الولاية بدل الدستور والهاشمية بدل المواطنة.. "الحوثي" وملامح الدولة الانفصالية

السياسية - Sunday 30 May 2021 الساعة 09:55 pm
صنعاء، نيوزيمن، تقرير خاص:

مرت الذكرى الحادية والثلاثين لقيام الجمهورية اليمنية في 22 مايو 1990م وسط عاصفة جدل تجاه كل الأطراف، راقبها الحوثي جيداً.

وفيما يغذي خطاب الإخوان استمرار نشطاء الجنوب والشمال في معاركهم ضد بعضهما وتبادل التحقير في النقاشات، يتنقل الحوثي بينهما مشعلاً المعارك مدعياً هنا أنه وحدوي ضد الجنوب، وهناك مدعياً أنه منحاز للجنوب، وفي ثالثة أنه شمالي يبحث عن الحلول المرضية للجنوب.

بين الحوثي والانتقالي.. من المنفصل؟

باستثناء رفع علم الدولة الجنوبية ما قبل الوحدة، والأحاديث الإعلامية عن ضرورة العودة لدولتين في الشمال والجنوب، فإن المجلس الانتقالي الجنوبي ومعظم القيادات الجنوبية التي تتحدث عن عودة دولة الجنوب حتى الآن لا يزالون منضوين في إطار الحكومة الشرعية للجمهورية اليمنية المعترف بها دوليا، ويمارسون مختلف مهامهم وانشطتهم التنفيذية والسياسية والإعلامية ويديرون مؤسسات الدولة الواقعة تحت سيطرتهم أو في نطاق حصتهم التنفيذية بناء على اتفاق الرياض أو ما قبله وفقا لدستور الجمهورية اليمنية والقوانين النافذة في دولتها والمعمول بها حتى 21 سبتمبر 2014م وهو تاريخ انقلاب المليشيات الحوثية وسيطرتها بالقوة على مؤسسات الدولة وعلى حكومة الجمهورية اليمنية.

بغض النظر عن مدى الاختلاف أو الاتفاق مع أطروحات المجلس الانتقالي الجنوبي والمطالبين بإنهاء الوحدة وعودة الشطرين إلا أن ممارساتهم الواقعية الشطرية لا تزال محدودة في إطار الموقف السياسي والإعلامي النظري، ولا تزال مؤسسات دولة الجمهورية اليمنية ودستورها وقوانينها تعمل في مختلف المحافظات الجنوبية ومنها العاصمة عدن، ولا يزال العالم كله يتعاطى مع مؤسسات الحكومة اليمنية المتواجدة في عدن وبقية المحافظات الجنوبية على أنها مؤسسات دولة الجمهورية اليمنية.

ويقدم الانتقالي هويته الجنوبية كحل للأزمات التي عصفت بدولة الوحدة، ويؤكد على أنه يعبر عن مطالب الشعب في الجنوب ولا يفرض أي خيارات عليه، ويؤكد انه يسعى لحلول ضمن مصالح المنطقة والتحالف العربي، وأقصى ما يعلنه هو حماية الخيار الذي سيقرره شعب الجنوب، وانه لن يسمح بتجاوز هذه الخيارات التي وجدت قبل تأسيسه، وانه تأسس لحمايته ولكنه لم يكن سببا لها خلافا لما فعله الحوثي.

ورغم كل ذلك، فإن الإخوان يبذلون جهدا كبيرا لاستمرار المعارك ضد الانتقالي، وإغلاق أي أبواب للنقاشات بهدف تحليل المعطيات الواقعية التي صارت فيها اليمن، جنوبا وشمالا.

ومقابل استمرار التحريض ضد الجنوب عموما والانتقالي خصوصا، فإن الإخوان يتغاضون عن كل المظاهر الانفصالية الحقيقية التي صارت واقعا في حدود سلطة الحوثي. 

رغم أن مليشيات الحوثي الذراع الإيرانية في اليمن منذ انقلابها وسيطرتها على السلطة في سبتمبر 2014م تكرس واقعا انفصاليا إجباريا، حيث تشكل دويلة انفصالية عن شرعية ودولة الجمهورية اليمنية وعن خيارات كل اليمنيين الرافضين لسلطتها وولايتها الدينية.

انفصالية الحوثي.. أدلة ووقائع وأفكار 

يخضع الحوثي الدولة في العاصمة صنعاء ومناطق سيطرة مسلحيه لهيكل لا علاقة له بدستور الجمهورية اليمنية ولا بالسلطات التي يحددها ولا بالصلاحيات التي ينص عليها لكل سلطة ولكل من تلك السلطات، حيث تدار مؤسسات الدولة في مناطق الحوثي بإشراف مباشر من زعيم المليشيات عبدالملك الحوثي الذي لا يملك أي صفة تنفيذية تمنحه ممارسة ما يمارسه من صلاحيات تجعله الرجل الأول والأخير وصاحب الكلمة الفصل في كل شاردة وواردة فيما يخص الدولة ومؤسساتها واداءها.

