رواية عقلان بين الثنائيات المبثوثة والبنية الدالة المسيطرة والتأثر بالأحداث

متفرقات - Saturday 26 December 2020 الساعة 08:16 am
القاهرة، نيوزيمن:

أقامت مؤسسة أروقة للدراسات والترجمة والنشر بالقاهرة الخميس 24 ديسمبر، فعالية حول رواية "عقلان" للكاتب محمد عبده الشجاع.

شارك في المناقشة كل من د. رشاء غانم من الجامعة الأمريكية، والأديب والناقد إبراهيم موسى النحاس من مصر، ومن اليمن د. عادل الشجاع أستاذ الأدب والنقد جامعة صنعاء، والكاتب والأديب محمد الغربي عمران قرأ ورقته نيابة عنه الأستاذ بشير قاسم.

في النقاش أدلى كل واحد بدلوه ومقارباته النقدية، لذا سنبدأ من ورقة الغربي الغائب الحاضر.

تقصي روح المجتمع الريفي

محمد الغربي عمران جاءت ورقته تحت عنوان "عقلان - رواية معرفية.. تتقصّى إيقاع مجتمع جنوب شبه جزيرة العرب". وقد اعتَبر العمل إضافة للمشهد الإبداعي اليمني من خلال ضخامته وتعمقه في روح المجتمع الريفي بكل تفاصيله، وصراعات التيارات التي شكل الريف جزءاً منها.

كما أشار إلى تعدد ثَيمات العمل وتنوعه، مثل ثيمة وضع المرأة وما تعانيه من صنوف العذاب ككائن مسحوق، مقابل تسلط الرجل الذي أعطاه الدين والأعراف؛ موقعا شبه مطلق الصلاحيات عليها.

يُبين الغربي أن كاتب العمل يمتلك لغة باذخة في الصورة السردية، تجلت في الصفحة 1 - 15، بعدها بدأ سرد الأحداث وكأنه ينتقل بين عملين بخطابين مختلفين.

الرواية سيرة وطن، وما نعيشه اليوم هو نتاج لتلك الأحداث؛ التي اتخذ الكاتب للريف قاعدة ليتطور سرده، حتى ذلك الصراع الدموي بين السلطة ومرتزقتها كما يصفهم من جهة. ومن جهة ثانية عناصر الجبهة الوطنية.

يختم قراءته المستفيضة، بأن عقلان عمل ملحمي يؤصل لجيل بل أكثر.. لمجتمع جنوب شبه جزيرة العرب، مقدرًا الجهد الكبير، والقدرات العميقة التي يمتلكها كاتب؛ يبرز بين كتاب الرواية في اليمن من أول عمل.

اتفاق في الرؤية

أما د. رشاء غانم، فقد اتفقت في بعض ما طرحه الناقد عادل الشجاع والناقد إبراهيم النحاس، في أن الرواية كثيرة القراءات، وأن البنية السردية كان يمكن أن تكون أقصر حتى لا يتشتت القارئ العادي في النسيج الرئيسي.

وأضافت، عندما بدأتُ قراءة الرواية تذكرت المقولة التي تقول "كيف تكرهني وأنت لا تعرف أي شيء عني". هذه الجملة البسيطة التي قيلت في أحد الأفلام الوثائقية؛ لخصت الكثير من الحروب والانقسامات بناءً على ما لقنوه في طفولتهم وبغير اختيار بما يؤمنون به.

ثم تبدأ بقراءة مقتطفات من العمل بشكل تراجيدي جميل. تعود فتقول: عندما نتحدث عن الفن الروائي فإنه يحمل سمات خاصة تُحدده؛ كالسرد وطرائقه، طرائق بناء النص واللغة السردية عبر منعطفات متعددة.

تواصل د. رشا طرحها فتؤكد على ضخامة العمل من حيث الكم والأحداث والشخوص، والمساحة الزمنية والشكلية التي حازت على التأثر الكبير بالأحداث السياسية.

ثم تكشف بأن عقلان قامت على الموت والخلود والمخلص، كما أن الثيمة الدلالية سيطرت على الروائي من خلال الصراعات.

الكوميديا السوداء

الناقد المتألق دائماً في قراءة أعمال كثيرة إبراهيم النحاس. كان له جهد في تقديم مقاربات نقدية هامة واصفا العمل بالمجهد والمتعب، نظرا لطبيعة الكم والأحداث وعدد الشخوص.

