لماذا لم يُهزم الانقلابيون في اليمن!!

السياسية - Friday 24 April 2020 الساعة 12:14 am
عدن، نيوزيمن، معتز الشوافي:

منذ انقلاب الحوثيين على الدولة في اليمن وهم يدركون قبل غيرهم أنه من المستحيل أن يكتب لهم السيطرة على الحكم اعتماداً على الحديد والنار في إخضاع وتركيع الشعب، وعلى أكذوبة الحق الإلهي في الحكم والتي يدركون زيفها وإن تدثروا بها لتبرير جرائمهم وأفعالهم، فهم يدركون طبيعة الشعب الذي لا يمثل حاضناً لهم ولا لمنهجهم ولا لسياستهم.

فكل المؤشرات بما فيها الواقع -رغم مرارته- تشير إلى وتؤكد استحالة انتصار جماعة الحوثيين الانقلابية في الحرب الدائرة رحاها منذ خمس سنوات، وبغض النظر عن تغير المعادلات في فترات مختلفة، فإن استحالة انتصار هذه الجماعة هو الثابت لدى الجميع.

لكن السؤال الأهم يبرز في أنه طالما من الثابت عدم انتصار الحوثيين، فهل النقيض هو الثابت؟ وبمعنى أدق: هل الثابت هو انتصار الطرف الآخر المتمثل بالشرعية؟ لتكون الإجابة بأن الواقع المنطقي أن يكون كذلك خاصة مع امتلاك الشرعية لمقومات النصر من الحاضن الشعبي إلى الشرعية الشعبية والدولية التي تحظى بها مرورا إلى الدعم الدولي الذي تحظى به وخاصة الدعم المقدم من دول التحالف العربي ماليا وعسكريا ولوجستيا، ومع ذلك فإن ذلك لم يحدث للأسف حتى الآن.

والواقع اليوم يشير إلى أن خمس سنوات وأكثر من الحرب لم تحسم المعركة لصالح أي طرف، والسبب في البداهة التي بات يدركها الجميع، وهي أن أخطاء الشرعية التي ترتكبها مع سبق الإصرار والترصد وبوعي ممنهج أيضا هي من تمنح الجماعة الحوثية الاستمرار في الحياة، لبصبح الشعب اليمني ضحية لعصابة منظمة تسمى ميليشيا الحوثي، وسلطة هشة تديرها عصابات متفرقة ورئيس مغيب تسمى سلطة الشرعية.

وبلاشك فإن الهشاشة التي لازمت الشرعية تعود إلى سيطرة جماعة الإخوان المسلمين على القرار السياسي والعسكري للشرعية، وتسخيره لخدمة أجندة التنظيم الدولي بعيدا عن الأجندة الوطنية، فانشغلت الشرعية -المسيطر عليها من قبل الاخوان- بفكرة الاستحواذ بدلا عن الشراكة، وباغتنام الدولة بدلا عن استعادتها، وبالمعارك الجانبية والعبثية بدلا عن معركة التحرير، وبالعمالة للدول الاقليمية بدلا عن الهم الوطني.

عملت جماعة الإخوان المسلمين مبكرا على جعل فكرة الاستحواذ ضمن أولوياتها، باعتبار أن استحواذ الجماعة على مؤسسات الدولة المختلفة وفي مقدمتها مؤسسة الرئاسة والمؤسسة العسكرية والأمنية، يعني استحواذها على القرار السياسي والعسكري، وهو طريق ”التمكين” للجماعة التي ستستأثر بذلك بالمناصب المختلفة في الدولة دون بقية القوى. 

وقد عملت على تحقيق هذه الأجندة وهي تستغل ضعف شخصية الرئيس هادي الذي يفتقد القدرة على اتخاذ القرار، كما يفتقد القدرة على إدارة الدولة ومؤسساتها، فهو يمتلك شخصية ضعيفة ولا مبالية وغير قادرة على فهم الأمور من حولها وتشخيصها واتخاذ القرار، بل قام بتسليم سلطاته فعليا للشلة المحيطة به والمتمثلة بنائبه علي محسن الأحمر ومدير مكتب الرئاسة عبدالله العليمي ونائبه الشيخ العيسي، بالإضافة إلى عدد من أقاربه أبرزهم نجله جلال وغيرهم.

سيطرة الإخوان المسلمين على القرار السياسي والعسكري للشرعية ألقى بآثاره السلبية على أدائها في مختلف المجالات، فقد عمل الإخوان على التعامل مع الدولة كغنيمة من خلال إصدار التعيينات والقرارات المخالفة للقانون بهدف الاستيلاء على مناصب الدولة الإدارية والعسكرية، وهو ما تسبب بوجود سلطة هشة وفاشلة وغير قادرة على إدارة المناطق المحررة أو تقديم النموذج الإيجابي للشرعية في أي مجال من المجالات. 

