"بوكو حرام".. دماء في إفريقيا وتاريخ إرهابي مرتبط بالقاعدة وداعش

العالم - Tuesday 08 June 2021 الساعة 05:33 pm
نيوزيمن، سكاي نيوز عربية:

بإعلان مقتل زعيم تنظيم "بوكو حرام" في نيجريا أبو بكر شيكاو، فتحت تساؤلات عن التنظيم الإرهابي في إفريقيا، وارتباطه بالقاعدة أيديولوجيا وفكريا، واستلهامه الفكر المتشدد من القاعدة، حيث يرى التنظيم في أسامة بن لادن زعيما روحيا له.

"جبهة النصرة"، "حركة شباب المجاهدين"، "أنصار بيت المقدس"، كلها أسماء لتنظيمات إرهابية تنتمي للقاعدة مرة في سوريا ومرة في الصومال وأخرى في مصر، وهذه المرة تتخذ اسم "بوكو حرام" ولكن في نيجيريا، وهي أقوى الجماعات الإرهابية الدموية في نيجيريا.

مع العلم بأنه ليست هناك علاقة أو اتصال بين الاثنتين "حرام" و"القاعدة".

ولادة الوحش

وتتشكل نيجيريا من 350 عرقا وأكثر من 250 لغة وما يزيد عن 150 ديانة، يشكل فيها المسلمون 60 بالمئة من تعداد سكانها البالغ عددهم أكثر من 130 مليون نسمة، وهم يمثلون الأغلبية المطلقة في 19 ولاية في الشمال النيجيري من أصل 36 ولاية تتألف منها الدولة الاتحادية النيجيرية.

في نهاية القرن العشرين صدر القانون الفدرالي ومنه بدأت بعض الولايات الشمالية المسلمة تسير نحو أسلمة القوانين، ونجحت "بوكو حرام" في استغلال الفقر والبطالة والأمية.

 ففي 2009 ظهرت "بوكو حرام" كجماعة إرهابية في شمال نيجيريا.

وتعود النشأة إلى أبو بكر لاوان مؤسس جماعة "أهل السنة والهجرة" أو جماعة الشباب "منظمة الشباب المسلم" في مادوجيري بولاية بورنو وهي جماعة شكلها مجموعة من الطلاب تخلوا عن الدراسة، وكانت حركة دعوية.

التوحش.. أيديولوجية "بوكو حرام" الجهادية

تعني كلمة "بوكو حرام" بلغة الهاوسا "تحريم التعليم الغربي"، وبالتالي تعتبر هذه الجماعة كل ما هو غربي منافيا للإسلام جملة وتفصيلا ومرفوضا، وترى في النفوذ الغربي في المجتمعات الإسلامية أصل الضعف الديني لدى هذه المجتمعات، مما جعلها تصدر إعلانًا تعتبر فيه النظام المصرفي التقليدي والضرائب والقوانين والمؤسسات الغربية والتعليم الغربي، كلها أمورا كافرة يجب على المسلمين تجنبها.

 كما أنها لا تؤمن إلا بالتعليم الذي يشبه نظام "الملالي" والحلقات الدينية. 

أما مهمتها الأيديولوجية فهي السعي لقلب نظام الدولة العلمانية في نيجيريا، وفرض التطبيق الصارم لتعاليم الشريعة الإسلامية في البلاد، وبالتالي يكون "أفضل ما يمكن للمسلم المتدين القيام به هو "الهجرة" من هذا المجتمع المفلس أخلاقيا إلى مكان منعزل وإقامة مجتمع مثالي خال من الفساد السياسي والفراغ الروحي، وهو ما يعني أن من لم ينضموا لهذه الجماعة يُعتبرون كفارا (ينكرون الحقيقة) أو فساقًا (ظالمي أنفسهم).

لذلك لا تختلط "بوكو حرام" كثيرا بالمجتمعات الموجودة فيها، وتفضل الانعزالية بصفة عامة، وبشكل عام فإن "فكر" جماعة "بوكو حرام" هو فكر تكفيري، حيث يؤدي أتباعها الصلاة في مساجد منفصلة، ويطلقون اللحى ويضعون على رؤوسهم أغطية حمراء أو سوداء.

 واستطاع البعد العرقي أن يلعب دورا كبيرا في تنامي حجم تنظيم "بوكو حرام"، حيث تتشكل نيجيريا من قبيلتين كبيرتين، هما "الهاوسا" في شمال البلاد، وأغلبهم مسلمون، وقبيلة "الإيبو"، وغالبيتهم من المسيحيين، وكثيرا ما تحدث اشتباكات دينية وعرقية بين القبيلتين.

