قصة تجارة القهوة

القهوة في مصر والسودان وشمال إفريقيا

تقارير - Wednesday 05 February 2020 الساعة 07:56 am
المخا، نيوزيمن، أ.د عبدالودود مقشر

انتشرت القهوة في مصر من قبل الطلاب والمتصوفة اليمنيين في الرواق اليماني أحد أروقة جامع الأزهر الشريف وفي التكايا الصوفية، فقد تحدث المؤرخ ابن عبدالغفار المالكي -وهو مصري- عن وصول القهوة إلى مصر في مطلع القرن العاشر الهجري / السادس عشر الميلادي بين عامي 908هـ - 909هـ / 1502 – 1503م فقال: "ثمّ في سنة ثمان أو تسع وصلت -القهوة- إلى مصر، وكان ظهورها في حارة الجامع المعمور بذكر الله، وكانت تشرب في نفس الجامع في رواق اليمن، وكان يشربها فيه اليمانيون ومن يسكن معهم في رواقهم من أهل الحرمين الشريفين، وكان المستعمل لها أولاً وبالذات منهم الفقراء -الصوفية- المشغولين بالرواتب من الأذكار والمديح على طريقتهم المشهورة، وكانوا يشربونها كل ليلة اثنين وجمعة يضعونها في ماحور كبير من الفخار الأحمر ويغترف منها النقيب بسكرّجة صغيرة ويسقيهم الأيمن فالأيمن مع ذكرهم المصاد عليها وهو غالباً: لا إله إلا الله الملك الحق المبين، وكان يشربها معهم موافقة لهم من يحضر الرواتب من العوام وغيرهم".

ذكر ابن عبدالغفار المالكي في موضع آخر أن القهوة انتشرت في القاهرة وبقية المدن المصرية واصبحت كمشروب شعبي يومي فقال: "...كان يشربها معهم من أهل الجامع وغيرهم خلق لا يحصيهم إلا الله..."، هذا الإقبال كان في جانب آخر سمّة أساسية في حياة المصريين، فرغم مقاومة للقهوة إلا انها لا تقارن بالمقاومة للقهوة في الحجاز أو بلاد الشام أو اسطنبول، بل يشبه الكاتب ما حدث للقهوة وانتشارها بسرعة في مصر والتقبل الشعبي من قبل كافة فئات المجتمع لها في القرن العاشر الهجري/ السادس عشر الميلادي بما حدث للقهوة في بدء أمرها في اليمن وهو ما جعل ابن عبدالغفار المالكي يقول: "لم يعرض ولم يتعرض أحد في هذه المدة مع طولها لشرابها ولا أنكر شربها لذاتها ولا لوصف خارج عنها من إدارة أو غيرها كما يشهد بذلك كله من كان في الجامع الأزهر إذ ذاك ووقف على هذه الأحوال"، ومن مصر انتقلت القهوة إلى بلدان المغرب العربي والسودان.


قدم الرحالة التركي اوليا جلبي وصفاً بديعاً للمقاهي في رحلته إلى مصر، فعندما تحدث عن الطوائف الحرفية بمصر قال عن (طائفة بائعي القهوة): "لهم 63 مقهى في بولاق ومصر العتيقة ومصيف قايتباي والقاهرة، وهي مقاه واسعة تستوعب الواحدة منها ألفا من الرواد، ولها مقاصير وشادروانات وأحواض للماء، وكان يتردد عليها المغنون والشباب الصباح وبلغاء الشعراء... وهي مقاه ذات أسبلة وفسقيات وأحواض، وفي كل منها مغن رخيم الصوت، وعازف بارع، ولا تخلو من الضوضاء والضجيج ليل نهار، ومما تمتاز به أنه إذا قدمها رحالة من الترك أو الفرس أو العرب حل ضيفاً في ركن من أركانها وهي ملتقى أهل العلم والعرفان".