سياسة الحوثيين لتأليف وتوظيف قصص الكشف عن (خلايا معادية)

تقارير - Thursday 23 April 2020 الساعة 11:51 am
صنعاء، نيوزيمن، فارس جميل:

بعد استيلاء جماعة الحوثيين المسلحة على صنعاء، بدأت بإطلاق وصف (الطابور الخامس) على كل من يعيش في مناطق سيطرتها ولا يواليها أو ينتمي إليها، ولأن ذلك التوصيف ظل هلامياً ولم يحقق هدف إطلاقه، تم اللجوء إلى سياسة جديدة اتبعت تحديداً بعد تعميد فك الارتباط وإلغاء التحالف بينها وبين الرئيس السابق علي عبدالله صالح بالدم، وأتت ضمن جهودها للتخلص من كل من ظل موالياً لصالح والمؤتمر يومها، ثم من بقية القوى المناهضة للجماعة، وأيضاً لترويع وإرهاب سائر اليمنيين من مصير مرعب إذا لم يسلموا عقولهم وجيوبهم وأبناءهم للجماعة، حيث تم ابتكار سياسة الكشف عن خلايا موالية للتحالف بقيادة السعودية، ومعادية للحوثيين، وتوريط من يرغبون في معاقبته أو التخلص منه بتهمة من هذا القبيل، سواءً كانت تلك تحمل جزءاً بسيطاً من الحقيقة أو كانت مختلقة بشكل كامل من قبل أجهزة المخابرات والدعاية التابعة للجماعة.

معلوم أن تهمة الخيانة و(التعامل مع العدو) بالغة الخطورة لو أطلقت من قبل الدولة، لكنها أشد خطورة حين تطلق من قبل ميليشيا تختطف الدولة وتستخدم أجهزتها ومؤسساتها دون رقيب، فهي تضع حياة كل فرد تم وصفه بها في خطر محقق، وبينما يتم ابتزاز بعض اليمنيين بتهم من هذا النوع، يتم استخدام البعض الآخر إعلامياً ضمن آليات الدعاية التي تمارسها الجماعة بشكل مكثف، وبتدريب خبراء لبنانيين غالباً، ولم تقتصر تلك التهم على الرجال بل تعدت إلى النساء اليمنيات لأول مرة في التاريخ.

يتذكر الكثير من اليمنيين ما نشرته الجماعة في برامج تلفزيونية متعددة عبر قنوتها من إفادات أدلى بها أفراد بسطاء من اليمنيين سجلت تحت القوة، وتضمنت اعترافات بتهم ليس لها أساس ولا تمت للواقع بصلة، منها التواصل مع التحالف أو بعض قيادات الحكومة اليمنية وغيرها من القوى المناهضة للحوثيين، للتآمر ضد الجماعة واستهداف الأمن والاستقرار في مناطق سيطرتها، ولكن تلك التسجيلات رغم كل الجهود المبذولة لإظهارها بشكل واقعي لم تجد صدى لدى الشارع اليمني، وتلاشت بانتهاء بثها من شاشات المسيرة.

عندما لم تجد تلك التسجيلات الملفقة أي قبول من اليمنيين، تطورت جهود الجماعة إلى اختيار شخصيات معروفة نسبياً للراي العام اليمني، في محاولة لإعطاء تلفيقاتهم بعض المصداقية التي يريدونها، وبدأ الأمر بالناشط علي الشرعبي الذي اختطفته الجماعة بصنعاء، وأرغمته على الظهور في تسجيل فيديو بثته ليلة قمعها للمظاهرات التي منعتها واعتقلت عشرات النساء ومئات الرجال والشباب الجامعيين بسببها في أكتوبر 2018.

تم إنتاج مقطع فيديو علي الشرعبي يومها بغباء كبير وبشكل مستعجل ووظيفي ربما لاستخدامه كذريعة لقمع تلك المظاهرات تحديداً، فقد كان شكل تسريحة الشرعبي يتغير بين دقيقة وأخرى من التسجيل، وهذا كشف لأغبى الأغبياء أن تلك الاعترافات التي لم تقل شيئاً واضحاً في نهاية الأمر تمت تحت القوة، وأن الرجل تعرض للعنف أكثر من مرة خلال التسجيل، وظهر ذلك من نبرة صوته وشكل شعره.