ومع انتشار الفقر بين المواطنين وضعف الأداء الحكومي الرقابي، توسعت عقيدتهم حول "الجهاد"، لتأسيس دولة إسلامية في نيجيريا حتى وإن تطلب ذلك القوة المسلحة، والدعوة إلى التطبيق الفوري للشريعة الإسلامية في جميع الولايات النيجيرية، وليس تطبيق الشريعة في الـولايات الاثنتي عشرة الشمالية، لتفتي الجماعة بعدم جواز العمل في الأجهزة الأمنية والحكومية التابعة للدولة.

وتغير مسار "بوكو حرام" التنظيمي بعد أن تولى محمد يوسف زعامتها في 2002، وكان القائد العام لها.

 وفي أعقاب وفاة يوسف في 2009، أصبح أبو بكر شيكاو زعيم الحركة وتجلّت زعامته في تغيير هيكلها التنظيمي، إذ اعتمد أسلوب القيادة والسيطرة الفضفاضة، التي تسمح للتابعين لجماعته بالعمل بشكل مستقل، فهي الآن تعمل فيما يشبه الخلايا والوحدات المترابطة التي تأخذ توجيهاتها عمومًا من قائد واحد، ليرأس مجلس الشورى، والذي سمح بالهجمات المتزايدة من قبل الخلايا المختلفة للجماعة.

مقتل أبو بكر شيكاوي.. هل يكتب نهاية بوكو حرام؟

تفرض عديد من التداعيات والسيناريوهات نفسها على التنظيمات المسلحة المتطرفة في غرب أفريقيا، بعد مقتل زعيم تنظيم "بوكو حرام" أبو بكر شيكاو مؤخراً، بما يغير المعادلة وموازين القوى بالنسبة لتلك التنظيمات ونشاطاتها بالقارة عموماً.

مقتل شيكاوي خلال مواجهة مع مسلحين من فرع التنظيم المتطرف (داعش) في غرب أفريقيا، يفتح الباب أمام سيناريوهات مختلفة تلف مصير "بوكو حرام" الذي يعيش واحدة من أضعف مراحله، بعد سنوات من المواجهة والاقتتال الداخلي مع فرع التنظيم.

ويعتقد محللون بأن مقتل أبو بكر محمد شيكاو، الشهير، يعطي فرصة أكبر لتنظيم داعش غرب أفريقيا في مواصلة تمدده استغلالاً للظروف التي تفرض نفسها بتلك المنطقة، على أن ينجح في استقطاب مناصري شيكاو ضمن تنظيم بوكو حرام وذلك بعد أن مرت العلاقة بين التنظيم بقيادة شيكاو وداعش بقيادة أبو مصعب البرناوي، بعدة مراحل، بدءًا من مرحلة الوفاق مع مبايعة شيكاو لداعش في 2015، ثم الخلافات الفاصلة بعد أقل من عام على المبايعة، والتي فتحت باب المواجهات بين الطرفين، والتي انتهت بمقتل شيكاو نفسه من خلال عبوة ناسفة، كما أعلن زعيم داعش في تسجيل مسرب الأحد.

دلالات رئيسية

يحدد الباحث في شؤون الحركات المتطرفة، منير أديب، تطورين رئيسيين متوقعين بعد مقتل زعيم بوكو حرام.

التطور الأول -في تقدير أديب- مرتبط بوضعية تنظيم داعش غرب أفريقيا، ويقول: "مقتل أبو بكر شيكاوي، يعني أن تنظيم داعش بدأ يتصدر المشهد في نيجيريا، ومن ثمّ قد يتصدره في أفريقيا بأكملها، بعد أن دخل في صراع مسلح مع تنظيم بوكو حرام، عمر هذا الصراع خمس سنوات منذ 2016 وحتى الآن، وقد انتهى بمقتل زعيم بوكو حرام، وهذا قد يعطي انطباعاً أن داعش سوف ينجح ربما في محاولاته إقامة دولة للتنظيم في أفريقيا بعدما سقط التنظيم في 22 مارس 2019 في الرقة والموصل".

