عبدالمجيد الزنداني.. الدين في خدمة السياسة

السياسية - Sunday 31 January 2021 الساعة 10:33 am
نيوزيمن، قناة الجمهورية:

يتحرك الشيخ عبد المجيد الزنداني ببراعة فائقة بين حدود الدين والسياسة، كشخصية مؤثرة ومثيرة للجدل، تستحضر نصوص القرآن والأحاديث حين تريد أن تذهب إلى هدف سياسي، وتتكئ على مفهومها للدين الإسلامي الحنيف في نزوعها للبقاء تحت الأضواء.

كما يتحكم الخط الفكري لحركة الإخوان المسلمين في المسار العام لشخصيته مع تميزه عن غيره من قادة الإخوان بالقدرة على قراءة الواقع وسرعة التكيف معه ببرغماتية تجعله يجيد اختيار موطئ قدمه وحساب خطواته عكس ما يعتقده كثيرون.

يتجاوز الشيخ والداعية علاقته مع الدين والسياسة، ويذهب بعيداً لمعالجة أمراض حيّرت العالم، كإعلانه التوصل لاكتشاف أعشاب تعالج فيروس الإيدز بعد نجاحها في معالجة فيروسات الكبد. 

ولد عبد المجيد الزنداني في قرية الظهبي في مديرية الشعر من محافظة إب عام 1942، لكنه يقول إنّ أصله يعود لمنطقة "زندان" في مديرية أرحب محافظة صنعاء... تلقى تعليمه الأولي في كُتّاب قريته ثم انتقل إلى عدن وأكمل الدراسة النظامية فيها قبل أنْ يرسله والده إلى مصر لدراسة الصيدلة في جامعة عين شمس.

كان شغوفاً بالعمل السياسي فتأثر بحركة القوميين العرب.. غير أنّه لم يجد فيها بُغيته كما يقول.. وتركها ليلتحق مع نهاية عام 1959 بجماعة الإخوان المسلمين متأثراً بطالب يمني من مخلاف شرعب كان يدرس في الأزهر اسمه عبده محمد المخلافي... الذي صار بعد عودتهما إلى صنعاء مراقباً عاماً لجماعة الإخوان في اليمن.

وبعد عامين من دراسة الصيدلة اكتشف أن هواه ليس في تبديد الوقت داخل المختبرات لتركيب وصفات طبية، بل في الوصفة الجاهزة وهي أنّ «الإسلام هو الحلّ» فترك مقاعد الجامعة ليعود إلى اليمن عقب ثورة سبتمبر 1962 

تأثر كذلك بمحمد محمود الزبيري الذي تفرّد الزنداني بنسبته لجماعة الإخوان.. وقال انه كان أول مسئول لها في اليمن. 

ورغم تأكيد الشيخ الزنداني على إنه قرر الرجوع إلى اليمن ليلتحق بصفوف المدافعين عن الثورة، من خلال العمل مديراً للبرامج في اذاعة صنعاء.. وتقديم برنامج الاسلام والثورة.. فإنه لا تظهر له ضمن صور الثوار آنذاك سوى صورة وحيدة وهو يقود البغلة التي كان يمتطيها الزبيري بعد عودته لليمن عقب قيام ثورة 1962.

بعد مقتل الزبيري وطدّ الزنداني صلته بالشيخ عبدالله بن حسين الأحمر وتفرّغ للخطابة والوعظ والتدريس.. وانهمك في البحث في مسائل الإعجاز العلمي للقرآن والسنة ليستخدمها في مقارعة المنتمين للفكر الاشتراكي الذي كان سائداً في تلك الفترة.. 

أختير الزنداني مراقباً عاماً لجماعة الإخوان في اليمن بعد وفاة عبده المخلافي وأسهم في تأسيس المعاهد العلمية التي كانت الواجهة التعليمية للجماعة، وبعد خلاف سياسي بين الإخوان والرئيس اليمني الأسبق «القاضي عبد الرحمن الإرياني» انتقل الزنداني إلى صعدة مستقراً في منطقة وائلة (شرق دمَّاج) تحت رعاية الشيخ عبدالله الأحمر، وأسس هُنالك معهدا دينيا تابعا لإدارة المعاهد العلمية بهدف مواجهة غلاة المذهب الزيدي.. 

