الأصدقاء.. حساسية مفرطة وضيق في التنفس
متفرقات - Tuesday 19 May 2020 الساعة 08:14 pm
الحديث عن الأصدقاء أمر ذو شجون، ومسار مليء بتقليب الأوجاع، فهم كثر على تنوعهم وتعدد طباعهم وفهمهم للواقع المرير خاصة مع وجود وسائل التواصل الاجتماعي والتي أهمها الفيس بوك.
شخصيًا لدي أصدقاء أعرفهم إما من المنطقة أو ما جاورها وآخرون من هنا وهناك، وكثير منهم إما مؤدلج يدعي التحرر لمجرد أنه تحدث عن العلمانية بصوت مرتفع، أو يدعي الاستقلالية التامة من باب التهرب الضريبي، أقصد التهرب من الحسبة على طرف ما.
لديهم حساسية مفرطة لمجرد ذكر؛ صالح أو طارق أو أحمد أو النظام السابق؛ ولمجرد الإشارة فقط يعتبروني متعصبا، ومطبلا، ومتحزبا معفنا.
طبعا معروفة منشوراتي وكتاباتي ولا أزكي نفسي، إذا كان قول رأي أو معلومة أو الحديث من باب القناعة هو تعصب وعفن فعلى الدنيا السلام.
وإذا كان الحديث عن صالح والنظام السابق بما كان عليه وما كان يجب؛ جريمة يعاقب عليها الأصدقاء فهذا أمر آخر.
قبل فترة كتبت التالي: "بعد قليل خطاب لطارق"؛ ولكم أن تتخيلوا فقط حجم الشتم في المنشور والسب والانتقادات والخطب فقط لأني قلت ذلك.
بالأمس كتبت عن قانون كان يجرم إطلاق النار على أي مواطن من قبل العسكري مهما كانت درجة الخطورة، مسترسلا أن ثمة حكمة في القانون أو حرصا حتى لا يصبح الأمر قتلا لمجرد الاختلاف على حبة بيض مثلا أو كأس ليم أو غيره، فما كان من الأصدقاء إلا أن فتحوا النار على هذا المواطن الغلبان لأنه ذكر "النظام السابق"، حاولت أقول لهم آسف لكن ذلك لم يشفع.
إجمالًا. مثلما تنتظرون مني أو غيري ممن لهم آراؤهم الإنصاف وأنا أحاول دائما أن أكون منصفًا بقدر الإمكان، أنا أيضا لا انتظر منكم أن تجاملوني ولا حتى الإنصاف، كل الذي انتظره منكم أن تكونوا عقلاء في التعاطي مع ما نناقش ونطرح من أفكار وآراء وقناعات، وأن تخففوا من الحساسية تجاه مواضيع لا تحتاج لاكتشاف.
كما أن حديثي عن النظام السابق لا يعني أنني متحزب، فالحزبية تقوم على أبجديات وتنظيم وبطائق وولاء وهو ما لم أعرفه أبدا ولا أتذكر أني يوما نظمت لصالح حزب أو انخرطت في اجتماعات.
أعرف أن صالح تَشّكل في أذهانكم كذكرى سيئة، هي قراءتكم للأحداث والتواريخ وعيونكم التي لا تحب أن ترى إلا ذلك وإن كنا لا ننكر أن ثمة أخطاء حدثت في مرحلة عمرها 33 عامًا، لكن ذلك لا يمنحكم كامل الحقوق في أن تتحسسوا حتى من ذكر أحدهم أو عمل مقارنة.
لما كان البلد قائما قلتم بأن السواد يلفه من شماله إلى جنوبه ولا بد من إحداث تغيير وثورة، ولما سقط حملتم تلك المرحلة ما لم تحتمل.
اليوم يتم الاحتفاء بشارع منور بالكهرباء أو جسر تم ترميمه وكأننا كنا لا نعرف شيئا من هذا.
انتظر الناس الجديد من القوى التي أتت، وهي في الأصل كانت موجودة ولم تأت من السماء، وكانت مكشوفة ولا يمكن التعويل عليها، باستثناء ما نتج عن الساحة وهم قلة ادركهم الحظ وفازوا بجزء من السعادة على حساب الثوار والمواطن، وظل الأمل يساور العديد من الناس ومع ذلك تم القضاء على الموجود حتى وصلنا إلى كل هذا.
تعفن جرحى الثورة والمواجهات المسلحة فيما بعد في عواصم العالم، ومات من مات إما كمدًا أو جراء إصابته، وانتعشت بورصة تجار الحروب، فافتتحوا المصانع والشركات والأرصدة في البنوك، وحملوا للمرة الأولى "فيزا كارت"، وما زال صالح وحده عالقا كذكرى سيئة.
دفع الشعب الثمن لأخطاء وتقديرات سياسية فادحة، وتغيرت التحالفات كأحجار الشطرنج، لكن عقولا لم تتغير.
