سالم وحمود.. تركا مخلاف للحوثي وذهبا إلى الحُجرية حيث "التمويل"

تقارير - Monday 22 February 2021 الساعة 09:05 pm
نيوزيمن، كتب/ عبدالسلام القيسي:

تعالت صرخات الحوثي في قرية الرحبة، مسقط رأس حمود سعيد المخلافي بعزلة الأحجور من مخلاف أعلى، وصكت آذان البلاد شمال مدينة تعز ساخرة من القدر الهازئ بشوارب الرجال المدججين بأسلحة الخلف الآبق الباحثين عن المال والغنيمة بالمعارك الجانبية، والتاركين بلدتهم وقراهم وهم يلهثون خلف المكاسب الشخصية، فيما يتمدد الحوثي ويصرخ ويحشد الناس من حواف منازل الذين قالوا للعامة: نحن قيادة المقاومة.

‏فتح المجد أبوابه لحمود سعيد المخلافي، ولكن الباحث عن الذهب أقفل أبواب المجد بمزاليج من فضة، وذهب من أجل ملء صناديقه بالعملات، وها هي تعز لا تحرر نفسها ولا تسند غيرها، وواقفة في المنتصف بين الجحيم والجحيم، فلا هي تحررت ولا هي تترك سواها يحررها أو يتحرر من الباغي الظلامي الذي يصرخ بصلاة الجمعة في معقل حمود والمتخفي تحت وشاح تعز.

سالم المخلافي، عبده فرحان

يتسابق حمود وسالم على تسيُّد الحجرية بتسليم مخلاف للحوثي والتخلي عن مواطن الصبا ومكامن البطولة من أجل أشياء تأتي وتذهب تُباع وتشترى وتلطخ المرء لا أكثر.

ظهر حمود سعيد فجأة قبل عقدي زمان، دون أن يعرفه هؤلاء الذين وضعوا صوره على بروفيلاتهم، وأتى من مكان بلا ماضٍ سوى أنه ينتمي لحركة الإخوان المسلمين، وقام ممثل الحركة بشطب مناقصه وتشذيب مرحلته وتكثيف اسمه وأوجده من العدم إلى ساحة المجتمع التعزي كبيدق لا أكثر.

يقرأ مقاتل من الرحبة خبر الصرخة الحوثية في بلاده ولا تتسع له المجرة من الحزن، ثمّة جريح من الأقيوس يقول: نحن قاتلنا من أجل بلادنا وأهلنا ووالد شهيد من يربض يستمع لصرخات الملاعين وهو يأسف لمقتل ولده، فلأجل من طالما والحوثي هنا حيث يصلي دون أن يمنعه أحد، وهل ضحى ولده بنفسه خلف حمود سعيد من أجل هذه اللحظة القاتلة.

لحظة الاعتراف والتجلي، ولحظات الأسف وخيبة ظن الجميع وأكثرهم من مخلاف التي تركت أصلها وشيوخها وكل ممثليها عبر الزمانات القديمة وصفّوا صفوفهم خلف رجل لا يتورع عن بيع تضحياتهم في أول كف نثر في كفه الدنانير.

كان المخلافي بأول سنة من الحرب يقف شامخاً في بلاده بمحاذاة مجاميع المليشيات، وكانت الجماعة تخاف أن تتورط بمعركة غير محسوبة مع قوم رجال في الحرب وشجعانهم على مسافة بين الجميع وسيكون بمنتصف المعركة إذا فكر بالحرب فأمامه الآباء والإخوة والشباب الباقون في مخلاف ومن الوجهة الأخرى هناك الرجال الذين يتحرقون لساعة الصفر لأجل بلادهم ولأجل كرامة ذويهم ونسائهم، فماذا تغير في الأمر، ماذا؟

مخلاف هي الثابت الوحيد وحمود المخلافي هو المتغير المكرور في مخلاف وفي تعز.

لقد تغيرت الخارطة كثيراً

قسم شرطة في المخلاف، وثم نقاط في المخلاف، والآن ها هم يصرخون في المخلاف دون أن يتجرأ أحد أن يقول لهم كفى كما كانوا في السابق، وقد رأوا الحقيقة الماثلة أمام أعينهم في أن ثمة حاجزاً هناك بجبهة الأربعين بشدة الإصلاح يمنع ذوي النجدة نجدتهم لو حدث الذي في بال شجعان البلدة.

أمسى المخلافي وحيداً في مخلافه، يمسح الوتساب كلما غادر بيته، ويترك سلاحه كلما خرج من المنزل، ويحتمل ضيم الغرباء خوفاً على نساء ضعيفات ينتظرنه في المنزل من اليتم الأبوى والأمومي والزوجي ومن أن يفقدن منزلهن بلحظة غضب حوثي، ومن أن يضربن، ومن أن يقتلن... ولقد حدثني أحدهم وقال: لولاهن النساء اللواتي يقيدنني لما ترددت لحظة في إطلاق أول رصاصة كرامة.

كان شباب المخلاف بأول سنة حرب يهربون سلاحهم من البلاد إلى مدينة تعز للقتال، ويتهربون للمشاركة خلف حمود سعيد في تحرير المدينة، وما هي إلا أشهر فقط وسيعودون بلادهم، والآن يعجزون عن العودة، وقد أخذوا كل سلاحهم معهم ولم يتركوا من شيء لذويهم يطلقون به بوجه الطغاة لو فرضت عليهم معركة الكرامة والشرف، نعم.

كان المخلافي يبيع بندقيته بعدما استحالت طريقة التهريب إلى تعز وبثمنها يشتري بندقية بمدينة قاتلت بشرف، ولكنه الآن يخشى على أهله من البقاء بلا بندقية في ظل الخطر الحوثي.

كان المخلافي وكان، وكان، وحمود سعيد الذي كان يجري خلف قضية تعطيه مائة ألف ريال صعد على أكتافهم إلى السماء المحاك من الخيانات، وتركهم وتخلى عنهم وعن كل قضيتهم وهم ذهبوا بين شهيد وجريح ومقيد الحركة في مدينة مظلمة، وبين متهم وفار من نفسه إلى نفسه، وتوزعوا من البقع إلى مأرب وإلى الساحل الغربي والجوف بعدما أدركوا لعبة حمود في المعركة وأدركوا غاياته.

وإلى طور الباحة يشد حمود الرحال وإلى التربة، ويحلم أن يصل الوازعية والساحل كله دون أن ترف له صرخة الحوثي جفناً أو شرفاً، ودون أن تعني له بلدته شيئاً، فحمود كان يلعب على شارع وشارعين في تعز والآن لعبته أكبر على بحر وبحرين وعلى مضيق ودول وطموحات، فمن أين له أن يعرفكم ولربما نسي أنه منكم أيها المقيدون بالدم والبكاء..

ومن الروضة إلى الدوحة ومن قاهرة الرسولي إلى قاهرة المعز ومن الأحجور في مخلاف وإلى الاوغور في تركيا ومن شارع الخمسين في تعز وإلى ميدان تقسيم في أسطنبول ومن تنظيم المقاتلين إلى تنظيم الحمدين ومن مقاتل إلى مقاول.

أكتب هذا كله وأنا أعلم بكل جوارحي أنني تجاوزت حدود أهلي، وسوف تمتلئ خانات الرسائل بالتأنيب من أقربائي، وبالتهديد من أتباعه، وبالشتيمة من مؤيديه الذين لا تزال في أعينهم غشاوة وسحر حمود.


أكتب من أسفي على كل تعز وعلى كل مخلاف وعلى قضية كانت قضية وأصبحت مصلحة.