مستقبل المجلس الانتقالي الجنوبي في ضوء حكومة المناصفة وحرب النفوذ

تقارير - Monday 10 August 2020 الساعة 09:29 pm
نيوزيمن، كتب/ إياد قاسم:

على الرغم أنه من السابق لأوانه التنبؤ بنجاح أو فشل الاتفاق الجديد الذي أعلنت عنه المملكة العربية السعودية، التي تقود التدخل العسكري في اليمن، بين المجلس الانتقالي الجنوبي وحكومة الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي في 29 يوليو الماضي، إلا أنّ ثمّة عوامل موضوعية محلّية وخارجية تُحدّد إلى حدٍ كبير المسار العام الذي قد تمضي فيه العملية السياسية، على الأقل، في جنوب اليمن، ومستقبل اللاعبين الرئيسين فيه.

لملمة التمزّق

خلال ثلاث سنوات من نشأته الحديثة، في مايو آيّار 2017، برز المجلس الانتقالي الجنوبي، الذي يطالب باستقلال جنوب اليمن، كطرف رئيس ومؤثّر في الساحتين العسكرية والسياسية في المشهد اليمني الجنوبي، فضلاً عن امتلاكه حضوراً جماهيرياً كبيراً، وهياكل تنظيمية جيدة، وعلاقات خارجية ودبلوماسية، بعد سنوات عديدة من حالة تمزّق "مكوّناتية" سادت الحركة الاحتجاجية في مناطق جنوب اليمن (الحراك الجنوبي)، التي انطلقت في العام 2007 إبان فترة نظام الرئيس اليمني الراحل علي عبد الله صالح.

ولأنّ هياكل الحركة الجنوبية السابقة كانت تفتقر بشكلٍ دائم لمظلّة تنظيمية سياسية موحّدة، واضحة الرؤية والاستراتيجية، وتنازعتها ولاءات ورغبات بعض زعمائها، وفق تأثيرات الميول السياسية التفصيلية والخلفيات التاريخية، وحتى العوامل الجغرافية، رغم تشارك غالبيتها لهدف "استعادة الدولة الجنوبية" أو "فك الارتباط" أو "استقلال الجنوب"، إلاّ أنّ تشكيل المجلس الانتقالي الجنوبي منح هذه الكيانات مظلةً سياسيةً، استطاعت ردم جزء كبير من واقع تشظّي واسع، وعزز الصوت الجنوبي القوي وحضوره محليا وخارجياً.

وعلى الرغم من إنشاء المجلس، بعد تحوّلات سياسية وعسكرية واسعة في المشهد العام في اليمن، وعلى الواقع الجيوسياسي في جنوب اليمن، إلّا أنّ وقوف الإمارات العربية المتحدة كداعم رئيس لتأسيس هذا المجلس، ضمن سياق رؤيتها –كعضو في التحالف العربي- لإعادة الاستقرار لمنطقة جنوب اليمن، قد أثار حفيظة دول خليجية وإقليمية، لها ارتباطات بصورة أو بأخرى بأطراف سياسية ودينية وقبلية في شمال اليمن وبعض مناطق الجنوب.

حرب النفوذ الداخلية

سعت دولة قطر إلى دعم جماعة الإخوان المسلمين (التجمع اليمني للإصلاح)، لمواجهة المجلس وأهدافه داخل الصراع اليمني، وشنّ إعلامها هجوماً واسعا ضد المجلس، واعتبر المجلس أداة لتحقيق نفوذ دولة الإمارات، وطموحاتها الاقتصادية في المنطقة. انطلقت الرغبة القطرية في دعم الأطراف المناهضة للمجلس، من حالة العداء الذي تعيشه الدوحة وأبوظبي على خلفية مقاطعة الرباعية العربية لها في يونيو 2017، فضلا عن تنافس اقتصادي ونفوذ تقوده البلَدان في أكثر من مكان استراتيجي في آسيا وإفريقيا.

إلى جانب قطر، برز دور سلطنة عمان في دعم وتمويل قبائل جنوبية في محافظة المهرة غرب حدودها، وشرق عدن، بحسب تقارير غربية في 2019. سادت العلاقات الإماراتية - العمانية خلال السنوات الماضية حالة من الحرب الباردة، ساهم الإعلام القطري في تأجيجها، فضلا عن العلاقة الاستراتيجية التي تربط مسقط بدولة إيران.