لست بصدد إدانة أحد من الأصدقاء ولا حتى من الغرماء فهم في منأى عن الإدانة شئنا أم أبينا، الغرض هو تكثيف الحديث عن بعض مواقع الآلام بأثر رجعي ولغة واضحة.
مرت رئاسة هادي وامتطّت إلى 8 سنوات عجاف، فرصدت له كل الأعذار والاحاجي والمبررات استهلكوا الوقت في "مؤتمر حوار" فاشل في المدخلات وفاشل في المخرجات.
نهبت القدرات المالية وكل وزير ومقرب وصاحب سلطة خصص له ميزانية وتصرف بالنيابة عن وزارة المالية والبنك المركزي ولم تجد الأصوات التي ترتفع لمجرد ذكر صالح.
تم احتلال وزارة الخارجية وتم تعيين "البزارين" والصبيان والبنات حتى خلفوا وعاشوا في سبات ونبات، مات المواطن ألف مليون مرة وتمزق الوطن ومع ذلك ظل صالح هو باب الخراب ونافذة البلاء.
ارتكبت آلاف المخالفات والتجاوزات ممن كانوا دعاة ثورة وتغيير، وكانوا سندًا لعدالة وحرية ماتت في المهد ودولة مدنية ذهبت مع الريح.
صمت النجل الأكبر أحمد علي منذ ما قبل 2011 ومع ذلك لاحقته همساتهم ولمزاتهم ولم يشفع له شيء وظل ذلك المغضوب عليه حتى قتل أبوه وخسر كل الامتيازات، كل تلك النظرات فقط لأن فصيلا معينا يريد ذلك.
الإخوان أو بالأصح الإصلاح يصنعون الخصوم ثم يبدأون المواجهة التي يعرفها الكثير كيف تبدأ وكيف لا تنتهي ثم يتم شيطنتهم حتى (جواس) الذي قتل (حسين بدر الدين الحوثي)، لم يعد في "البرمة" فقد أعلن التمرد وصار من المغضوب عليه.
الوطنية غائبة عند الجميع إلا الإخوان المسلمين، والارتزاق أصبح سمة الجميع إلا حزب الإصلاح، والتعصب أيضا والحزبية المقيتة وحب القانون والشرعية، والوقوف مع الرئيس، والوحدة الوطنية اليمنية تم بيعها والأرض والآن الإصلاح يعمل على استعادتها.
ولو أن أحد الشباب توقف فقط أمام ما تفعله فروع اتحاد الطلاب التابع للإصلاح في كوالالمبور ماليزيا، والهند، والسودان، وتركيا، والمغرب وغيره من عواصم العالم بالتعاون مع سفراء من نفس الفصيل، لعرف أن هذه الجماعة لا يمكن أن تغير من طبيعة تفكيرها ونظرتها للآخر إلا بما يتوافق مع مساراتها هي مهما ادعت التحرر.
ينقاد معظم القيادات الإعلامية والسياسية خلف توجهات (توكل) أو أبسط قيادي في كنتوناتهم وهذا شأنهم لكن حين يأتي الآخر لطرح رأيه قالوا يا دولتاه.
معظم أجهزة الدولة الأمنية الحساسة كانت تدار في السابق من قبل أشخاص معروف انتماؤهم الحزبي والإيديولوجي ومع ذلك نسوا كل شيء.
حدثت خلال الأعوام الماضية جرائم قتل بل إبادة وأحداث يشيب لها الرأس لكن الكثير وللأسف توقف في جمعة الكرامة وساحة تعز.
ليس جرما أن يقول نبيل الصوفي أو رضوان الهمداني أو فكري قاسم أو معين النجري أو فيصل الشبيبي رأيه، الجرم أن يتم التحليل والتحريم لمجرد أن تلك الآراء مخالفة لتركيبتكم الفسيولوجية.
اليوم وصلت توكل كرمان لأبعد من نوبل وصارت "مشرف" على مليارات المتابعين والمستخدمين في لجنة شكلتها إدارة الفيس بوك، وتم تناولها سلبا وإيجابا حسب الخصوم، وإذا سألت أحدهم سؤالا واحدا توكل أخذت نوبل لأنها أشعلت ثورة أمامها آلاف من علامات الاستفهام، فما الذي قدمته للسلام منذ نوبل حتى اليوم ليتم وضعها "مشرفا".
كثيرون يعتقدون أن الأمر اعتباط أو مجرد تقدير لا أكثر أو حالة شرفية، هذا الشيء غير صحيح، هي ترتيبات تحاك بعناية فائقة نستطيع أن نقول معها اللهم لا حسد والله يستر مما سيأتي.
للجميع بلا استثناء، كل الحب والتقدير حتى أولئك الذين ولدوا في عام 2000 و2005 و2010 ولم يروا يوما أبيض، والذين ولدوا في 2011 و2014 و2017 أيضا اعتذر لهم سلفًا ومن هذه اللحظة، وأتمنى أن يطيل الله بالأعمار ونصبح أصدقاء طيبين ومفسبكين مؤدبين بفضل الله سبحانه والنظام العالمي الجديد.
ودمتم..