قصة تجارة القهوة بالمخا

المخا تهامة - Thursday 30 January 2020 الساعة 09:43 am
المخا، نيوزيمن، د. عبدالودود مقشر:

يؤكد الكاتب أن البن لم يعرف طريقه إلى اليمن الأعلى -وهو ما كان خاضعاً للائمة الزيدية- إلا بعد النصف الثاني في القرن العاشر الهجري، فالعلامة عبدالرحمن بن عبدالكريم بن زياد مفتي زبيد وضع رسالة مخطوطة بعنوان (رساله في القات والكفتة والقهوة والبن) بناءً على استفتاء ورده من صنعاء في سنة 949هـ / 1542م يسأل صاحبه عن حليّة زراعة البن ومشروب القهوة، ثم هناك نص تاريخي يؤكد ما ذهب إليه الكاتب، فقد ورد في (غاية الأماني في أخبار القطر اليماني) لمؤرخ القرن الحادي عشر الهجري المؤرخ يحيى بن الحسين بن القاسم بن محمد، ضمن أحداث سنة 950هـ / 1543م ما يلي: "وفي هذه السنة ظهرت شجرة القات وكثرت في اليمن -يقصد اليمن الأعلى- فرأى الإمام شرف الدين تحريمها وأمر ولده المطهر أن يأمر الناس بقلعها... وفيها أيضا ً ظهرت شجرة البُن، فانتفع الناس بها جداً".

في القرن العاشر الهجري أصبحت أغلب جبال اليمن مكسوة بالبن، وهو ما أشارت إليه الرحلات الأوروبية، وعُدّ البن الفقيهي -نسبة إلى السوق العالمية للبن في مدينة بيت الفقيه- أجود أنواع البن على الإطلاق، واستمرت اليمن مصدر البن الوحيد إلى مختتم القرن السابع عشر، وأصبح للتجارة اليمنية سوق جديدة فتحت لها الأبواب في أغلب أسواق العالم وهو سوق البن، بل أصبح الشعب اليمني يعملون ويشاركون في هذه التجارة بطريقة أو بأخرى من زراعة أو حصاد أو وسيط تجاري أو تاجر أو طبقة عامله تقتات منه، وحتى النخب الحاكمة الوطنية أو العثمانية أصبحت بوجه أو بآخر مساهمة في زراعته وتجارته، فأغلب قادة الحملات العثمانية على اليمن والولاة العثمانيين في العهد العثماني الأول لحكم اليمن (944 – 1045هـ / 1538 – 1635م) كانوا ممن تاجر بالقهوة وامتلك مقاهي أو ما كان يسمى ببيوت القهوة وأوقف بعضها مثل الوزير لالا مصطفى باشا والوزير سنان باشا والوالي جعفر باشا، بل إن المصادر التركية العثمانية قالت إن من أدخل زراعة البن إلى اليمن هو الوالي العثماني لليمن أزدمر باشا بحسب ما ذكر إدوارد جلازر، ويعتقد الكاتب أن السلطان العثماني مراد الرابع ( 1032 – 1049هـ / 1622 – 1640م) حارب القهوة وشدّد في فرض العقوبة على متعاطيها وتحريمها ومنعها نتيجة لطرد قواته العثمانية من اليمن في سنة 1045هـ / 1635م، ووسيلة اتخذها كحصار اقتصادي على اليمن، سرعان ما فشل بسبب الإقبال العالمي على القهوة اليمنية المصدرة من المخا.

 لقد أشارت المصادر العثمانية إلى أن "أكبر ثروة في الولاية هي محصول قهوة اليمن المشهورة في أقطار الدنيا" (راجع يمن سالنامه 1313، ولايت مطبعة سنده طبه أولمنشدر، صـ402). 

وعُدّت اليمن في القرنين العاشر والحادي عشر الهجري/ السادس والسابع عشر الميلادي الدولة الوحيدة في العالم التي احتكرت تجارة البن إلى العالم وعاشت اليمن أزهى عصورها الحديثة في تلك الفترة، وتمثل ذلك في الاستقرار السياسي والذي كان عاملاً في الازدهار الاقتصادي والازدهار الفكري وازدهار الحياة العلمية.