ولعل عملية الإقصاء التي مارسها الإخوان المسلمون ضد القوى الأخرى المؤيدة للشرعية، قد تسببت بإضعاف جبهة الشرعية وانقسامها، وبروز الخلافات البينية، وضعف الحاضن الشعبي للشرعية في المناطق المحررة، بمقابل وحدة جبهة الانقلابيين في الطرف الآخر، ونجاحهم بتقديم نموذج للدولة يكاد يكون مقبولا أكثر بكثير من نموذج الدولة في مناطق سيطرة الشرعية. 

كما أن تركيز جماعة الإخوان المسلمين لجل جهودها للسيطرة والاستحواذ على المؤسسة العسكرية والأمنية، قد تسبب ببناء مؤسسة عسكرية هشة ذات ولاء حزبي ضيق، وبدون ولاء وطني، وسهلة الاختراق، ومجردة من المعاني والأهداف والقيم الوطنية، حيث تحولت في نظر قياداتها وأفرادها إلى مجرد وسيلة للاسترزاق والإثراء، وهي تقوم على معادلة الأسماء الوهمية باعتراف قيادة الجيش نفسها. 

ويكفي في هذا السياق أن نذكر أنه تم التخلص من معظم قيادات المؤسسة العسكرية والأمنية التي تمتاز بالكفاءة والخبرة والتأهيل العلمي، حيث تم التخلص منها بحجة تبعيتها للنظام السابق، وتم استبدال هذه القيادات بأخرى مدنية من أعضاء حزب الإصلاح، وتم منحها رتبا عسكرية ومواقع قيادية عليا في الجيش، ما يعني أن الجيش الجديد تم بناؤه بطريقة مخالفة للمعايير العسكرية المتعارف عليها. 

السياسات التي اتبعتها جماعة الإخوان المسلمين في السيطرة والاستحواذ على الشرعية بكافة جوانبها مثلت السبب الأبرز في الاختراقات المهولة للشرعية في الجوانب العسكرية والسياسية على حد سواء، فقد نجح الانقلابيون في اختراق الشرعية ما ساهم بمدهم بالأسلحة والأموال والمعلومات المتدفقة إليهم، وتسليمهم المواقع من قبل الإخوان، كما حدث في نهم والجوف، وهو ما ساهم باستمرار الحياة في جسد الانقلاب إلى اليوم، ومعظم القيادات المخترقة للشرعية تتواجد حاليا في مأرب وتتبوأ مناصب عليا في الجوانب المدنية والعسكرية.

ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد من تقديم الدعم للانقلابيين، بل تعداه إلى دعمهم بالمقاتلين بأشكال مختلفة، تارة عبر انشقاق وحدات عسكرية من الجيش الوطني وانضمامها للانقلابيين، وتارة أخرى عبر دعم جبهات الحوثيين بالأسرى من مقاتليهم الذين يتم الإفراج عنهم وإعادتهم إلى الانقلابيين ضمن ما يسمى بصفقات التبادل والتي يقوم الإخوان المسلمون من خلالها بالإفراج عن الأسرى الحوثيين مقابل إفراج الحوثيين عن مخطوفين مدنيين يتم اختطافهم بهدف إنجاح صفقات التبادل المشبوهة هذه.

اختراق الشرعية ليس حكراً على الانقلابيين فقط، بل إن دولاً إقليمية معادية للشرعية وللتحالف العربي وأهدافه في اليمن قد نجحت في اختراق الشرعية، والاستحواذ على قراراتها، حيث تتم هذه الاختراقات عبر قيادات جماعة الإخوان داخل الشرعية، وأبرز هذه الدول هي قطر وتركيا وعمان، والتي تعمل على تنفيذ أجندتها الخاصة المتقاربة والمتحالفة مع المشروع الإيراني في اليمن. 


كما أنه من أهم الأسباب التي أدت إلى عدم انتصار الشرعية هو توجهها إلى فتح معارك عبثية من قبل قيادات الإخوان المسلمين في الشرعية وفي مقدمتها علي محسن الأحمر، وأبرز هذه المعارك -التي تأتي متزامنة مع توقف الجبهات مع الحوثيين- هي المعركة ضد الجنوب وضد القوات المشتركة في الساحل الغربي، وهي المعارك العبثية التي يتم التحشيد عسكرياً لها من قبل الإخوان في أبين وشبوة وتعز.


فجميع المؤشرات تؤكد أن هزيمة الانقلابيين في اليمن تبدأ من تصحيح أوضاع الشرعية، واستعادة قرارها الوطني المستقل الذي تم مصادرته لصالح جماعة الإخوان المسلمين، خاصة أن الجماعة باتت تعمل بوضوح لصالح أجندة إقليمية وغير وطنية تتمثل بالأجندة القطرية والتركية والعمانية، فالشواهد تؤكد أن نبض الحياة في جسد الانقلاب تقف وراءه عمالة جماعة الإخوان التي تسيطر على الشرعية وتتحكم بها.