ومع استلام الرئيس الحمدي مقاليد الرئاسة عاد إلى صنعاء ليتولى قطاع الدعوة والإرشاد في وزارة الأوقاف كما ألف كتاب التوحيد للمنهج الدراسي. 

وبعد تولي علي عبدالله صالح للرئاسة قام الإخوان بتحجيم نفوذ الزنداني، واختاروا بدلاً عنه ياسين عبدالعزيز القباطي ليكون مراقباً عاماً للجماعة. وتم تعيين عبدالمجيد الزنداني مندوباً لليمن لدى رابطة العالم الإسلامي في السعودية. 

وهناك انتقل إلى مرحلة جديدة تطعّمت فيها برغماتية الإخوان بسلفية الوهابية. 

ومع اندلاع شرارة الحرب الأفغانية ودخول الجيش السوفييتي افغانستان في 25 ديسمبر 1979، ونشوء ظاهرة المجاهدين العرب بتشجيع من الاستخبارات الأمريكية، كان للشيخ الزنداني دور أساسي في تحشيد المقاتلين من خلال خطبه ومحاضراته في المساجد والجامعات وصار وجهاً مألوفاً في التلفزيون السعودي من خلال برنامجه عن اعجاز القرآن وصوتاً مسموعاً في اليمن والخليج من خلال اشرطة الكاسيت التي تنقل خطبه ومحاضراته.. وكان أسامة بن لادن أحد المتأثرين به بعد محاضرة ألقاها الزنداني في جامعة الملك عبدالعزيز التي كان أسامة أحد طلابها. 

لاحقاً أصبح الزنداني وبن لادن قطبي حركة الجهاد، حين كثّف الزنداني من زياراته لمعسكرات التدريب في بيشاور، وظلّ يتنقل بين أفغانستان والسعودية، وفي تلك المرحلة اكتسب الزنداني صفة الأب الروحي للأفغان العرب، فيما كان بن لادن رجل الميدان. ولعب القطبان على العصبية اليمنية في الجهاد الأفغاني، بالتنافس مع المصريين الذين كانوا أكثر عدداً، ولم يقلل مجيء اليمنيين في المرتبة الثانية من قيمة حضورهم في الصدارة بفضل الشجاعة التي كانوا يتحلّون بها في ساحات القتال. وأثمر الأمر لاحقاً ولادة جيش كبير مدرب ومنظّم، وظهر الأمر واضحاً حين انتهت الحرب الأفغانية وعاد اليمنيون إلى بلادهم. 

حينها كان الزنداني يخطط بالاتفاق مع أسامة بن لادن لتطبيق نموذج الجهاد الأفغاني في جنوب اليمن، لكن حال دون تحقيق ذلك قيام الوحدة بين الشمال والجنوب وتراجع الإخوان عن رفضها إلى تأسيس حزب سياسي هو «التجمع اليمني للإصلاح»، تم فيه ادماج الإخوان بالقبائل. وقام هذا الحزب على تبادل مصالح، فالإخوان الذين كانوا بلا رصيد جماهيري باتوا يحسّون بامتداد داخل الوسط القبلي، والشيخ عبدالله الأحمر الذي لم تكن له صفة حزبية صار يشعر بأنه من خلال مركزه القبلي يمسك بورقة الإسلاميين في اليمن، الإخوان والأفغان على أساس أن الزنداني ظل في موقع الأب الروحي لهؤلاء. 

ومع قيام الوحدة في 22 مايو 1990شنّ الشيخ عبدالله الأحمر حربا نفسية على الاشتراكيين الجنوبيين، من منطلق أن الجنوب فرع والشمال أصل، والوحدة هي عودة الفرع إلى الأصل، واستمر الزنداني في التذكير بكفر الحزب الاشتراكي الذي اعتنق الفكر الماركسي، ووصل إلى حد عدّ كل الزيجات التي انعقدت خلال فترة حكم الاشتراكيين في الجنوب منذ سنة 1978 باطلة، لأنها حصلت في ظل دولة شيوعية.. 