بعد محاكمة صورية مستعجلة لعدد 36 يمنياً وصفهم الحوثيون بأنهم خلية تابعة للعدوان، وكشف حقوقيون بأن إجراءات الاعتقال والمحاكمة التي انتهت بحكم إعدام ضد 30 فرداً منهم، وما تلاها من فبركات كانت مخالفة للقانون النافذ كلياً، كما هو حال الجماعة برمتها، نشرت وسائل إعلام الجماعة أخباراً عن كشفها لخلايا معادية في مؤسستي الأمن والجيش، وكانت تلك مقدمة للتخلص من شهود الحقيقة في أجهزة الأمن، وأيضاً حيلة لإعادة تشكيلها ووضعها تحت قيادات وعناصر مضمونة الولاء لها، بعد ما وصفته بتوحيد أجهزة المخابرات الذي تم فيه حل جاهزي الأمن القومي والسياسي، إلا أن تلك الخطوة كانت تمهيدية لما بعدها، وهي فبركة روايات عن وجود خلايا معادية لها، يكون المطلعون على حقيقتها من أتباع الجماعة الموثوقين، بحيث تظل طي الكتمان، ولا تكشف للرأي العام.

بشكل خاص، اهتم المجتمع الدولي بقضية البهائيين الذين حكمت عليهم الجزائية المتخصصة تحت سلطة الحوثيين بالإعدام، ولهذا تراجع الحوثيون عن الحكم بحبكة إخراجية أصدر فيها المشاط قراراً بالعفو عنهم لم ينفذ حتى الآن، وهؤلاء اعتقلتهم حكومة هادي بتهمة التجسس لمصلحة إيران، وفي عهد الجماعة ولإبطال هذه التهمة ربما، تحولت تهمة التجسس لمصلحة إيران إلى تجسس لمصلحة إسرائيل في عهد الحوثيين، وكانوا قبلها قد تراجعوا عن حكم إعدام ضد الصحفي يحيى عبدالرقيب الجبيحي الذي لا يزال نجله معتقلاً لدى الجماعة.

عندما رفض سمير العماري مدير مدرسة عبدالرزاق الصنعاني بأمانة العاصمة ترديد الصرخة في مدرسته اعتقله الحوثيون يومها، ولم يجدوا سبباً يمكن إعلانه للناس، ورفض ترديد الصرخة لن يقنع أحداً، أصبح العماري مؤخراً عضواً في خلية موالية للتحالف، فعملية تسجيل فيديو يتضمن اعترافاً من أي نوع من أبسط المهام التي يمكن لعناصر الغرف المظلمة في معتقلات الجماعة القيام بها.

آخر الخلايا التي أصبحت حديث الساعة في وسائل إعلام الحوثي، كانت مجموعة الصحفيين العشرة المعتقلين في يونيو 2015.

بعد خمس سنوات من الاعتقال والتعذيب، تتوجت بحكم إعدام ضد أربعة من أصل عشرة صحفيين لم تعلن الجماعة أي تهمة موجهة ضدهم خلال سنوات الاعتقال، تحول هؤلاء إلى خلية تعمل لمصلحة (العدوان)، بكل بساطة كانت التهمة نشر أخبار معادية واستلام أموال من (المرتزقة)، الغريب فيها أن المخصص اليومي لكل عضو كان ثلاثة آلاف ريال يمني لا غير، وهو مبلغ يساوي أقل من قيمة حبة ونصف من الدجاج، وبدلاً من اعتراف الجماعة بقمع حرية الصحافة وحظرها كلياً في مناطق سيطرتها ما لم تكن تابعة لها ومسبحة بحمد عبدالملك، اعتبرت ممارسة الصحافة جريمة وخيانة عظمى تستوجب الإعدام!!

الأغرب من هذا أن المبعوث الأممي لم يتطرق لهذا الحكم بإعدام أربعة صحفيين في إفادته الأخيرة لمجلس الأمن.