إب.. مدينة مفتوحة للسلام والفيد والمذهبية والخذلان

السياسية - Tuesday 19 May 2020 الساعة 03:57 pm
إب، نيوزيمن، خاص:

منذ 6 أعوام على اجتياح مليشيا الحوثي الانقلابية للعاصمة صنعاء وبقية المحافظات وصولًا إلى الجنوب، وهي تعمل على تكريس نمط معين من النظام القائم على مجموعة مشرفين ممن تتداخل مهامهم مع موظفي الدولة والوظيفة العامة.

كما فرضت هيكلة إدارية مخالفة للقوانين ولِما هو عليه أي نظام إداري، محاولة تغيير نسيج المعاملات، وهي بذلك تهيئ لوعي إداري جديد خاص بها وباستراتيجيتها القائمة على السيطرة والاستحواذ ومُلزم للجميع.

وبحكم ضبابية الصراع الذي امتد من بعد أزمة 2011 بعد خروج فصائل تنادي بشعارات التغيير، وهو ما التبس على كثير من اليمنيين وما زال اللبس حتى الساعة رغم وضوح أمور عديدة، فضلت محافظة إب أن تختار طريق السلام.

مواجهات انتهت لصالح الجماعة

حدثت بعض المواجهات في كثير من المديريات بعضها جاء نابعا من رفضهم لجماعة الحوثي التي تعاملت مع بعض الخصوم من صعدة مرورًا بمحافظة عمران بصورة بشعة، فيما كانت مواجهات أخرى تمثل تيار الإخوان المسلمين (الإصلاح).

سيطرت الجماعة تمامًا وقضت على كل بؤر المقاومة غربًا باتجاه العدين حتى محافظة الحديدة وشرقًا باتجاه المناطق الوسطى حتى الضالع.

أصبحت إب بالكامل تخضع لقرار مليشيا الحوثي بغطاء بعض المحسوبين على حزب المؤتمر الشعبي العام من قيادات وغيرهم، مع تكثيف تعزيز المدينة بالوافدين الجدد من "صعدة" ومحيطها، وإحلال موظفين من بيوت بعينها.

ولم تكن محافظة "تعز" بأفضل حال، رغم استمرار المواجهات وحصول أطراف ما سميت بالمقاومة على بعض الحصص الجغرافية، تمثلت في أجزاء متفرقة؛ أهمها ربما وسط المدينة قبل أن تدخل في صراع مرير فيما بينها فيتم إخراج جماعة "أبو العباس" خارج المدينة.

تجاوزات المليشيا وأهمية المحافظة

استمرت محافظة إب في الحفاظ على السلام خاصة بعد أن تدفق نازحون من كل من تعز والضالع والحديدة، ناهيك عن العائدين من محافظات أخرى، ما أدى إلى ازدحام المدينة وإحداث حركة تجارية غير عادية، وارتفاع سوق عقارات الأراضي وإيجارات البيوت.

أدرك الحوثيون مسبقًا أهمية المدينة وطبيعتها الجغرافية، وتركيبتها الديمغرافية، لذلك فرضوا أجهزة أمنية إضافية، وعززوا من روابط الولاءات، واشتغلوا على الجانب التثقيفي الخاص بهم وب(مسيرتهم القرآنية).

قمعوا الخصوم من كل التيارات، استقطبوا "شهداء" أو بالأصح مقاتلين صاروا فيما بعد شهداء، واستقبلت مقابر المحافظة المتناثرة عشرات الجثث، وتم تصفية (أمين الرجوي) أحد أبرز القيادات التنظيمية والسياسية لحزب الإصلاح بعد اعتقاله في ال 3 من إبريل 2015، ثم لحق بعده (الجُماعي) في إحدى المواجهات.

وتجلت أهمية المحافظة لدى المليشيا أنها بوابة رئيسة لمدينتي "تعز والضالع"، ولها منافذ وطرق تبقيهم متمسكين بالكثير من الجغرافيا، كما أن لها منافذ استراتيجية باتجاه محافظة "الحديدة" وفي حال فقدتها سوف تتساقط مثل أحجار الدومينو.

ليس للمليشيا هدف سوى الحرب

لم تعبأ المليشيا بحجم التذمر الذي يبديه المواطنون خاصة في إب، فهي من وقت لآخر تُفاقم الأوضاع سوءًا من خلال التعيينات، حيث تشير التقارير إلى أن معظم من تم تعيينهم في الأمن، والأوقاف، والصحة والتعليم، ودوائر القضاء، وحتى المنشآت الرياضية بصورة "فخرية" من أسر هاشمية وموالية لها.

