تنسيقها بالتنظيم الدولي وحصلت على دعم تنظيمي ووصل للسلطنة بعض قيادات الإخوان من مصر واليمن والأردن.

وفي تلك اللحظة ومع مطلع التسعينات قدرت الجماعة أنها قد تجاوزت المراحل التنظيمية المعروفة في فكر الإخوان وهي التعريف ثم التكوين ثم التأمين ثم التمكين، وقدرت أنها تجاوزت مرحلة التأمين ويجب الدخول في مرحلة التمكين.

وكان السلطان يدرس أفضل السبل للخلاص من الجماعة لا سيما وقد أصبحت قوية وخطابها خطيرا على السلم والوعي الجمعي للشعب العماني، ودخلت الجماعة التسعينات وهي قد تغلغلت في المؤسسات الرسمية العمانية كافة.

المرحلة الثالثة (عام الجماعة 1992):

انتقلت الجماعة في هذا العام إلى البناء لمؤسسات الجماعة وعمل قانون أساسي للجماعة ومجلس شورى من 15 عضوا وهيئات سياسية وتنظيمية ومكتب تنفيذي برئاسة المراقب العام عبدالله الغيلاني.

وتزامنت هذه الفترة مع أحداث إقليمية وتحولات كان أهمها مشاركة إخوان اليمن التجمع اليمني للإصلاح في الحكم وتعيين الزنداني عضو مجلس رئاسة وكذلك مشاركة بعض الحركات الإسلامية في الانتخابات وتحقيقها مكاسب.

استكملت الجماعة تشكيل بنيتها التنظيمية، ومؤسساتها القيادية المختلفة، وارتفع سقف خطابها واتجه نحو مناهضة الدولة عبر كل قواعدها الممتدة في السلطنة.

وشعر السلطان قابوس أن النصح والتراخي مع الجماعة قد يصيب الدولة بشقاق وصراعات داخلية تقوض كل مكتسبات البناء وتقضي على الدولة في مهدها.. فاتجه إلى قطع دابر الجماعة بقرارات حاسمة وإرادة قوية.

الحسم والخلاص (1994):

يعتبر هذا العام عام توطيد الدولة وحمايتها من الخطر الإخواني الداخلي، حيث تحدث السلطان قابوس في خطاب عام 1994 عن الجماعة قائلاً: (إن التطرف مهما كانت مسمياته والتعصب مهما كانت أشكاله ودوافعه ومنطلقاته نباتات كريهة سامة ترفضها التربة العمانية الطيبة التي لا تنبت إلا طيبا ولا تقبل أن تلقى فيها بذور الفرقة والشقاق).

هكذا حسم السلطان أمره وأمر الجماعة في سلطنة عمان.. وأصدر السلطان بيان الإدانة الرسمي والمعلن لمن ينتمون لجماعة الإخوان أو يحملون فكرهم وأنهم ينتمون لتنظيم دولي محظور، وتم اعتقال قرابة 130 قيادية في الجماعة و20 ضابط أمن وجيش من ضمنهم قائد في سلاح الجو العماني وأحد السفراء السابقين لدى الولايات المتحدة الامريكية. وتمت محاكمتهم، وترواحت الأحكام بين الاعدام والسجن المؤبد.

وكان هذا القرار الحاسم وهذا البتر هو سر استقرار السلطنة بعد ذلك لا سيما وتبعه اطفاء كل مؤسسات الجماعة واحتواء المغرر بهم والعفو عنهم.. وتم تخصيص شعبة أمنية لتتبع أي آثار أو مخلفات للفكر والتنظيم، واغلق ملف فتنة الإخوان في عمان وحفظ في أرشيف التاريخ.

وعندما حصلت أحداث العام 2011 وثورات الربيع كانت سلطنة عمان آمنة من أي استغلال إخواني للأحداث.

وانتهت الجماعة في السلطنة ولم تبعث من جديد إلى اليوم..

أخيراً.. (كن عمانياً أو إخوانياً)

في العام 2014، قامت الحكومة العمانية بإصدار قرار إسقاط الجنسية عن كل عماني يثبت انتماؤه لتنظيم الإخوان المسلمين وحصنت شعبها ودولتها إلى الأبد.

وبذلك يكون السلطان قابوس وحكومته قد قدموا درسا تاريخيا للشعوب التي تريد أن تستقر وتعيش بسلام وازدهار بعيدا عن الصراع والحرب والفتن، وهو ما استفادت منه الإمارات العربية المتحدة حين أمسكت بتلابيب خلايا الإخوان فيها وكان ضمنهم خلية يمنية لقيادات معروفة، فيما اشتهر بالخلية اليمنية، وكذلك استفاد السيسي والجيش المصري.

ودرس السلطان جدير بالتدبر والتطبيق لدول لا تزال على صفيح الحرب والمؤامرات الإخوانية في كل عصر.