العودة لـ"الهجوم".. سيناريو واحد لضرب العمود الفقري للحوثيين في الحديدة

تقارير - Wednesday 07 October 2020 الساعة 11:06 pm
عدن، نيوزيمن، تقرير خاص:

حملت الهجمات الحوثية الأخيرة في الحديدة والمناطق الريفية الواقعة في الجزء الجنوبي للمحافظة الساحلية، إشارات واضحة إلى تحول لافت في استراتيجيتها القتالية، بحيث أخذت طابعاً هجومياً، بعدما كانت قد فقدت القدرة على المبادرة في خضم عملية استعادة الساحل الغربي.

وتجدر الإشارة إلى أن مليشيا الحوثي، لم تتقيد باتفاق وقف إطلاق النار، في الحديدة، منذ اللحظات الأولى لدخوله حيز التنفيذ، كما لم يتوقف تساقط قذائفها على الأحياء الواقعة في مربعات سيطرة قوات المقاومة المشتركة، إلى جانب الاستمرار في بناء التحصينات القتالية داخل المدينة ذات الكثافة السكانية العالية.

بيد أن العمليات العدائية من جانب الحوثيين، طيلة الفترة الممتدة من توقيع اتفاق "ستوكهولم" قبل عامين، لم تكن ذات تأثير عسكري من أي نوع، عكس التصعيد الأخير الذي وصل الذروة بهجوم واسع شنه مقاتلوها على مدينة الدريهمي بمشاركة الدبابات وراجمات صواريخ كاتيوشا والمدافع الثقيلة.

وعُدت الهجمات الأخيرة، بداية فعلية لجولة جديدة أكثر حدة في الساحل الغربي، كما أنها تعكس مدى الاستفادة الحوثية من الهدنة الأممية الهشة لإعادة ترتيب صفوفها بعدما كانت قد وصلت مرحلة الانهيار تحت ضغط الهجوم الضارب للقوات المشتركة قبل توقيع اتفاقية السويد.

ثمة مسألة تستدعي التوقف تتعلق بخيارات القوات اليمنية المشتركة التي تضم (ألوية العمالقة والمقاومة الوطنية والمقاومة التهامية)، للتعامل مع التصعيد الكلي من جانب الحوثيين في الساحل الغربي، مع الإشارة إلى التجاذبات السياسية الإقليمية والدولية المحيطة بملف الحديدة.

المؤكد بنظر كثيرين، أن زعيم الحوثيين، اتخذ قرار إسقاط "السويد" من طرف واحد، واختار الذهاب في الحرب إلى أبعد مدى، إذ إنه تعامل مع الاتفاق بوصفه مجرد فرصة ذهبية لالتقاط الأنفاس وتطويق هجوم القوات المشتركة على الحديدة ومينائها الاستراتيجي.

واستغلت مليشيا الحوثي، الفترة التي أعقبت، ما بدا أنه "فيتو بريطاني" على تحرير الحديدة، لبناء التحصينات القتالية، وسط المدينة، بدءاً من حفر الخنادق وتفخيخ الشوارع وعديد من البنايات المرتفعة بشبكة متفجرات عن بُعد.

بيد أن التصعيد الأخير لا يعني بحال أن تستمر القوات المشتركة في منح الحوثي هذه الميزة، في وقت تتعرض مناطق نفوذها لهجمات مسلحة تكتسي خطورة استثنائية، كون المدينة ذات الموقع الاستراتيجي مشمولة بوقف لإطلاق النار نص عليه اتفاق رعته الأمم المتحدة قبل عامين.

العودة لاستراتيجية الهجوم

ثمة نمط قتالي كارثي يتحرك في نطاقه مقاتلو الحوثي، ويهيمن على أداء الجماعة المسلحة، في غير منطقة مواجهة على طول الخارطة اليمنية، وقد برز هذا التكتيك بجلاء في خضم المواجهة مع القوات المشتركة المدعومة بالتحالف العربي، في مدينة المخا الساحلية، وصولاً إلى الخوخة ولاحقا في مدينة الحديدة.

