توفيق الأكسر أديب وباحث أنقذه الموت من تعب البلاد.. مات أعزبًا وبلا وطن

السياسية - Thursday 15 July 2021 الساعة 10:50 am
عدن، نيوزيمن، خاص:

يعد رحيل الشاعر والباحث توفيق القباطي قبل أيام قليلة بعد معاناة مع المرض وصعوبة العيش وعزوبية مفتوحة كمدينة صنعاء تمامًا أمرا جلل.

البلد يفقد توازنه، لقد مات أحد الفقراء ممن كانوا يكتبون عن بؤسنا وشرك العلاقة التي جمعت هذا الشعب بعصابة لا بنيان لها ولا مشروع سوى الموت.

توفي توفيق مثل أي عابر في هذه الحياة، جُبل على الابتسامة وحيدًا؛ لا قبيلة تشد من ازره لم يعد هناك قبائل اصلا، ولا عائلة تخلده كما يجب ولا أصدقاء يواسونه في ثورته الضائعة ودماثة أخلاقه العالية.

أسئلة بلا إجابات 

في العقد الأخير ومع تساقط الأعلام وانهيار بنى العقل والفكر تاهت الأسئلة لم يعد لها صدى ولا إجابات. من ينقذ هؤلاء من حكم المليشيا ومن رغبتها في حرمان أمة من الحياة كما يجب؟

كان توفيق يعمل ضمن مجموعة من المبدعين في مركز الدراسات والبحوث وهو خريج فلسفة كلية الآداب والعلوم الإنسانية جامعة صنعاء، هو شاعر جميل بشهادة قصائده باحث خذلته الحياة فحالفه حظ الموت ليرتاح من عزوبيته.

توفيق أحد الشعراء المجيدين والباحثين الذين حرموا من استحقاقات كثيرة، نتيجة للصراعات، والمآلات التي أعقبتها ولا تزال؛ أهمها انقطاع الراتب الشهري الذي كان بمثابة الشريان لآلاف بل ملايين الناس.

تعرض للاعتقال عام 2016 ولو لا تضامن البعض لظل معتقلا مثل غيره؛ خروج لكن ليذهب إلى النوم في اللوكندات وارصفة الشوارع ثم اتجه إلى المصحة النفسية متعبًا قبل أن يغادر صنعاء إلى الحديدة.

مات توفيق الأكسر ولم يحقق من أحلامه وطموحاته شيئا، كان العمر يجري يسابق تشظي البلاد وتوحش العصبويات وكان الأكسر ينتظر الخلاص وسط حشد من التائهين.

حنين ونسيان وعزوبية

كان توفيق يقرأ ما يدور في خلد البلاد وما يدور في خلد الحياة كان يقرأ في عيون المارة وارصفة الشوارع شيئا من الحنين والنسيان وكثيرا من الخذلان.

يقول في واحدة من أجمل قصائده:

عامٌ سعيدٌ يا رَنا

البحرُ يَذكرهم

ويَنساني أنا

يا للحنين، مخضبًا بالأشرعة

بنوارس العهد البعيد.. 

وزوارق الماضي التي

ظلت هنا.

كانوا معي يومًا

ويومًا هاجروا 

وتغربوا

كادت جيادُ البحر

تبعد بيننا.

هَمَسَت بِسِرٍّ لي رنا

والبحرُ يفضح سرنا

عام سعيد يا رنا

البحر يذكرهم

وينساني أنا.

ويقول أيضا "في وداع النجمة":

"سوف يُحزننا كثيراً 

أن تودعنا هذه النجمة؛

لن نرى مصباحها 

في البعد يخفق

لن يسامر طيفها 

العشاق

والمغنين الندامى 

والندى والريحْ

سيحيلنا للبرد والعتمة."

عرف عنه أدبه وهدوءه وابتسامته وعزة نفسه ومحبته لأصدقائه وزملائه، له نص حمل عنوان "أثقُ بشعبك النور" يقول فيه:

"أثقُ بآلهةٍ في الكواكب

التي تدور جريحةً لأجلك

بشموسٍ تحث العتمات،

في الأقبية والزنازن

بعشاقٍ موثقين بالصخور، 

بأنبياء في مدارج العثرات

والأزقة النائية...".

الرثاء لا يكفي

توفيق تذكره الأصدقاء عقب وفاته أشادوا به كثيرا لكنه لم يكن يعي ما يقولون كان قد رحل تاركا لهم أسئلة مفتوحة كمدينة صنعاء التي تعج بالغجر المعتقين والغزاة المؤدلجين، صنعاء التي أضحت بلا توفيق الذي مات اعزبا ومعدمًا ووحيدا.

المراثي لا تكفي يا توفيق

الدرب طويل...

والموتى في قلب الطابور

يرتبون البطاطين

وعلب السكاكر والايسكريم لتوزيعها على الطيبين أمثالنا

دعنا نشيع أنفاسنا...

قبل أن يحاصرها كهنوت الكهوف...

فلا تستطيع أن تحتضر!!