بعد أقل من عامين على قيام الوحدة وتحديدا في 29 يناير 1992 عُثر على جثة الشابة "لينا” ابنة وزير العدل في أول حكومة بعد الوحدة الدكتور مصطفى عبدالخالق قريباً مِن دار الشيخ الزّنداني، وقال الشيخ إن القتيلة كانت صديقة لابنته ولحأت للعيش معها بعد رفضها لنهج والدها الاشتراكي، لكنها لم تستطع الصمود وانتحرت بمسدس كان بحوزة ابنته بسبب اصرار والدها على عودتها لمنزله. وقال الأب حينها إنً ابنته قتلت في طريق هروبها مِن دار الشَّيخ، حسب وضعية الحذاء واتجاه الرَّصاصة التي أصابتها.

بعد انتخابات ابريل 1993 صار الزنداني عضواً في مجلس الرئاسة إلى جانب اربعة أعضاء من المؤتمر والاشتراكي كنتيجة لحصول الإصلاح على المرتبة الثانية في انتخابات النواب..

وحين اندلعت حرب الانفصال صيف 1994 شارك الشبخ بفاعلية في التجييش لتلك الحرب، وكان له دور بارز في تجميع الفصائل الجهادية، ليكونوا في طليعة المواجهات... 

وبعد أن وضعت الحرب أوزإرها وخروج الزنداني من مجلس الرئاسة منحته الدولة قطعة أرض بنى عليها ما عرف بجامعة الإيمان، التي نقلته إلى مصاف رؤساء الجامعات، لكنها فتحت الأعين على دوره السياسي الجديد، الذي وضعه في المرمى الأمريكي، لا بسبب علاقته السابقة مع أسامة بن لادن، بل لما كان للجامعة من دور على صعيد تأهيل أجيال جديدة معادية للغرب، وانكشف هذا الأمر جلياً بعد أحداث 11 سبتمبر 2001، حين ألقى الأمريكيون القبض على «قاعدي» أمريكي في أفغانستان، تبيّن أنه تأهل فكرياً في جامعة الإيمان، وهنا شرع الأمريكيون بفتح ملف الزنداني.

أُدرج اسم الزنداني ضمن قوائم الداعمين للإرهاب من قبل الخزانة الأمريكية في العام 2004..

وظل لفترة أحد أبرز المطلوبين الذين رفض النظام اليمني السابق تسليمهم لواشنطن باعتباره مواطنا يمنيا يجب أن يحاكم بموجب القانون اليمني.. وعمل النظام على تسهيل وساطات قادت لجلوس الزنداني مع السفير الأمريكي. 

كان رد الزنداني لجميل الرئيس صالح الذي رفض تسليمه للامريكان، أنه اعلن انضمامه إلى احتجاجات فبراير 2011، 

وقفز من مركب صالح إلى ساحة الثائرين عليه معلناً أنّهم بثورتهم ينهون فترة الحكم الجبري الذي بشر به الرسول ويؤسسون لدولة الخلافة، بل إنه أفتى بأن الاحتجاجات والاعتصامات وحمل البنادق في ساحات الثورة صورة من صور الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

وبعد سيطرة المليشيات الحوثية على صعدة واقترابها من الاستيلاء على عمران أعلن عن توصله لاكتشاف اقتصادي سيتم من خلاله معالجة الفقر اتضح لاحقاً أنّها الزكاة ونصيب الخُمس الذي سيذهب جزء منه لآل بيت النبي في رسالة منه للحوثيين الذين يزعمون انتسابهم لآل البيت.. لكنهم تجاهلوا إشارته، معتبرين أنّ طريقهم إلى صنعاء مُبرره الخارجي محاربة الإرهاب الذي يُعد الزنداني أبرز دُعاته ورعاته. 

وبعد سيطرتهم على صنعاء في سبتمبر 2014، تمكن الزنداني من الهروب إلى تعز وبعد 7 أشهر إلى السعودية.. لكنه في أواخر نوفمبر 2020 الماضي نقل محل إقامته من السعودية إلى استنبول وخرج منها عبر مطار جدة.. غير أنّ التنظيم الدولي لجماعة الإخوان حوّل خروجه إلى هروب في تصريح أعلنه القيادي الإخواني المصري محمد الصغير.


ويُعتقد أن انتقال قيادات إخوان اليمن إلى تركيا يأتي في سياق مخطط يهدف لإعادة توظيفهم في صراعات المرحلة المقبلة.