ففي أعقاب السيطرة، على مدينة الخوخة، استنفرت مليشيا الحوثي، لتعزيز خطوط دفاعاتها في الشريط الساحلي، ومناطق جنوب الحديدة، ودفعت بالجزء الأكبر من قوتها العسكرية والبشرية إلى هذه المساحة التي يقع فيها أهم ميناء تتنفس منه المال والسلاح.

بيد أن فاعلية هذا التكتيك، رغم كلفته المدمرة، تلاشت مع أول تحرك لوحدات المقاومة المشتركة نحو مناطق كيلو16 وكيلو10 وكيلو7 وصولاً إلى قوس النصر على المدخل الشرقي لمدينة الحديدة، وأسقطت في طريقها مناطق "الجاح والدريهمي والفازة والتحيتا ومفرق زبيد ومفرق بيت الفقيه والطائف"، رغم كثافة الألغام التي زرعها الحوثيون في الطريق في محاولة لعرقلة القوات المهاجمة.

وانهارت خطوط دفاع الحوثيين، التي تشكل العبوات المتفجرة وفرق الصواريخ نسبة 70% منها، بشكل سريع تحت ضغط الهجوم الضارب للقوات المشتركة، وانتقلت المواجهات إلى قلب المدينة، فيما كانت التوقعات تدور حول معركة طويلة بمحيطها.

وسيطرة قوات المقاومة المشتركة على مساحات كبيرة، في المحورين الشرقي والجنوبي لمدينة الحديدة، وأمّنت العديد من المنشآت الحيوية، التي حولتها ميليشيا الحوثي إلى ثكنات عسكرية، فيما كانت لا تزال في مرحلة الانتشار والتطويق وقطع خطوط إمداد الحوثيين.

ومني الحوثيون بانتكاسة كبيرة، في الأيام الأولى لإطلاق عملية استعادة الحديدة، مع وصول تشكيلات المقاومة المشتركة إلى عمق المدينة، وبلوغ بوابتيها الجنوبية والشرقية وكسر الدفاعات والتحصينات التي بددوا شهوراً طويلة في بنائها.

احتمالان أحدهما صعب

تنحصر السيناريوهات المتوقعة لرد القوات المشتركة في احتمالين: الأول هو تحولها من وضعية الدفاع إلى الهجوم والسيطرة السريعة على المواقع الحيوية داخل الحديدة، وهو ما سيشكل ضربة قوية لقوات الحوثيين وحلفائهم.

أما الاحتمال الثاني فهو أن تواصل صد هجمات الحوثيين، وهو احتمال صعب، لأن الخسائر ستكون أفدح بكثير، سواء على القوات المشتركة أو المدنيين، من كلفة عملية هجومية واسعة وسريعة لاستكمال تحرير الحديدة.

ويعد السيناريو الأول قراراً استراتيجياً في الحرب من أجل ضرب العمود الفقري للحوثيين، لما تشكله المدينة من أهمية عسكرية وأمنية واقتصادية، واستعادتها تعني قطع شرايين الإمداد العسكري والاقتصادي عن الحوثيين، باعتبار أن ميناء المدينة هو المعبر الوحيد لتهريب الأسلحة الإيرانية، وخصوصاً الصواريخ التي يتم استخدامها ضد السعودية.

كما أن تحرير المدينة سوف يضع جماعة الحوثي أمام خيارات صعبة، ذلك أن تقليص نفوذهم في منطقة استراتيجية مهمة، ومن شأن إبعادهم عن الساحل أن يفرض عليهم إعادة النظر في سلوكهم السياسي والعسكري، ويجبرهم بالتالي على الجلوس إلى طاولة المفاوضات.

وباستقراء المعطيات السابقة على صعيد العمليات العسكرية للطرفين، يمكن استخلاص بديهية أن استراتيجية "الهجوم" للقوات المشتركة نجحت، عملياً، في قلب الموازين على الأرض، وخلخلة دفاعات الحوثيين في وقت قياسي، حد صارت تملك القدرة على الضرب في الزمان والمكان اللذين تحددهما.

مع الإشارة إلى أن فرص هزيمة الحوثيين نهائياً في الحديدة وطردهم خارج المدينة، متاحة الآن أكثر من أي وقت مضى، قياساً بالأفضلية العسكرية على مستوى القوة والإمكانات.