الجنوب واستوكهلم والشرعية.. أخطاء “الرياض” في اليمن .. الملك سلمان جدَّد التزامه فردت عليه شرعية "سيئون"
تقارير - Friday 25 September 2020 الساعة 12:05 amفي كلمة المملكة العربية السعودية أمام أعمال الدورة 75 لانعقاد الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، الأربعاء، أكد الملك سلمان بن عبد العزيز أنه لن يترك اليمن لإيران، وأن السعودية لن تتهاون في الدفاع عن أمنها الوطني، ولن تتخلى عن الشعب اليمني حتى يستعيد كامل سيادته واستقلاله من الهيمنة الإيرانية.
وبذات اليوم ومن ذات المدينة ظهر “عبدالعزيز جباري” على قناة الجزيرة القطرية يقول للعالم إن “الشرعية اليمنية أصبحت رهينة في يد السعودية والإمارات”، وإن “السفير السعودي لدى اليمن، محمد آل جابر هو من يصدر القرارات ويتعامل مع اليمنيين كأتباع”، وإن اليمنيين “يرون في الحوثي مدافعاً عن السيادة”، وإن “مستقبل اليمن في ظل وجود التحالف السعودي الإماراتي محفوف بالمخاطر”.
للتذكير، فإن جباري هو الرجل الذي فرضته المملكة العام الماضي نائباً لرئيس مجلس النواب فيما عرف باجتماع سيئون، والذي جمع كل خصوم قوى التحرير الحقيقية على الأرض وأعاد كل رموز ما عرف باسم الربيع العربي وحلفاء قطر بدعوى شرعية البرلمان، إضافة إلى ما سمي بتحالف الأحزاب الوطنية.
قبل الخطاب بشهر كان عبدالعزيز جباري في محافظتي المهرة وشبوة، وقبله وبعده وصل صالح الجبواني أيضا إلى ذات المحافظتين بعد زيارة معلنة ادعى فيها أنه سيوقع اتفاقيات مع تركيا في مجال النقل، في وقت ترصد فيه تحركات أحمد صالح العيسي لإعادة تفعيل ميناء “قنا” القديم في سواحل محافظة شبوة، غير أن المملكة العربية السعودية فاجأت الجميع ودعت صالح الجبواني إلى الرياض.. في الوقت الذي لا يزال اتفاق الرياض معلقاً ولم تستطع الرياض الضغط لتحقيق أي إنجاز فيه.
إلى أين تقود الرياض حلفها؟
وبين كل ذلك يظهر جلياً تناقض كبير يعيق تقدم وجهة النظر التي عبر عنها الملك سلمان والتي هدفها “استعادة صنعاء من النفوذ الايراني”، وبين المعطيات التي تثير السؤال: إلى أى حضن ستوصل الخطوات السعودية واليمن معا؟
وفقاً للشعبية التي حظيت بها تصريحات “جباري” فيمكن القول إن هذه الشعبية اقتطعت من مكاسب الملك سلمان والشرعية، وإن هذا مؤشر على فقدان عدد من المكاسب التي كانت تحققت في الميدان خلال السنوات الماضية ابتداءً من نهم وصولا إلى الحجرية ومن الحدود في صعدة شمالا إلى الجنوب.
الحديث عن الدور السعودي ليس المقصود به هنا مهاجمة الرياض او السفير السعودي او اللجنة الخاصة بقدر ما هو رصد لاخطاء مشتركة بين أطراف التحرير بقيادة السعودية أعطبت تحركات الانجازات وحولتها الى نجاحات للطرف الآخر الذي يشكل اصطفافا مع قوى إقليمية ضد المملكة.
أحبطت الرياض الزخم الجنوبي في مواجهة مليشيات الحوثي بعد أن وصلت القوات الجنوبية وشركاء مواجهة الحوثيين الى قرب ميناء الحديدة، وبعد أن خرج عيدروس الزبيدي رئيس المجلس الانتقالي ليعلن أن قواته مستعدة للقتال حتى تحرير صنعاء، في موقف تجاوز كل ادعاءات الشرعية "التي تداريها الرياض" بأن تحركات الانتقالي تؤثر سلبا على المعركة مع مليشيات الحوثي.
فتحت الشرعية جبهة في شقرة لتسقط نهم والجوف وكانت الرياض أشبه بمراقب خط وليست قائد التحالف الذي يحرك ويوجه الحرب ضد مليشيات الحوثي.. واستمر التحشيد الى أبين، في حين تنهك مليشيات الحوثي قبائل مراد خط دفاع الشرعية الأول في مأرب والمتمثل بكل قبائل المحافظة.
وفيما لا شك فيه أن الملك سلمان جاد وملتزم بعدم السماح لطهران بابتلاع اليمن، فإن أداء دولته على الأرض اليمنية يذهب في اتجاه تسليم كل الشمال لإيران وحليفها الحوثي، وتوحيد الشمال تحت سيطرة الحوثي، مقابل اعاقة نمو توجه جنوبي يسيطر على الارض ويلتزم بالشراكة مع التحالف حتى تحرير صنعاء.
وجنوباً إذا لم يتم دعم “المجلس الانتقالي” فإن الخيار البديل هو تسليم الجنوب لقطر ومن خلفها تركيا..
قد تكون الرياض غير مشاركة في الفعل، غير أن سكوتها وتماهيها مع ما يجري من عبث على الأرض سيجعلها تدفع كلفة ثقيلة مستقبلاً، وقد لا تجدي محاولات استعادة المبادرة مرة أخرى.
صمتت الرياض عن تعطيل جبهات تعز ضد مليشيات الحوثي، وواصلت الصمت حين تحركت قوات الإخوان الملسمين جنوباً صوب الحجرية ومنها الإعداد للتوجه جنوباً نحو لحج وغرباً نحو المخا، وهو ذات الموقف للرياض من التحشيد نحو شقرة جنوباً وترك جبهات مأرب الجنوبية تواجه ضغطا حوثيا متواصلا.
ما تفعله الرياض أو تسكت عنه لا يمكّن الإخوان المسلمين ومن خلفهم قطر من تحقيق مكاسب مهمة فقط، بل أيضاً يضعف القوى الأخرى التي تواجه مليشيات الحوثي تحت قيادة التحالف، وتعمل بإخلاص مثل القوات الجنوبية والقوات المشتركة. وهذا كله يصب في مصلحة الحوثيين والإخوان.. الرياض لا تمكن قط إيران من اليمن بل تحولت إلى حكم لقسمة البلاد بين قطر وطهران دون أن تدري وإن كانت تدري فتلك أم المصائب.
السعودية أهم لنا كيمنيين من قطر وأقرب لنا ثقافياً وجغرافياً من إيران، وأفضل كذلك من تركيا، وكل ما يحدث في اليمن وما قد يحدث هو أساساً لاستهداف السعودية أو من أجل ابتزازها.
ومصيرها ومصيرنا يرتبط بأداء واحد، قيادته في الرياض وأدواته تتبعها على أرض اليمن.