"فلسطين".. بين شيلان الإخوان وصناديق الحوثي

السياسية - Friday 21 May 2021 الساعة 07:25 am
صنعاء، نيوزيمن، خاص:

إلى ما قبل العام 2011م حين تصدرت حركات الإخوان المسلمين في العالم العربي مشهد الفوضى الخلاقة الذي استهدف عددا من البلدان العربية كانت قضية فلسطين هي إحدى أبرز القضايا التي استخدمتها حركة الإخوان المسلمين في اليمن (حزب الإصلاح) على وجه الخصوص، للمزايدة السياسية من جهة، وللتربح والتكسب المالي من جهة أخرى.

اليوم يتكرر المشهد في اليمن بفاعل آخر هو المليشيات الحوثية، الذراع الإيرانية في اليمن، والتي باتت تستخدم قضية فلسطين وما تشهده حاليا من مواجهات ومعركة عسكرية بين الفلسطينين والمحتل الإسرائيلي لذات الأهداف المتمثلة في المزايدة السياسية كهدف، والتكسب المالي وسرقة أموال الناس كهدف آخر.

فلسطين لدى الإخوان... مزايدة سياسية و(شيلان) لنهب الأموال، 

ويتذكر اليمنيون كلهم كيف عمد حزب الإصلاح (الإخوان المسلمين في اليمن) منذ تأسيس الحزب عقب قيام الجمهورية اليمنية مطلع تسعينيات القرن الماضي إلى استخدام قضية فلسطين بشكل عام ووضع قطاع غزة التي كانت تتعرض لأكثر من مرة لحرب إسرائيلية واغتيالات متكررة، قضية للمزايدة السياسية التي يجيشون لها كل طاقاتهم السياسية والإعلامية والخطابية، ويثيرون من أجلها مختلف المشاعر والعواطف الدينية الحقة منها والباطلة.

من المدارس والمعاهد التي كانوا يسيطرون عليها، إلى الجامعات، والمساجد، ووسائل الإعلام، كان الإخوان يحشدون طاقاتهم وخطباءهم للمزايدة باسم فلسطين والدفاع عنها بخطب ومقالات وبيانات رنانة تحول قضية شعب وكفاحه إلى محطات آنية ينتهي تأثيرها ومفعولها بانتهاء المواجهات العسكرية، أو الأحداث التي كانت تشهدها مدن فلسطينية وعلى وجه الخصوص قطاع غزة، حيث معقل حركة الإخوان المسلمين فرع فلسطين (حركة حماس).

ويقول محللون لطريقة تعاطي الإخوان في اليمن مع قضية فلسطين لنيوزيمن: إن مشهد (شيلان) الإخوان الذين يوزعونهم في باحات المساجد في مختلف مناطق اليمن لجمع التبرعات باسم دعم فلسطين ومقاومتها هو المشهد الأبرز الذي صبغ حقبة مزايدة إخوان اليمن باسم القضية الفلسطينية، حيث كانت تلك (الشيلان) تمتلىء بتبرعات المواطنين البسطاء الذين يتعاطفون مع فلسطين وقضيتها ويقدمون كل ما يملكونه ويدخرونه من أموال نقدية أو عينية كالذهب والمجوهرات تحت التأثر العاطفي الذي كان يصنعه خطاء الإخوان في المساجد والجامعات والمدارس والفعاليات التي كانوا يقيمونها خصيصا لجمع تلك التبرعات.

مئات ملايين الدولارات والريالات التي جمعها إخوان اليمن باسم فلسطين ودعم مقاومتها تحولت في نهاية المطاف إلى أموال تتربح بها وتستثمرها الحركة الإخوانية (حزب الإصلاح) في مشاريع لصالحها الحزبي ولصالح شخوص قياداتها، وهو ما تجلى من خلال توسع حجم الاستثمارات الإخوانية داخل اليمن عبر المدارس والجامعات والمعاهد الخاصة، وعبر المستشفيات الأهلية، ناهيك عن الاستثمارات والمشاريع الخارجية التي تركزت بشكل رئيسي في تركيا، حيث يسيطر الإخوان هناك على الحكم بقيادة اردوغان، والسودان، حيث يحكم الإخوان بقيادة البشير قبل الإطاحة به.

ويجمع المحللون أن الهروب الكبير لقيادات الإخوان وسياسييهم وإعلامييهم وناشطيهم عقب انقلاب المليشيات الحوثية في 21 سبتمبر 2014م وفرارهم خارج اليمن مع أسرهم وتركز تواجدهم بشكل كبير في اسطنبول التركية بالإضافة إلى الدوحة وماليزيا والخرطوم قبل سقوط البشير وشرائهم منازل وشققا سكنية فاخرة، وانشائهم مشاريع استثمارية في تلك العواصم، فضلا عن المشاريع الاستثمارية التي أنشأوها في المدن المحررة من مليشيات الحوثي والتي تسيطر عليها مليشيات الإخوان مثل مارب وشبوة وتعز، إنما تعكس حجم الأموال التي يمتلكها إخوان اليمن (حزب الإصلاح) والتي جمعوها من تبرعات الناس باسم فلسطين، بالإضافة إلى الأموال التي حصلوا عليها خلال ثلاث سنوات من الحكم عقب تسليم الرئيس السابق الشهيد علي عبدالله صالح للسلطة في 2011م، وسيطرة الإصلاح حينها على حكومة الوفاق الوطني، ناهيك عن الأموال التي جمعوها نتيجة سيطرتهم على الدعم اللامحدود للتحالف العربي بقيادة السعودية للشرعية التي يسيطرون على قراراها ويملكون ما يسمى بالجيش الوطني، الذي حولوه إلى مليشيات تابعة للإخوان، وأسماء وهمية كلها من ناشطيهم وعناصرهم.