 الدلالة أو التطور الثاني ضمن التداعيات المتوقعة لمقتل شيكاو، تتعلق بتنظيم بوكو حرام نفسه، إذ يشير أديب إلى أن "التنظيم أصبح ضعيفاً ومتهاوياً، ويمر بأضعف حالاته الآن"، موضحاً أن شيكاو تولى قيادة التنظيم في 2009 خلفاً  لقائده السابق محمد يوسف، وهو التنظيم الذي قتل قرابة الـ40 ألف نيجري خلال صراع مسلح مع القوات الحكومية، فضلاً عن نزوح قرابة المليون نيجيري.

ويشير إلى أن "التنظيم يمر بمراحل ضعف نتيجة أمرين؛ الأول مرتبط بمواجهات القوات النيجيرية له عبر ضربات جوية أضعفت التنظيم بشكل نسبي، فضلاً عن تدخل الكاميرون وتشاد في المواجهة.. وثانياً: مواجهة داعش نفسه لتنظيم بوكو حرام، والذي انتهى بمقتل شيكاو".

وفي تقدير الباحث في شؤون الحركات المتطرفة، فإن مقتل زعيم بوكوحرام يعني عملياً "انتهاء التنظيم، وظهور داعش في نيجيريا على وجه الخصوص بشكل أكبر، وفي أفريقيا على وجه العموم، وهو ما قد يؤدي لقيام دولة داعش كدولة بديلة بعد سقوط هذه الدولة في الرقة والموصل".

ويضيف "أعتقد بأن أبو مصعب البرناوي (مسؤول داعش غرب أفريقيا) سوف يقود العمل على قيام تلك الدولة، في ظل البيئة المواتية التي تشهدها أفريقيا لظروف أمنية واقتصادية، إن لم تكن هناك مواجهة حقيقية للتنظيم الذي بدأ يظهر بصورة كبيرة في نيجيريا على وجه الخصوص وأفريقيا عموماً".

وشيكاو أو الشكوي، شهدت فترة ولايته على التنظيم تصاعداً لافتاً لعمليات التفجيرات والاختطافات الواسعة، وعمليات اجتياح البلدات من أجل "تأسيس دولة إسلامية" كما يقول التنظيم.

 واشتهر بدمويته، حتى أن أحد التسجيلات المنسوبة إليه قال فيها إنه "يستمتع بالقتل كما يستمتع بذبح الدجاج".

وفي عهده اختطف التنظيم مئات الفتيات من إحدى مدارس ولاية بورنو في شمال شرقي نيجيريا في العام 2014. 

وسبق وأن أعلنته الولايات المتحدة الأميركية "إرهابياً عالمياً" ورصدت مكافأة سبعة ملايين دولار لمن يساعد على القبض عليه.

صراع مستمر

الخبير في شؤون الجماعات الإرهابية ماهر فرغلي، يقول من جانبه "إن زعيم تنظيم بوكو حرام  بايع في العام 2015 تنظيم داعش، بعد أن أجبره المقربون منه ومجلس شورى التنظيم، على مبايعة أبو بكر البغدادي حينها.. لكن بعد أقل من عام، بدأت الخلافات، بعد أن أقاله تنظيم داعش المركزي، وأعلن تعيين برناوي بديلاً له".

ويردف: "لم يقبل شيكاو هذا التعيين، ومن ثم انقسم التنظيم، وانتصر شيكاو على برناوي في البداية، لكن تنظيم داعش أعاد هيكلة نفسه وبدأ يحدث اقتتال داخلي واسع بين التنظيمين، فأصبح هناك تنظيم بوكو حرام المبايع لداعش، وتنظيم داعش غرب أفريقيا".

ويوضح أن "تنظيم داعش في غرب أفريقيا يتمدد، وأصبحت له سطوة كبيرة، وفي المقابل بوكو حرام كان يتقلص نفوذه على خلفية ما يتلقاه من هزائم متتالية في مناطق مختلفة (..) حتى مقتل شيكاو مؤخراً"، مبيناً أن "بوكو حرام في أضعف حالاته الآن، لا سيما أن شيكاو كان رجلاً مركزياً خطيراً وله سطوته (..) لكن تنظيم داعش في غرب أفريقيا لا يزال يحمل قدراته وقواته، وسيعمل على استقطاب عناصر بوكو حرام".

ويخلص الى التعبير عن اعتقاده بأن مقتل شيكاو يعني "انتهاء بوكو حرام، إنما سيعمل التنظيم على تعيين قائد بعده، بينما ذلك يتم بعيداً عن داعش الذي يظل يمتلك  أدواته وتمدده بسبب الظروف المتاحة في تلك المنطقة".