محافظة إب.. فساد أنيق لكن بدون "ربطة عنق": أين تذهب إيرادات 20 مديرية؟

تقارير - Wednesday 07 October 2020 الساعة 11:15 am
إب، نيوزيمن، تقرير خاص:

خلال ستة أعوام من الحرب التي شنتها مليشيا الحوثي على معظم محافظات الجمهورية، تكشفت عددٌ من الحقائق وتم الشرعنة لكثير من نوافذ الفساد والنهب.

حرب جعلت الحركة الحوثية تقف على أرضية صلبة، فقد استطاعت من خلال ما أسمتها (المسيرة القرآنية)؛ الحصول على كثير من المكاسب وبأقل الخسائر وأيسر الطرق.

وقد أخذت محافظة إب ومديرياتها الـ20 نصيبًا كافيًا من هذه الحرب بعد أن اجتاحتها مليشيا الحوثي في أكتوبر/ من العام 2014.

أصبحت إب بالكامل تخضع لقرار المليشيا بغطاء بعض المحسوبين على حزب المؤتمر الشعبي العام من قيادات وغيرهم، مع تكثيف تعزيز المدينة بالوافدين الجدد.

أبو علي الحاكم فاتحًا

ذكر أحد المصادر وهو قيادي بارز في حزب المؤتمر الذي كان يرأسه الرئيس الراحل علي عبدالله صالح، أنه كان في ضيافة محافظ المحافظة الحالي عبد الواحد صلاح في العام 2015، كان الديوان ممتلئًا بالناس وفجأة دخل عليهم (أبو علي الحاكم).

يضيف نهض الجميع لاستقباله وكأنه أحد الزعامات الشعبية الملهمة، وحينها أيقنتُ أننا نسير باتجاه هاوية سحيقة. انتهت حكاية المصدر.

كان الناس حينها غير مدركين أنه أتى فقط لأخذ تفويض والشرعنة لبدء تحصيل موارد الضرائب، والزكاة، والجمارك والواجبات؛ والمقاتلين بقليل من الكلمات التي يقولها في أي تجمع قبلي.

الشاهد من تلك القصة واضح إجمالًا. الذي لم يكن واضحًا ربما في حينه لكثير من القواعد والقيادات، أن المحافظة دشنت عهدًا جديدًا من الضياع مثل بقية المحافظات.. عهداً تقوده مجاميع هي في الأصل خليط من قيادات أتت من أطراف الدنيا (صعدة) ومحيطها، وأدوات مساعدة لم تكلف نفسها السؤال إلى أين سيمضي الحال؟

بالتزامن مع صعود الحركة وفي الوقت الذي كان الله ليس بحاجة لأنصار، أصروا إلا أن يكونوا "أنصار الله"، لذا بدا استقبال أبو علي الحاكم بتلك الحفاوة.

وهنا تبدأ الأسئلة الطارئة سواءً كانت عميقة أو عفوية، لماذا نحن بكل هذا الخواء والخذلان أمام أنفسنا ومجتمعنا كقيادات ونخب وإعلاميين ومتحزبين.

مداخل الاجتياح

تعد محافظة إب الواقعة جنوب العاصمة صنعاء ب193 كم ولها حدود مع 5 محافظات أخرى، أحد أهم المراكز الداعمة للمليشيا.

وبرغم ما تشكله من عدد السكان الذي يقارب الـ11% من سكان الجمهورية وعدد 20 مديرية، إلا أن الذين يقفون مع المليشيا نسبة لا تتجاوز الـ3%، أغلبهم دفعت بهم المفاوضات والصراعات التي قادتها الأحزاب السياسية "يسار ويمين" قبل اجتياح صنعاء إلى هذا المربع.

دفعت أحزاب المعارضة ابتداءً من الحروب الستة حتى العام 2009 وصولًا إلى العام 2011 على سحب بساط "المركزية" السياسية من معظم المحافظات.

كان ذلك ابتداءً من صنعاء وعدن، ثم مرورًا بتعز وإب، ليتم منح (صعدة) كل الامتيازات والثقل، لتصبح المركز الأساس في درب التبانة، حتى وصلنا إلى مؤتمر الحوار الوطني.

نقاط ودوائر فساد

في العام 2019 تقريبًا اعترف وكيل محافظة إب الشيخ عبدالحميد الشاهري بأن "نقطة التحسين" في مديرية (يريم) لوحدها تدر ملايين الريالات.