مليشيات الحوثي وفلسطين.. إلهاء للناس ونهب للأموال 

ولا تختلف مليشيات الحوثي، الذراع الإيرانية في اليمن، وهي الوجه الآخر لحركات الإسلام السياسي بمذهبها الشيعي، كثيرا في نظرتها وتعاطيها مع قضية فلسطين عن حركات الإخوان المسلمين (حزب الإصلاح)، فهي تتعامل مع قضية نضال الشعب الفلسطيني بذات الفكر القائم على المزايدة السياسية والاستثمار الخطابي، والاستغلال المادي.

ويجمع المحللون أن قضية فلسطين في فكر المليشيات الحوثية تحتل نفس الموقع في فكر حركات الإسلام السياسي السنية ممثلة بالإخوان المسلمين الذي كان ينطلق تعاطيهم مع قضية فلسطين من نظرة التنظيم الدولي السري للإخوان المسلمين، حيث ينطلق فكر الحوثيين من نظرة وفكر الداعم الإيراني الذي يمثل الحوثيون ذراعا عسكريا له في اليمن، وهو ما يتضح من خلال قيام خطابهم على نفس توجهات الخطاب الإيراني الذي يرتكز على الترويج والتطبيل لما يسمى بيوم القدس العالمي الذي ابتدعه المرشد الإيراني السابق الخميني، وترديد ذات الشعار الإيراني القائم على الصراخ بالموت لإسرائيل واللعنة على اليهود، وبث مزاعم أنهم سيحررون القدس.

ويضيف المحللون لنيوزيمن: وتبدو قضية فلسطين لدى الحوثيين مجرد شعارات للمزايدة السياسية، حيث ينادون بموت إسرائيل فيما يقتلون اليمنيين، ويصرخون باللعنة لليهود فيما يجسدون لعناتهم في واقع الشعب اليمني، وينهون مزايدتهم هذه بالتطبيل والمدح لتوجهات إيران وما تسميه بفيلق القدس -أحد هياكل الحرس الثوري الإيراني- الذي يعد الأداة التي تقود آليات وطرق وأساليب الدعم العسكري والتقني والتسليحي وحتى المالي للمليشيات والأذرع العسكرية لإيران في المنطقة (حزب الله في لبنان – الحشد الشعبي في العراق – المليشيات الحوثية في اليمن – ونظام بشار الأسد في سوريا).

ووفقا للمحللين فإن التعاطي الحوثي الأخير مع الأحداث في فلسطين المحتلة ومسارعتهم للدعوة للتبرع المالي إنما يعكس ذات الفكر الذي يحكم الحركات الإسلاموية تجاه قضية ونضال الشعب الفلسطيني.

ويضيفون: الحوثيون وجدوا من الأحداث والمواجهات العسكرية بين المحتل الإسرائيلي وحركة حماس فرصة لإلهاء الناس عن الكثير من الأزمات التي يفتعلونها في الجانب الخدمي كأزمة المشتقات النفطية، والغاز، وانقطاع المرتبات، واستمرار الجبايات والاتاوات غير القانونية في مجالي الجمارك والضرائب، وصرف أنظار الناس عنها إلى اشغالهم بقضية فلسطين.

الحوثيون مثلما الإخوان حشدوا كل طاقاتهم السياسية والإعلامية والخطابية والمساجد ووسائل الإعلام للمزايدة باسم فلسطين، وسارعوا لتنفيذ خطة زعيم المليشيات عبدالملك الحوثي التي نادى فيها بالتبرع لدعم غزة، ومثلما كان منظر (شيلان) الإخوان لجمع التبرعات باسم غزة بات مشهد (صناديق) مليشيات الحوثي هو المنظر الأبرز اليوم في العاصمة صنعاء ومناطق سيطرة المليشيات التي توزع هذه الصناديق باسم جمع التبرعات لدعم المقاومة الفلسطينية في غزة.

ووفقا للمحللين فإن التبرعات التي تجمعها مليشيات الحوثي باسم غزة ودعم فلسطين سينتهي مصيرها كما انتهى مصير التبرعات التي كان يجمعها الإخوان في مشاريع استثمارية لصالح المليشيات وقياداتها.

ويختتم المحللون بالقول: ومثلما كان الإخوان يحصرون قضية فلسطين في حماس وغزة، ويستبعدون حركة فتح والسلطة الفلسطينية الشرعية عن أحاديثهم ودعمهم، فمليشيات الحوثي تكرر اليوم ذات المشهد بحصر قضية فلسطين في قطاع غزة، وتهميش أي حديث عن الضفة والقدس وما تشهدانه من احتجاجات ومظاهرات ومواجهات ضد المحتل الإسرائيلي الذي يمارس بحق الفلسطينين في القدس سياسة تهجير كانت هي السبب في انفجار الأوضاع في بقية مناطق فلسطين.