الحوثي تزوج الميناء.. الحديدة أرملة البحر الأحمر

تقارير - Monday 03 February 2020 الساعة 10:32 pm
نيوزيمن، كتب/محمد عبدالرحمن:

الحديدة عروس البحر الأحمر عبر التاريخ، ومحط أنظار قوى الاستعمار من البرتغالية والإيطالية وكذلك البريطانية، أرض سهلية ومدينة صقلتها الأزمان ورسمت البساطة في سحنة أبنائها وطريقة عيشهم، لا صوت لسكانها ولا هدف غير العيش بسلام، بعيداً عن الهيمنة والاستعلاء الذي تتعامل به ميليشيات الحوثي الإرهابية بعد إسقاط الدولة في صنعاء.

تعيش الحديدة ظروفاً قاسية تحت سطوة ميليشيا الحوثي، تجتاحها الأوبئة والأمراض والمجاعات، لا يقف الحوثي بمسؤولية أمام التزاماته التي يجب عليه القيام بها تجاه الناس، فقط يتم استخدام أوجاعهم وظروفهم في التسويق السياسي، والمزايدات السياسية، لا يشبع من تعذيب المواطنين والتضييق عليهم، ورجمهم في أتون الأمراض القاتلة.

عشرات الآلاف من الألغام وسط المدينة

لا قيمة لحياة المواطنين في القاموس الحوثي ولا يهمه أن يبعثر المدينة وقد أحاطها بالألغام، بيوت بأكملها أصبحت ملغمة، وشوارع بطولها وعرضها أصبحت ملغمة، الحارات القريبة من مناطق الاشتباك في الربصة وسبعة يوليو مكدسة بالألغام والأنفاق الملغمة، أصبحت تحركات المواطنين حذرة خوفاً أن تنفجر فيهم ألغام زرعها الحوثيون دون مبالاة بحياة السكان.

وليس الألغام فقط هي من تهدد المواطنين بموت فجائي، بل أصبحت العمارات السكنية مكدسة بالأسلحة والقذائف والصواريخ المحمولة، يتعمد الحوثي أن يحول المناطق السكنية والمكتظة بالسكان إلى مخازن لحفظ الأسلحة والصواريخ والعبوات الناسفة خوفاً من كشفها واستهدافها بالطيران.

مراكز عسكرية في وسط الأحياء المدنية

كعادته ينتهج الحوثي سياسة التخفي وسط الأحياء السكنية، فقد اتخذ من الفلل والعمارات السكنية مراكز تأوي المقاتلين، حيث استولى على بعض الفلل في الحي التجاري في المدينة والتي تركها أصحابها وهربوا من بطشه، وحولها إلى مراكز عسكرية، وبعضها استأجرها بمبالغ زهيدة وخاصة البيوت المنفصلة، وبعض الشقق في مناطق مختلفة.

يتخذ مقاتلو الحوثي سياسة التمويه، حيث يعتمدون على عدم الخروج من تلك المراكز إلا للضرورة وبحالات فردية، ويعتمدون على مراسلين منهم يقومون بالخدمات اللوجستية التي تتطلب أشياء يحتاجونها بشكل يومي، ولا يثيرون ضجة أو أصواتاً مرتفعة يمكن سماعها خارج المبنى. 

 تقطيع أوصال المدينة

قامت الميليشيات الحوثية بتقطيع أوصال المدينة، حيث نصبت في أغلب الشوارع والمداخل حاويات بعد تعبئتها بالتراب، وحولتها إلى متاريس عملاقة، مع ترك ركامات الأتربة بأكوام كبيرة في الطرقات مما أدى إلى تضييقها بشكل كبير.

بتخذ مقاتلو الحوثي من أسطح المباني المرتفعة عند "الجولات" وفي المناطق القريبة من الاشتباكات أماكن لتمركز القناصين الذين يستهدفون المارة بين الحين والآخر، ثم يوهمون الناس أن من قام بالقنص هم الطرف الآخر -أي المقاومة الوطنية- من أجل إثارة حالة من العدائية تجاه قوات المقاومة.

الميناء أهم من كل شيء 

الحوثي لا يهمه موت العشرات من أبناء الحديدة، بسبب الأمراض والجوع، ولا يهمه تقديم الخدمات، ولا يعترف بأهمية للمدينة وسكانها بمثل ما يعترف ويهمه ميناؤها الذي أصبح غريباً عن أبناء الحديدة، حيث قام الحوثي بفصله عن المدينة وجعلها طوقاً لحمايته والدفاع عنه، لا يريد المدينة فهي غير مجدية له ولا تدر عليه أموالاً كما هو الميناء.

يستميت الحوثي في الميناء إلى درجة أن الأفراد والقيادات المكلفة بحمايته ينحدرون من مناطق صعدة، ومقربون جداً من عبدالملك الحوثي، لا يثق بأحد ولا يأتمن عليه سوى أكثر المخلصين له من أبناء منطقته مران، ليس من أجل الحماية وحسب، بل أيضاً في جني الإيرادات المهولة من عائدات الميناء.

في أكثر الأحوال يعمل أبناء الحديدة في الميناء كعمال لنقل البضائع بأجرة يومية، لا يستطيعون اتخاذ قرار لمصلحة المدينة ومصلحتهم شخصياً لأنهم لا يتواجدون في مراكز إدارية، وإن تواجد بعضهم لا يستطيعون إبداء ولو رأي محدد، إنهم يعملون لدى قيادات الحوثي بما يشبه العبودية في زمن الإقطاعية.


لو تفاوضت شرعية هادي والإخوان في استوكهولم على تحرير مدينة الحديدة مقابل أن يبقى الميناء تحت سيطرة ميليشيا الحوثي لن يتردد الحوثي بالقبول والموافقة تحت رعاية أممية، لأنه لا يريد المدينة فهو يعتبرها وأبناءها دروعاً مادية وبشرية تحمي الميناء شريان الحياة بالنسبة له.