مؤخرًا نشرت صحيفة "الشرق الأوسط" تقريرًا أشارت فيه إلى حجم التعسفات والجبايات التي تفرضها المليشيا، في الوقت الذي عبر فيه البعض بإغلاق محلاتهم كنوع من الاحتجاج قبل أن يتم اعتقال ما يقارب 24 تاجر جملة، بأمر من المشرف الحوثي (ماجد التينة)، والذي يحمل صفة مدير "هيئة الزكاة" وهي دائرة تم استحداثها من قبل الحوثيين.

وقد أشارت تقارير سابقة إلى أن محافظة إب أصبحت بمثابة المكافأة، وبؤرة لتجميل وجوه بعض المشرفين الذين رفعت ضدهم شكاوى في العاصمة صنعاء وذمار وغيرهما من المحافظات، إلى جانب تعمد القيادة العليا للجماعة تصدير كل من عليه شبهة لغسلها هناك.

المحافِظ صنمٌ على هيئة حصان

باستثناء بعض الأقلام الإعلامية التي تحاول تدارك الأمر، بأن الرجل يعمل ليل نهار ويسهر من أجل راحة أبناء إب، ونشر صوره وهو يمسح على رأس الأيتام، أو وهو يحل قضية ثأر بين طرفين، فإن الواقع الأمني والسياسي مرير والتجاوزات تقول غير ذلك تمامًا.

كما تثبت الأحداث اليومية أنه عاجز عن تحريك طقم عسكري واحد لحل أي قضية أو إخراج معتقل، وأن المحافظة برمتها تدار من قبل (طارق الشامي)، ومدير الأمن (الطاووس)، ومجموعة مشرفين من صعدة؛ يشرفون على مشرفين من نفس المحافظة وعلى المحافظ نفسه.

إضافة إلى محاولة جس النبض بأنه سيتم تغييره إلى محافظة أخرى وإظهار التمسك به من جهة ثانية، وهذا يأتي بمثابة إطلاق رصاصة الرحمة، لأن الرجل وبحسب المعطيات لا يمثل أي دور باستثناء الصفة (محافظ).

والأهم من ذلك هو استعانة المليشيا ببعض الذين كان محكوم عليهم في قضايا جنائية، بعد اخراجهم من السجون وإعطائهم أدوارًا اشرافية تضمن عدم قيام أي تحركات مسلحة ضد الجماعة.

السلام حين يصبح جريمة

بسبب الصراعات الحزبية، والتحالفات نحت المحافظة منحى مختلفا، حيث أدركت مبكرًا أن مواجهة الحوثي لا يحتاج إلى معارك مسلحة في الوقت الراهن، وكان لا يزال الصراع الحزبي والإيديولوجي البارد بين أهم حزبين متناقضين، المؤتمر والإصلاح، على أشده.

نكاية بما فعلته قيادات وقواعد حزب الإصلاح وأمور أخرى؛ تقبلت العديد من قيادات ومشايخ المؤتمر الوضع الحالي، وكذلك المشايخ ومعظمهم لديهم ارتباط وثيق بالأرض والرعية ولديهم مصالح.

كما أن المساحة التي تركت أمام الحوثي للعب دور معين منذ أزمة 2011 سهل عليه وبمباركة من أحزاب اللقاء المشترك التوغل أكثر في مفاصل الدولة.

أضف إلى ذلك مؤتمر الحوار الوطني الذي طالت فترته قبل أن ينتهى في يناير 2014 دون أي حل لمعظم القضايا المصيرية، وعدم رغبة هادي في ترك السلطة بحسب الوقت المحدد.

حتى جاءت الفترة التي رافقت تحالف "الحوثي والمؤتمر"، خلال سنوات تدخل التحالف العربي؛ أثرت بشكل كبير على توجه المواطنين عمومًا، وتقبلهم للمليشيا كأمر واقع وشر لا بد منه وليس "كحكامٍ دائمين"، إذ إن سلطة المليشيا لم تقرر بعد تقديم مصلحة المواطنين على المشروع الطائفي.

خذلان الشرعية للمحافظة

أدرك العديد من أبناء المحافظة مبكرًا ضعف حكومة الشرعية، وعدم قدرتها على تغيير مجريات الأحداث بأي شكل، على الأقل استمرار دفع رواتب الموظفين لبعض القطاعات الهامة كنوع من حسن النية.

زد على ذلك ما حدث من معارك في بعض المناطق الحدودية مع الجنوب في الضالع والعود وبقية الأماكن التي واجهت مليشيات الحوثي بأسلحتها الشخصية حتى تمت الغلبة للمليشيا.

كل ذلك وغيره من الاكتفاء بعمل قيادات عسكرية وإدارية تعيش خارج نطاق المحافظة، جعل حبل التواصل مقطوعًا تماما، ما عزز من حضور جماعة الحوثي بكل ثقلها.