يناير، مطلع العام الجاري بدت ملامح انفراجة في الأفق بعد وفاة السلطان السابق قابوس بن سعيد ووصول هيثم بن طارق إلى الحكم. وعلى الرغم من مساعٍ إقليمية من خارج الدول العربية للتأثير على السياسة العمانية، وتعميق الخلاف بين دول مجلس التعاون الخليجي، خصوصاً علاقات مسقط مع أبوظبي والرياض، إلاّ أنّ من شأن أي انفراجة مع مسقط، أن تنعكس بشكل إيجابي على المناطق الشرقية لجنوب اليمن، خصوصا محافظة المهرة الحدودية مع عمان.

لا يزال القيادي البارز في الحراك الجنوبي حسن أحمد باعوم، يتواجد في مدينة صلالة بعمان، التي تضم مسؤولين يمنيين حكوميين طردتهم الرياض في وقت سابق، بينهم وزير داخلية حكومة تصريف الأعمال أحمد الميسري. مؤخراً أصدر باعوم خطاباً مصوراً، رفض فيه، بصورة غير مباشرة، آلية تنفيذ اتفاق الرياض التي أعلنت عنها السعودية. وقال باعوم "نرفض أي اتفاقيات تنتقص مع حق الجنوبيين في استعادة دولتهم".

السعودية والمجلس

كان للمملكة العربية السعودية تأثير بارز في دعم أطراف سياسية جنوبية موالية لحكومة الرئيس عبدربه منصور هادي المقيم في الرياض، وأطراف منسوبة للحراك الجنوبي، تملك حضوراً شعبياً محدوداً، مقرّبة من هذه الحكومة. اتخذت هذه الأطراف بعد تأسيس المجلس الانتقالي الجنوبي مواقف داعمة لحكومة هادي، وحاولت إعاقة جهود المجلس، عند كل منعطف سياسي يحقق للمجلس مكاسب سياسية أو عسكرية. تتهم هذه الأطراف المجلس بإقصائها وادعاء تمثيل الجنوبيين، وتدعو عادة لحوار جنوبي بيني.

وعلى الرغم من أنّ المملكة تحاول الظهور بصورة الوسيط في الصراع الذي اندلع بدءاً من يناير 2018 بين المجلس الانتقالي وحكومة هادي، إلاّ أنّ نشطاء جنوبيين يتهمون الرياض بتسهيل سيطرة القوات الحكومية التي تتحكم بها جماعة الإخوان المسلمين، على محافظة شبوة في أغسطس العام 2019، وطرد قوات النخبة الشبوانية منها. أضف إلى ذلك أنباء عن تقديم أسلحة ومعدات عسكرية لهذه القوات. كذلك، يلمّح البعض لتأثيرها على بعض الأطراف الحضرمية، التي ترتبط بصورة مباشرة برجال مال وأعمال حضارم ذوي تأثير في المملكة.

تتخذ الرياض سياسة المقاربة من جهة، ومن جهة سياسة الجذب الأحادي، التي انتهجتها كثيرا في شمال اليمن، في التعاطي مع الأزمة في جنوب اليمن. على الرغم من إشادة مسؤولين في المجلس الانتقالي الجنوبي بدورها لرأب الصدع بين أطراف النزاع هناك، إلّا أنّ المملكة لا تزال تفتقر لرؤية استراتيجية واضحة –على الأقل ما هو معلن- للتعاطي مع طموحات الإخوان المسلمين الذين يقتربون شيئاً فشيئاً من تنفيذ الأجندة الإقليمية القطرية والتركية في اليمن، فضلاً عن موقفها الضبابي من مطالب المجلس الانتقالي والشارع الجنوبي في استعادة الدولة الجنوبية.

تُؤثّر السياسة التقليدية للرياض، وعلاقة بعض الأطراف التاريخية فيها مع القبائل في شمال اليمن، كاللجنة الخاصة التابعة لمجلس الوزراء السعودي المعنية باليمن، على مسارات كثير من الوقائع في الملف اليمني.