ولا يجد المحللون صعوبة في ربط وتفسير موقع زعيم المليشيات في سلطة الأمر الواقع للحوثيين بانه استنساخ لتجربة دولة إيران التي يعد فيها المرشد هو الرجل الأول وصاحب القرار النهائي في كل ما يتصل بشؤون الدولة الإيرانية بما يملكه من طابع القداسة الدينية بوصفه ولي الفقيه والقداسة السياسية باعتباره قائد الثورة.

غير أن التجربة في إيران قائمة على دستور البلاد، أما في اليمن فإن دستورها يجرم الحكم الثيوقراطي القائم على ادعاء القداسة التي يضفيها الحوثيون ومليشياتهم على زعيمهم عبدالملك الحوثي الذي يصفونه بالسيد العلم وقرين القرآن وقائد الثورة ويزعمون انه حفيد رسول الإسلام.

ومن ذات القضية المركزية المعادية للدستور تنشأ ممارسات ونفوذ من يسمون بالمشرفين الذين اوجدتهم المليشيات كعناصر منحتها صلاحيات إدارة مؤسسات الدولة بجانب المسؤولين التنفيذيين المعينين رسميا وبقرارات صادرة عن ما يسمى بالمجلس السياسي الأعلى وحكومة المليشيات، وهؤلاء هم أصحاب الأمر والنهي في كل ما له علاقة بأداء مؤسسات الدولة في العاصمة صنعاء وحتى اصغر منطقة أو قرية في مناطق سيطرة المليشيات.

بل إن هؤلاء المشرفين يتنوعون بين مشرف عام، ومشرف سياسي، ومشرف اقتصادي، ومشرف ثقافي، ومشرف اجتماعي الأمر الذي يلغي واقعيا صلاحيات واختصاصات مسؤولي مؤسسات الدولة ويستعيض عنهم بهؤلاء المشرفين الذين يزاولون أعمالهم دون أي سند دستوري أو قانوني.

لقد عمدت هذه المليشيات إلى انتهاك كل نصوص الدستور والقوانين النافذة من خلال تعمدها انتاج دولة داخل الدولة فأنشأت هياكل ومؤسسات جديدة بديلة لمؤسسات الدولة ومنحتها صلاحيات واختصاصات المؤسسات الرسمية المنصوص عليها في دستور الجمهورية اليمنية وقوانين دولتها والامثلة على ذلك كثيرة ابرزها ما يسمى بالمجلس الأعلى لإدارة الشؤون الإنسانية ومواجهة الكوارث، واللجنة العدلية، والهيئة العامة للزكاة، والهيئة العامة للأوقاف.

وجميعها انفصالية المرجعية وانفصالية نطاق عملها التي لا يعترف بها إلا الخاصعون لسلطة القهر الحوثي.

ولا تقتصر انفصالية المليشيات على استحداث تلك المؤسسات خارج إطار نصوص دستور وقوانين الجمهورية اليمنية بل تمتد لتنسحب على عملية التعيينات التي تتم في هذه المؤسسات والهياكل الجديدة والتي تنحصر كلها في القيادات الحوثية من من يطلق عليهم الهاشميون وخصوصا الهاشميين من أبناء محافظة صعدة بدرجة رئيسية، فضلا عن التعيينات الأخرى التي تشمل بقية مؤسسات الدولة والتي تصب كلها في تكريس عائلية أسرة زعيم المليشيات الحوثية، وتكريس الانفصالية السلالية بحصر التعيينات في اهم وابرز مؤسسات الدولة القائمة أو الهياكل المستحدثة على من يزعمون انتسابهم للهاشمية، وتكريس الانفصالية المناطقية بمنح ابناء صعدة نصيب الاسد من مناصب مؤسسات الدولة عسكرية ومدنية.

إلى ذلك عمدت المليشيات الحوثية إلى العبث بكل النصوص الدستورية والقانونية واجراء تعديلات قانونية تمس جوهر القوانين ذات الصلة بالمساواة بين المواطنين كما حدث مع التعديلات التي ادخلتها على قانون الزكاة النافذ ولائحته التنفيذية وتضمينه نصا يؤكد النزعة السلالية بمنح ما يسمى بالخمس لمن يزعمون انهم بنو هاشم وهي التعديلات التي لا تمثل دليلا على ممارسات هذه المليشيات الانفصالية فحسب، بل وتبرهن على جوهر الفكر السلالي والمذهبي لهذه المليشيات التي تضفي على نفسها طابع القداسة وترى الاخرين مجرد عبيد لديها، ويؤكد حقيقة امامية هذه الحركة ونزعتها الرامية إلى اعادة حكم اليمنيين وفقا لنظريات الحكم الامامي الذي قضى عليه النظام الجمهوري في ثورة 26 سبتمبر 1962م.

وبالإضافة إلى كل ما سبق فإن ممارسات المليشيات الخاصة بفرض جمارك إضافية على كل السلع والبضائع المستوردة والداخلة إلى مناطق سيطرتها بدون أي سند دستوري أو قانوني يجيز لها فرض أي رسوم جمركية على أي سلع أو بضائع قد تم جمركتها في منافذ الجمهورية اليمنية تتوج كل ممارساتها الانفصالية التي تؤكد أن هذه الحركة الحوثية هي حركة مليشيات انفصالية حقيقية، وأن هدفها هو تكريس دولة انفصالية خاصة بها.