“الولاية” تنتصر على”الجمهورية”.. ألغى الحوثي دور آلاف الإعلاميين قنواتٍ وصحفاً وأعاد بناء إعلامه الخاص

تقارير - Tuesday 09 February 2021 الساعة 09:08 pm
المخا، نيوزيمن، إسماعيل القاضي:

حين سيطر “جيش” الذراع الإيرانية على مؤسسات الدولة في صنعاء كان هدفه الأول “المقرات العامة” وأولها “الإعلام”، موضوع القوات المسلحة كانت الذراع تدرك أنها “انتهت مع هيكلة الجيش وقبلها بشلها عبر الدعاية الثورية الإخوانية باعتبارها “جيشاً عائلياً”، وكان أول ما وضعت يدها عليه هو “وزارة الإعلام ومبنى التلفزيون والإذاعة”. 

وتكرر ذات الأمر بعد ذلك في ديسمبر 2017، فحين ثار الرئيس السابق “علي عبدالله صالح” ضد سطوتها وكشف جهده للرأي العام معلناً انتهاء التحالف معه ودعوته للثورة عليها، كان “جيش” الحوثي يتجه مباشرة لقناة “اليمن اليوم” في الساعات الأولى لبدء المواجهات المسلحة.

وفي المقابل، فقد أبقى الحوثي قناته الأساسية “المسيرة” هناك في الضاحية الجنوبية في مبنى “حزب الله” وحتى اليوم رغم سيطرته على كل الشمال اليمني.

وبين هذا وذاك، فإن المؤسسات الإعلامية كانت هي الهدف الأول لجماعة تقوم على الدعاية الفخمة بخبرة إيرانية لبنانية، حيث أغلقت القنوات والصحف والإذاعات، وتحول المناطق تحت سيطرتها إلى أرض جرداء من الإعلام، قبل أن تبدأ مخططها الثاني: بناء وجودها الإعلامي الخاص عبر كل مقدرات البلاد وبديلا عن كل أطرافه.

من صنعاء بدأت حملة السيطرة

في 23 من ديسمبر 2014 كانت مجاميع حوثية تقتحم هيئة مؤسسة الثورة الناطق الرسمي للجمهورية اليمنية وكانت قد اقتحمت قبلها بشهر مبنى التلفزيون والإذاعة اليمنية في حي الجراف، وخيرت الموظفين بين الاستقالة والبقاء في أعمالهم.

ولم تهتم الجماعة بتفعيل المؤسسات الحكومية حتى وهي تحت سيطرتها، فكلما سيطرت على مؤسسة حيدتها وأغلقتها ومنعت عنها كل الإمكانيات، فتحول تلفزيون صنعاء إلى خراب، وتحولت أعرق المؤسسات الإعلامية الجمهورية “إذاعة صنعاء” إلى مجرد مكان مهجور تلعب فيه الحيوانات.

أما الإعلام الخاص فقد توزعته الإجراءات بين الاعتقال والقتل وتفجير المنازل والملاحقات الدائمة.. فأقفلت كل القنوات والصحف أبوابها، بعضها باقتحام مقراتها وبعضها تجنباً للصدام مع سلطة غشومة.

وخاض عبدالملك الحوثي بنفسه المعركة ضد الإعلام، متهماً الإعلام والاعلاميين بـ”شن حملات مغرضة” ضد اللجان الشعبية، ومعتبرا أنهم متهمون دوما في وطنيتهم ودينهم.

واختفت الآلاف من الأسماء في كل وسائل الإعلام الجمهورية التي ظلت رموزا في وعي اليمنيين طيلة ستة عقود من الزمن، لم تعد تجد في صنعاء صوتا إعلاميا سوى “المسيرة” الحوثية، القناة التي تبث من لبنان أو الصحيفة التي تصدر من صنعاء.

السيطرة.. بناء الوجود الشيعي إعلامياً

مع استقرار السيطرة الأمنية على صنعاء بدأت الهيئة الإعلامية الحوثية عملها، يقودها رجل عبدالملك “أحمد حامد” الذي يدير اليوم البلاد عبر مكتب الرئاسة، ثم بدأ برنامج “الدورات الثقافية” التي تعني دورات الاستقطاب التنظيمي للجماعة مع قطاع الموظفين من خارج منظومتها الأيديولوجية، وهذه هي تجربة طهران في حروبها السابقة في كل من العراق ولبنان وسوريا السيطرة على الجهاز الوظيفي للدول.