النحاس جعل من المفكر (لوسن جولديان) مُنْطَلقًا، معتبرًا أنه من الشخصيات المحببة جدًا إلى قلبه، رغم اختلافه مع نظريته "البنيوية التوليدية أو البنيوية البنائية"؛ التي حاول أن يخفف أو يحد من وجود البنيوية ويعيدها إلى أحضان الواقع الاجتماعي في حياة المبدع.

مضيفا إنه ليس بالضرورة أن يكون داخل كل عمل بنية مهيمنة وليس شرطًا أن تكون هناك مرجعية اجتماعية لتلك البنية في حياة الأديب. 

كانت تلك هي نقطة الاختلاف. غير أنه عاد ورأى أن طرح جولديان يمكن أن يكون بداية للتعامل مع عمل (عقلان) على المستوى الروائي.

وهو هنا يسلِّم أن البنية الدالة المسيطرة على هذه الرواية إن صح التعبير، هو ذلك الصراع الأيديولوجي السياسي في اليمن تحديدًا.

يواصل حديثه فيبدأ من عتبة العنوان حيث يشير إلى نقطة مهمة بطريقة دقيقة فيقول: الممسك للمرة الأولى للرواية سيجد أن (عقلان) وحدها تشرح العديد من التساؤلات، قبل أن ينتقل من تلك العتبة إلى المتن، هل عقلان اسم علم؟ هل هي مثنَّى للعقل؟ وإن كانت مثنى للعقل هل تعكس ثقافة الاختلاف؟ أم النسبية أم التشتت وسخرية الكاتب من ذلك التشرد.

ينتقل بعد ذلك إلى الربط بين قصة آدم عليه السلام والوهم الذي استقاه من إبليس، هو نفس وهم ومصير بعض النخب أو التيارات السياسية.

كما أن هناك جانبا من جوانب "الكوميديا السوداء" حسب قوله والربط بين وفاة عامل (الروث) في إحدى القرى باعتباره من الطبقات المهمشة، بجوار أخبار ياسر عرفات، وعبد الله الأصنج، ومؤلف النشيد الوطني؛ تعكس جانبًا مهمًا في رؤية الكاتب المنحاز للطبقات والكادحة.

المرئي واللا مرئي

وأخيرًا نأتي لورقة د. عادل الشجاع الذي شغلته الأحداث السياسية بل خطفته عن الشأن الأدبي وأوضاع البلد، كباحث متمكن وأحد الروافع النقدية الأدبية المتميزة.

انطلقت ورقته من توقفه بين "الشعرية والثنائيات المبثوثة في الرواية" حيث جعل من المفكر (موريس ميرلو بونتي) وكتابه "المرئي واللا مرئي" بوابة لاستعراض طرحه.

يذكر أن ميرلو في كتابه يعيد صياغة علاقة الوجود بالموجود من خلال الرؤية التي تربط بين الذات المدركة والعالم، حيث تقع الرؤية في صميم التفاصيل بين الذات ووعيها بالعالم الذي تنتمي إليه.

مشيرًا إلى أنه تجمّع العالم الخارجي المحدد في الزمن والمكان مع العالم الداخلي الحاضر في الذهن، حيث تمارس الرؤية حضورها بين المرئي واللّا مرئي؛ لأن الوعي بالحقيقة يتجسد بالوعي الحسي بعيدًا عن متاهة المتخيل.

يضيف، إذا كان العقل هو ما يفترض بالذات أن تفهم العالم من خلاله، فإنها هنا تستوعبه بالعين وتستوعبه كذلك بالجسد المادي، والتفاعل مع ما هو موجود بالاتصال المباشر.

كاتب رواية عقلان يريد أن يصنع الرؤية في المقام الأول بوصفها أمرًا مهمًا في تأكيد الإدراك ليتمكن العقل من الاشتغال في مرحلة تالية.

كان المتخيل أعلى من الواقعي بالرواية لكنه كان خيالًا شعريًا أكثر منه فنتازيا أو خيالًا غرائبيًا أو عجائبيًا.

اللغة الشعرية أحرمت الراوي من الإطلالة الزمنية والمكانية، وغيبت التنوع وكذلك غيبت التتابع الزمني والتسلسل المنطقي للأحداث.

فالسمة البارزة كما قلت. والحديث للدكتور عادل في هذه الرواية، هي "الشعرية"، فقد استخدم الكاتب اللغة استخدامًا خاصًا، فتمرد على العادي منها أو المألوف ووظف كل الإنزياحات الممكنة على مستوى اللفظ والمعنى، لكنه أخفق في تفعيل الزمان وتفعيل المكان، وكان بإمكان "الزمان والمكان" أن يكونا بطلين أساسيين في هذه الرواية.