ولا يمكن إغفال المعسكرات التي كانت موجودة هناك وتتبع القوات المسلحة، والأسلحة والمعدات التي تحولت فجأة لتصبح تحت سيطرة المليشيا، والعديد من القدرات الأمنية.

كل ذلك جعل من الحوثي يتعامل مع المحافظة كأنها جزء من التركة أو "ملكية خاصة"، مستغلًا العديد من الأسر التي تنتمي إلى الهاشمية، والتي أظهرت في بعض المناطق ولاءً مطلقًا كمديريتي "النادرة والسدة" ومناطق في مديرية "العدين". 

انهيار القطاعات الخدمية

لم تعط المليشيا أي اهتمام بالجانب الخدمي واكتفت بما هو موجود، فيما فقدت العديد من الجهات ميزانيتها التشغيلية برغم الإيرادات الهائلة التي تتحدث عنها التقارير وبالارقام.

السيطرة المطلقة على "جامعة إب" ونهب مبالغ نقدية كبيرة كانت مخصصة كنفقات تشغيلية، إضافة إلى اعتقال بعض الكوادر، ومحاولة فرض الصرخة وقَسَم الولاء لعبد الملك الحوثي مباشرة من داخل أروقة الجامعة.

واتهم مراقبون محاولة التكتم عن الأوضاع المزرية من قبل مليشيا الحوثي، إلى جانب تفاقم الأوضاع الإنسانية، وتدني الحالة المعيشية واستمرار التلاعب بالمعونات الغذائية والصحية، ومنع موظفي المنظمات من النزول الميداني والتحرك للوصول إلى الناس.

اليوم تعيش المحافظة حالة من الهلع والخوف بعد انتشار "جائحة كورونا"، خاصة وأن الجميع يدرك تمامًا انشغال المليشيا بالجبايات وتجميع الزكاة، واحكام السيطرة المطلقة على المحافظة، إلى جانب تركيزها على معارك الضالع والبيضاء.

إضافة إلى ذلك فشل الحوثيون في استيعاب الحالات المرضية المختلفة في "العاصمة صنعاء"، حيث تواجه المستشفيات الحكومية والخاصة العديد من الحالات بالرفض، ناهيك عن غياب الرقابة الصحية والتي أظهرت العديد من الأخطاء الطبية في المحافظة دون أي محاسبة.

وتشير الأنباء والتقارير إلى أن هناك عشرات الضحايا في مستشفيات الثورة والكويت وزايد، تتكتم حولهم المليشيا رغم دعوات المطالبة بالشفافية. 

انفلات أمني غير مسبوق

شهدت المحافظة عمومًا حالة من الانفلات الأمني غير المسبوق خلال العامين الماضيين، نظراً لانتشار المسلحين، واعتماد السلطات على مشرفين من أصحاب السوابق وممن ليس لديهم أي خبرة عسكرية.

تسبب هذا الانفلات في إعدامات خارج القانون، وسقوط ضحايا بالعشرات دون وجود غرماء، إلى جانب أن المعنيين بحماية الأمن هم أنفسهم من تسببوا بالعديد من الأحداث.

بالمقابل استمر تدفق المقاتلين من جميع مديريات المحافظة، وبدت الحاجة ملحة بعد أن فقدت المليشيا مئات المقاتلين في المرحلة الأخيرة على حدود الضالع والبيضاء ومأرب والجوف والحديدة.

وقد وقع بعض ما سموا ب"المشرفين الثقافيين" في ورطة، حيث تم إجبارهم على الحضور وحشد مقاتلين بعد أن تم إقناعهم بداية الأمر أن مهمتهم تقتصر على التوعية فقط.

المشروع الطائفي يسير قدماً

استغلت المليشيا القبضة الحديدية وسكون الناس، وانشغالهم بالبحث عن لقمة العيش، وذهبت بعيدًا عن همومهم وتطلعاتهم، أرادت أن تغير وجه المحافظة ونسيجها الاجتماعي.

كثفت من دورتها الثقافية المعروفة، نشرت الملازم المتعلقة بعراب الجماعة حسين الحوثي، تدريجيا بدأت بتدريس الشباب أمورا تخص المذهب.

غير أن البعض يعتقد جازمًا أن المحافظة ستنجو رغم كل الأهوال والمتاعب اليومية التي تسببت بها الفوضى، وربما يجد الحوثيون أنفسهم خارج ما رسموه.

الأهم من ذلك أن تأتي اللحظة التي يجد فيها الناس داخل محافظة إب وغيرها من المدن أنفسهم وقد تحرروا من قيود لا تخصهم وأفكار لم تستوعبها العقول.