بدأ الحوثي مرحلة صناعة الإعلام المتشيع الخاص، ووفق خطة مدروسة بدأ الاستقطاب من الموظفين الذين فضلوا بيوتهم، تارة بالوعد والوعيد وتارة بمقايضتهم بسلل المنظمات.

كبحت أصحاب الخبرات والصحفيين السابقين عبر حملاتها ضدهم وفرار آخرين واستسلام البقية للعمل في مؤسساتهم، بنصف راتب كل شهرين.

وخلال عامين بقي إعلام المؤتمر الشعبي، يحاول الصمود الوطني في صنعاء، حتى ديسمبر 2017م، وبعد كشف الرئيس السابق علي عبدالله الصالح للجماعة، وأول قرار نفذته الجماعة كان السيطرة على تلفزيون "اليمن اليوم" ومحاصرة واختطاف موظفين في المبنى، ثم السيطرة على القناة وتحويلها نسخة حوثية بخطاب الولاية، ولكن في غالبها بنفس الأسماء وبنفس الوجوه التي اضطرت للعمل مع الحوثي.

ما بعد السويد.. معركة الحديدة

بعد سنوات مضت، كان الحوثي قد أغلق كل مرافق الدولة في المحافظات، وكاد يتهاوى تحت ضغط طلائع القوات المشتركة التي وصلت الحديدة في 2019، لكن كارثة “اتفاق السويد” أعطته زخما كبيرا أعاد به تشغيل مكاتب الإدارات وفروع وكالة سبأ، واستقطاب إعلاميين جدد وشباب في الإدارات المحلية.

إعلامياً، اتجه لتطوير الإعلام والتوجيه، وابتعث خريجي إعلام إلى لبنان، وفتح المنح لإكمال الماجستير في إيران، وفعل دور المجلات في الجامعات والمراكز العلمية، واستقطب مزيداً من الشباب للعمل فيها، من كلية الإعلام في صنعاء وقسم الإعلام بجامعة الحديدة كان العمل يسبقه حملات وملاحقات لمعارضين فكرياً، وتجنيد آخرين للعمل التجسسي على زملائهم في الأقسام وخاصة الإعلامية منها.

حتى وصل إلى إنجاز آلة إعلامية ضخمة تتعدى 33 مؤسسة إعلامية ووكالات أنباء ومئات المواقع الإلكترونية تعمل بالتوازي بدعم إيراني وإشراف من حزب الله اللبناني. 

ففي صنعاء مؤسسات إعلامية قائمة بذاتها كتلفزيونات واذاعات ومواقع إخبارية في كل المحافظات، تصل بخطابها حد التعدد في الخطاب، ولكن تحت “سقف الولاية”، إضافة إلى استراتيجية جديدة يتم فيها توزع الادعاءات، حيث تصدر مواقع تدعي أنها “جنوبية” وأخرى “ماربية” وأخرى “تهامية”.. كل منها له مساحته الواسعة في التخفي مع استهداف طرف واحد من الأطراف الوطنية، حيث يتمكن كل موقع من استقطاب أصوات غير حوثية تعمل ضد أطراف معادية لها، وفي النهاية فإنها تخدم الاستراتيجية الحوثية.

جامعة الحديدة ضمن خطة الحوثيين 

أعلنت جامعة الحديدة عن صدور مجلتين ومعهما الترخيص الدولي للأبحاث "مجلة تهامة ومجلة الآداب"، وتنشر هذه المجلات نوعاً من الدراسات والبحوث والمقالات التي تخدم الفكر الحوثي، حيث تقدم كل القضايا الوطنية اليمنية من منظور ملالي طهران.

وتخدم هذه الدراسات والبحوث المنشورة في مجلات الجامعات ومجلات المؤسسات الصحفية، فضلاً عن الخطاب الإعلامي الموحد لمفهوم المذهب الشيعي الإيراني. وقد شهدت عدة صحف ورقية ومجلات حركة نشطة ونشر مقالات لكتاب ناشئين واحتوائهم.

لقد استفادت الحوثية من مؤسسات الدولة والمؤسسات التي صادرتها لنشر أفكارها الدخيلة على المجتمع اليمني، لتسهيل الطريق أمام تشييع الشعب.