قد تُغيّر الأطماع التركية في جنوب اليمن، نظرة المملكة بدرجة رئيسية للأوضاع هناك، بعد بروز الجهود المصرية الدبلوماسية مؤخرا، في ضرورة إعادة قراءة الواقع السياسي لجنوب اليمن، بصورة مختلفة عن النمط التقليدي العربي المهادن، وضرورة اتخاذ مواقف أكثر جرأة لا تعترض مع طموحات الجنوبيين، خصوصاً أنّ هناك من يراهن بصورة رئيسية على ولي عهدها الشاب محمد بن سلمان، ونائب وزير الدفاع السعودي خالد بن سلمان.

حرصت المملكة على عدم الإشارة والتذكير بالوحدة اليمنية بين الشمال والجنوب، وتسعى للتأكيد على مخرجات الحوار اليمني في صنعاء، ومبادرتها الخليجية، والحديث عن "وحدة الدولة" بدلاً عًن وحدة الجغرافيا. يعتقد مراقبون أن السعودية تقصد بذلك وحدة الدولة الاتحادية التي أقرها مؤتمر الحوار الوطني.

لكنّ الرياض أوكلت الأمر لواشنطن للتركيز على "استعادة الوحدة". تجلّى ذلك في ترحيب السفير الأمريكي لدى الرياض جون أبي زيد، في 30 يوليو الماضي، بالآلية السعودية في "تقريب وجهات النظر بين الأطراف لاستعادة الوحدة في اليمن". بحسب تغريدة لصفحة السفارة الأمريكية على تويتر.

نيّةُ واشنطن

تسعى استراتيجية واشنطن وتتفق معها المملكة في ضرورة إنجاح اتفاق الرياض، لتوحيد الجهود في مواجهة الجماعة الحوثية التي تسيطر على شمال اليمن، وتُشكّل تهديداً خطراً واستراتيجياً للسعودية ومصالح واشنطن في المنطقة. واشنطن وبحسب تقرير سابق لمعهد راند الأمريكي الممول من مكتب وزير الدفاع الأمريكي، ترى بضرورة تحييد قدرات الحوثيين عسكرياً، وإعادة تحجيم نفوذها في مناطق شمال اليمن.

ويؤكد ذلك تقرير لصحيفة وول ستريت جورنال الأمريكية الأسبوع الماضي، الذي وصف "اتفاق الرياض بين الفصائل اليمنية، فيما استمر، يضع الولايات المتحدة في وضع أفضل لدحر النفوذ الإيراني في المنطقة الاستراتيجية."

لم يُعبّر المسؤولون الأمريكيون حتى الآن عن تفهم لمطالب الجنوبيين في الاستقلال، ويؤكدّون مراراً على أهمية الوحدة، لكنّ سفير واشنطن لدى اليمن كريستوفر هنزل وعد مؤخراً في لقاء مع رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي على نية واشنطن التعامل مع المجلس داخل مؤسسات الدولة، وهو ما اعتبره مراقبون تحفيزاً للمجلس على التخلي عن مساعيه في الحكم الذاتي.

إخفاق وطموح

قد يستمر المجلس الانتقالي الجنوبي، حتى بعد إعلان حكومة مناصفة مرتقب يشارك فيه مسؤولون من المجلس أو ممن يدعمهم في حصة الجنوب الوزارية، في ممارسة عمله السياسي والتنظيمي بعيداً عن حضوره في الحكومة، لكن قد ُينظر له من زاوية أنه بات جهة سياسية حاكمة، وإن بحضور أقل من حصة الأطراف الأخرى المحسوبة على هادي.

قد تتعزّز، ولو بصورة محدودة، مشاعر مناهضة للمجلس الانتقالي الجنوبي إذا تماهى بصورة أوسع مع أدبيات الحكومة اليمنية القادمة. ستستغل بعض الأطراف المحلية والإقليمية المشاعر العاطفية والثورية للجنوبيين لإثبات أنّ المجلس تخلّى عن قضية استقلال جنوب اليمن، خصوصاً عقب تنازله عن إعلان الإدارة الذاتية، على الرغم أنه ليس من المتوقع أن يغيّر المجلس في أدبياته السياسية ورؤيته التي تحدد أهدافه بعيدة المدى.

أوضح عمرو البيض، عضو هيئة الرئاسة في المجلس الانتقالي لموقع المونيتور الأمريكي، أن "الحقيقة التي اتفقنا عليها الآن لا علاقة لها بأهدافنا".

