هل يرث "التحالف التركي الإيراني" في اليمن "التحالف السعودي الإماراتي"؟

تقارير - Tuesday 16 June 2020 الساعة 11:02 pm
المخا، نيوزيمن، فريق التحرير:

وصلت الأمور في مناطق سيطرة مليشيات الحوثي في شمال اليمن إلى نقطة الغليان. لكن هذا لا ينبغي أن يبعث على الاعتقاد بأن الظروف باتت مهيأة الآن لانتفاضة شعبية تجرف الانقلابيين وسلطتهم القمعية المنبوذة شعبياً. إن الجماهير تفتقر إلى الأمان وإلى الأمل معاً.

في ظروف بالغة التعقيد والسوء كالتي تتكالب على الشعب المتروك لوحده للسنة السادسة على التوالي والمسحوق تحت عجلات الاستبداد والتجويع وجائحة أوبئة يتصدرها فيروس كورونا، فإن التعويل على غليان شعبي في مواجهة الحوثيين يبدو ضرباً من المستحيل، طالما افتقدت الجماهير الثقة والقيادة الملهمة والبديل الجاهز والمتحفِّز إلى التقاط الفرصة التاريخية.

وتزداد مشاعر اليأس شعبياً وسياسياً وحتى عسكرياً بالتأمل في خارطة الصراع وشتات المشاريع والقوى؛ فإن أداء الشرعية وأطرافها في الجهة المقابلة أقل ما يقال إنه يبعث على اليأس وتنعدم معه شروط المراهنة على قوة حقيقية متماسكة وجادة ولديها التزام أخلاقي وسياسي واحد تجاه البلاد والسكان.

إن أكثر ما يخدم الحوثيين في هذه الظروف، ليس تراكم وتعاظم قوة الحوثيين وأدوات الضغط والنفوذ والسيطرة التي بين أيديهم، بل تراكم وتعاظم ضعف وعجز وفشل وفساد الأطراف التي نخرت الشرعية وأفرغتها من الداخل ومن مضمونها وحوَّلتها إلى كائن هزيل، وجرفتها بعيداً عن هدف استعادة الشرعية والحكم والعاصمة والدولة وإنهاء الانقلاب الحوثي وكسر شوكة المليشيات [الأمر يصدق بقدر أو بآخر على التحالف وتعرضه لنتائج ليست أقل سوءًا].

لماذا تخلّى الإخوان، فضلاً عن بقية القوى، عن فكرة وخيار استنهاض الغضب الشعبي وتغذية الثوران الداخلي ضد الحوثيين؟ كيف فعلوا ذلك مع نظام قائم وقوَّضوا دولة وشرعية وأغرقوا بلاداً في الفوضى والخراب والاحتراب، على سبيل "الثورة" ومقولات التغيير والإرادة الشعبية، ولكنهم للمفارقة تخلوا عن كل تلك المقولات وأسقطوا كافة الخيارات عندما صارت الحاجة مُلحّة إليها بالفعل لاستعادة البلاد والحق في الحياة والمواطنة؟

الإجابة على هذه النوعية من الأسئلة المباشرة، يمكن التماسها بطريقة غير مباشرة في الجبهات وأخبار المعارك والحرب؛ الحرب التي فقدت زخمها من وقت مبكر باتجاه صنعاء وأهداف العودة والاستعادة والتحرير، ودخلت في سلسلة انتكاسات متلاحقة زرعت بذور الهزيمة والخذلان في متاريس الحرب وجبهاتها تباعاً، وسمَّمت السائل الأحمر المفترض الذي يتدفق في شرايين المعركة برمتها.

تتوافر الإجابات على امتداد سنوات وانتكاسات المعركة -المصيرية الواحدة والكبيرة- والتي تهشمت وجرى ويجري تفتيتها وإعادة توزيعها وتسويقها معاركَ صغيرة وحروباً عبثية واستنزافية تماماً لروح المقاومة ولإرادة التحرير ولآمال وتطلعات الشعب الغفير الذي نالت منه الخيبات وشواهد الخذلان والمتاجرة به في سوق الحرب - واللا سلام.