وذكر، في تصريح له، وهو أحد القيادات الحوثية، لقد ارتفعت فيها إيرادات النقطة بعد تغيير المتحصلين السابقين من مبلغ 2.500.000 في الشهر الواحد ولمدة 5 أعوام إلى مبلغ 40.000.000 مليون في أقل من شهر.

هذا وتعاني المدينة من بنى تحتية مهلهلة وشوارع مدمرة، ومشاكل في خدمات الصرف الصحي وعشوائيات.

وتشير المصادر إلى أن البنك المركزي لا يستلم شيئا من تلك المبالغ.

قس على ذلك بقية النقاط، مدينة إب الجهة الشمالية، تذكر المصادر أن هناك نقطة في منطقة "السحول" تتبع "المؤسسة العامة للمسالخ واللحوم (فرع تعز)، تؤخذ الرسوم فيها مقابل سندات مكتوب عليها "كشف بيطري".

بالإضافة إلى ذلك ثمة نقاط باسم "الهيئة العامة للنقل"، وأخرى باسم "الفرزات" التابعة لنقابات النقل، وتشير التقارير إلى أن هذه النقاط تدر ملايين الريالات.

السؤال الأهم هنا. من يراقب هذه النقاط؟ وما مدى قانونيتها؟ وهل هناك رقابة على السندات؟ وبماذا تعود على محافظة تعاني أصلًا من كل ويلات الفقر والخراب.

إذًا نحن أمام جيش من المشرفين الرئيسين والقيادات المسيطرة، من بيت الشامي إلى بيت المتوكل، ومساعدين تحوثوا مؤخرًا ليسهلوا المهمة حتى لا تكون شاقة عملية التحصيل.

هذا جزء من نهب المواطن باسم الدولة، حيث تؤكد المصادر أن هناك نقاطا أخرى على مداخل المدن الثانوية، يتم فيها تحصيل رسوم باسم "المجلس المحلي" في المديرية وهذه أيضًا غير "نقاط التحسين" المعروفة.

ناهيك عن معاناة القُضاة وأعضاء النيابة وعدم قدرتهم على شراء الأدوية لمواجهة بعض الأمراض التي يعانون منها، فيما تشير التقارير إلى أن إيرادات "المحكمة الجزائية" بالملايين.

يقول أحد المواطنين عن حقيقة ما يجري، بأن هذا جزء يسير يتم بعيدًا عن الأجهزة الرقابية والمخولة التي لم يعد لها ذكر، وأصبح دورها مقتصرا على شرعنة الفساد، مثل "مكتب المالية"، وكذلك "الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة" بالمحافظة.

عشوائيات البناء

تزايدت حالات البناء العشوائي والاعتداء على المخططات القائمة والشوارع في ظل سيطرة مليشيا الحوثي.

تقول التقارير إن ثمة حالات كانت شاذة ونادرة حتى أصبحت في العامين 2019 و2020 شبه يومية، يأتي ذلك بتواطؤ من بعض موظفي مكتب الأشغال، ونتيجة لعدم إحالة المخالفين إلى النيابة ومحكمة الأموال العامة.

ومع توغل مليشيا الحوثي في مفاصل الدوائر الحكومية في المحافظة، وقيامها بتغيير بعض الوجوه؛ فإن الفساد أصبح أكثر أناقة إنما هذه المرة بدون "ربطة عنق".

استمرت العشوائيات تنهش في جسد المدينة وأطرافها، حدثت خلافات بين بعض الفاسدين أدت إلى نشر كشف بعدد 19 موظفاً في مكتب الأشغال قيل إنهم كانوا سببا في تلك المخالفات خلال الأعوام الـ5 الماضية.

لم يتغير في الأمر شيء، وهناك من يقف خلف بيع شوارع المحافظة وأخذ الإيرادات التي يتم تحصيلها من بند "رفع المخالفات" أيضًا.

إذاً نحن أمام فوضى ممنهجة، استطاعت المليشيا من خلالها الحصول على أكبر قدر من الأموال والجبايات، وتحويل المدينة إلى قرية كبيرة.

وتفيد التقارير أن إيرادات المحافظة من جمارك وضرائب وغيرها فقط للأشهر يناير / فبراير / مارس/ أبريل/ 2020 من هذا العام تجاوزت الـ15 مليار ريال. وهو رقم يتجاوز إيرادات محافظة ذمار لوحدها بأكثر من 80% ومع ذلك لم تلمس المحافظة حتى اليوم مشروعًا خدميًا واحدًا يلبي حاجات المواطنين.