لكنّ الباحث تايلر ب. باركر، طالب دكتوراه في السياسة الدولية في كلية بوسطن، يرى أنّ المجلس أخفق في تحقيق "انفصال" لجنوب اليمن، مقارنة بحركات "انفصال" أخرى حول العالم. ويرجع ذلك في تقرير نشرته مجلة بولتيكال فيولينس الأمريكية إلى عدة عوامل منها، أن "المجلس يفتقر إلى اعتراف قوي بالسلطة. وحتى الآن أخفق في تحقيق هذا النوع من الاعتراف الممنوح لدول ما بعد الاستعمار في الستينيات أو ما بعد الجمهوريات السوفييتية في التسعينات. بخلاف دعمه من دولة الإمارات العربية المتحدة، لا تعترف أي دولة بالمجلس الانتقالي الجنوبي كحكومة مستقلة."

ويرى الباحث الأمريكي، على الرغم من ذلك، بأنّ طموح المجلس الانتقالي الجنوبي مثير للإعجاب وطموح ووصفه بالحكيم، ويضيف باركر "من المرجح أن يكون هدفه المباشر هو اتفاقية اتحادية داخل الحكومة اليمنية..، التي تمنحه مقعدًا رسميًا على طاولة الحكم."

وبحسب مزاعم باركر "إذا استطاع المجلس التنسيق مع الحكومة اليمنية، وعزز علاقته بالحراك الجنوبي والتمس الدعم الدولي، فسيكون في وضع متقدّم لتحقيق أهدافه الانفصالية."

وفي حين أكد خبراء أنّ مشاركة المجلس في الحكومة القادمة ستمنحه حضوراً سياسياً ورسمياً أوسع، تُمكنّه من وضع أجندته السياسية وتمثيل قضية الجنوبيين في مفاوضات السلام القادمة التي يقود جهودها المبعوث الأممي الخاص لليمن مارتين جريفيث، إلاّ أنّ مخاوف تزايد نفوذ اللاعبين الإقليمين في بعض مناطق جنوب اليمن وتأثيرها على بعض الأطراف المحلية هناك، ستُعقّد من فرص نجاح هذا التمثيل، إذا لم يسعَ المجلس لتعزيز حضوره الشعبي والاجتماعي والسياسي داخل هذه المناطق.

إنّ إدراك المجتمع الدولي لأهمية الاستقرار في جنوب اليمن نابع عن مخاوف أمنية وجيوسياسية، ومخاوف اقتصادية وإنسانية. لذلك من المرجّح أن يُشكّل وجود المجلس الانتقالي الجنوبي في حدود دولة اليمن الجنوبي السابق، المنطقة الاستراتيجية الواقعة على خليج عدن وباب المندب والمحادة للقرن الإفريقي وللسعودية وعمان، أهمية أمنية خارجية، تُعزز الأهداف الاستراتيجية المشتركة لدول السعودية والإمارات ومصر وواشنطن وحتى عمان والهند، وأهمية داخلية تحول دون مزيد من التفتت والتشظي الهيكلي للأطراف المحلي هناك، وهو ما يعزز فرص إيجاد حل نهائي وشامل للأزمة في جنوب اليمن في المستقبل المنظور.

تحتاج السعودية والإمارات ومصر إلى دعم تعزيز حضور المجلس بشكل أوسع على المستوى المحلي. ليس من المصلحة استمرار دعم مزيد من الهياكل المحلية الهشة.

مقابل ذلك يحتاج المجلس إلى تجاوز سياسة النمط الواحد، والانفتاح بشكلٍ أوسع على مختلف الأطراف المحلية والشباب والمرأة والهياكل الاجتماعية والقبائل في جنوب اليمن، لقطع الطريق أمام مساعي التشتيت الإقليمية. كما أنّ المجلس بحاجة إلى مد علاقات في مناطق الحدود الجغرافية مع شمال اليمن، كما فعل في محافظة الضالع، وكذا عدم التردد من تعزيز أيّ علاقات سياسية مع أطراف شمالية، تلتزم بدعم توجهات المجلس فيما يختص بحل قضية جنوب اليمن، أو على الأقل عدم الوقوف بوجهها.

- إياد قاسم: رئيس مركز سوث24 للأخبار والدراسات، باحث في الشؤون السياسية