ومع تزايد مظاهر التهميش والترك والتجاهل للشعب ولخيارات التعويل والتفعيل للإرادة الشعبية والتلاقي معها، راحت تتزايد مظاهر التوسُّع في استقطاب تدخلات وقوى وأطراف خارجية، كخيارات بديلة تتشيّع لها القوى التي باتت تنسلخ بالشرعية عن تحالفها ومجالها العربي وتؤذن جهاراً بالتحالف التركي، وهو ليس النِّد أو الخصم للمحور الإيراني أو لإيران وحلفائها في المنطقة وفي اليمن خاصة.

قبل هذا جرى التعامل مع التحالف العربي/الخليجي بطريقة التخريب المتدرِّج من الداخل وعبر أدوات وقوى هي نفسها الجسم الرئيس والمحتوى الأبرز لما يُقال لها الشرعية التي تتمتع بدعم وجهود وتمويلات وخدمات التحالف. للأسف، لقد سُمح لهذا بالحدوث على مرأى ومسمع، كما سُمح للتحالف القطري التركي بمراكمة مكاسبه وجولاته على حساب التحالف السعودي الإماراتي. وللأسف ثانية وثالثة أن هذا ما زال يحدث وبأكثر من طريقة. حتى مع بروز أكثر الشواهد صراحة حول تبلور الخط والخطة البديلة وانكشاف أهداف ومقولات التحالف التركي القطري.

نحن أمام سيناريوهات مباشرة وواضحة ولا تتعمد حتى الغموض أو التستر. لقد تسلسلت أمام الأعين كل حلقات الانجراف الشديد بالحرب والصراع عن الأهداف المركزية والرئيسة، والتجريف الذي عاناه ويعانيه التدخل العسكري للتحالف بقيادة السعودية في اليمن، نحو ميادين وساحات قتال وصراع بديلة وبعيدة جداً عن الهدف الأول وعن صنعاء واستعادة الشرعية وإنهاء النفوذ الإيراني وسيطرة حلفاء وذراع إيران على الحكم والعاصمة والبلاد في شمال اليمن.

من المؤسف والمثير للتشاؤم: أن فاعلية التحالف تتآكل، بينما يواصل تجاهل كافة المعطيات، ويواصل الاعتماد على نفس أدوات وخيارات الفشل والإفشال والاستنزاف المهول للحرب ومجهوداتها ومدخلاتها على مدى ستة أعوام.

ومن المثير -مثالاً- أن تتقلّص الطموحات والخيارات إلى مستوى رعاية وتمويل حملات للتنديد بلائحة "الخُمُس" الحوثية، حينما كان الهدف بالأساس هو اقتلاع الحوثية وسيطرتها على السلطة والبلاد جملة واحدة. يصدق الأمر -سيان- على الشرعية أو على التحالف. إذا لم تكن هذه انتكاسة استراتيجية فما هي الجدوى من تدريس الاستراتيجيات؟

في أفق الصراع المتضارب/ المضطرب لا تبدو ثمّة مؤشرات على أنّ الأمور ذاهبة إلى الأفضل. وإن أسوأ ما قد يحدث -ولا شيء يبدو أنه يعمل على منع حدوثه-: هو أن ينكفئ التدخل والتحالف/ السعودي أكثر فأكثر، بينما تتشكل باطراد خارطة نفوذ وتقاسم وقوى تتوارث وتتناهب مدخلات التحالف وتمويلاته ونتائج انكشافه وتفرض جدولَ أعمالٍ مغايراً للحرب. إنّ هذا قد يتهدد حتى تلك المعاقل التي ربما تطمئن المملكة حتى الآن أنها مناطق نفوذ مغلقة عليها، في شمال شرق اليمن وفي شرقه الجنوبي أو جنوبه الشرقي.