أسقطت صنعاء بالأمس وتخنق عدن اليوم.. الديزل والطاقة المشتراة جرائم لشرعية الإخوان
تقارير - Wednesday 15 September 2021 الساعة 07:45 amتعيش عدن والمحافظات الجنوبية المحررة خلال الأيام الماضية أزمة حادة في الكهرباء ضاعفت من معاناة المواطنين مع حرارة الصيف، وصل الأمر إلى حد تعليق الدراسة في محافظتي عدن وأبين لمدة أسبوعين.
ورغم أن هذه الأزمة ليست الأولى بل إنها تتكرر منذ 6 سنوات ومع كل فصل صيف يرتفع فيه الطلب على الكهرباء يفوق التوليد المتاح، مع غياب أي مشاريع استراتيجية لبناء محطات توليد كهرباء تغطي هذا الطلب، باستثناء مشروع يتيم متمثل في محطة "كهرباء الرئيس" في عدن بقوة 264 ميجاوات والتي ينتظر دخولها للخدمة منذ نحو عام.
إلا أن الجديد في الأزمة الحالية أنها تأتي في ظل وجود ما تسمى بـ"المنحة السعودية" لتقديم وقود لمحطات الكهرباء بسعر مخفض وليست مجاناً كما يتم تصويره، إلا أنه غالباً ما تنفد كميات كل دفعة منها قبل وصول الدفعة التالية، كما يحصل حالياً وتسبب في الأزمة الحالية.
ومع نفاد الوقود يتحول الأمر إلى معضلة بالنسبة للحكومة أو للسلطات المحلية في توفير كميات إسعافية، بالنظر إلى التكلفة الباهظة للوقود الذي تستهلكه محطات الكهرباء الحالية العاملة أغلبها بوقود الديزل والذي يعد أكبر أنواع الوقود تكلفة في إنتاج الكهرباء مقارنة بالغاز أو بالفحم الحجري، وهو ما يسلط الضوء على إحدى أكبر كوراث الشرعية وجماعة الإخوان المسيطرة على القرار داخلها.
فتكلفة وقود الديزل الذي تستهلكه هذه المحطات في المحافظات المحررة يصل إلى نحو 48 مليون دولار شهرياً باعتراف حكومة بن دغر أواخر 2017م، أي نحو 576 مليون دولار في العام، إلا أن الرقم تضاعف لاحقاً، بعد أن وصل سعر الطن عالمياً مؤخراً إلى 550 دولاراً.
وبالعودة إلى ما تسمى بالمنحة السعودية فإن المبلغ الذي يتم الترويج له 442 مليون دولار ما هو إلا الفارق بين السعر العالمي لقيمة الوقود الذي تحتاجه محطات الكهرباء في عام واحد والسعر المحلي الذي تبيعه السعودية داخلياً، أي أن فاتورة وقود الكهرباء في المحافظات المحررة بات يفوق الـ700 مليون دولار سنوياً.
ويمكن قياس ذلك بالتصريح الذي أدلى به مدير كهرباء عدن بأن الاحتياج اليومي لمحطات الكهرباء العاملة بالديزل 1500 طن، أي أن فاتورة الوقود لكهرباء عدن وحدها يصل إلى 300 مليون دولار، لإنتاج ما بين 200-230 ميجاوات فقط، ما يعني أن تكلفة إنتاج ميجاوات واحد بالديزل تصل إلى 5 آلاف دولار في اليوم الواحد، في حين أن التكلفة لا تتجاوز 300 دولار بالنسبة لوقود الغاز.
ولا تقف الكارثة عند هذا الحد، بل تضاف لها حقيقة أن أغلب التوليد الكهربائي يأتي من محطات "الطاقة المشتراة"، ما يعني إضافة تكلفة أخرى وهي مستحقات هذه الشركات بموجب العقود التي أبرمتها معها حكومة الشرعية أو السلطات المحلية ولم يتم الكشف عن تفاصيلها وحجم ما تأخذه هذه الشركات، وسط ترجيحات بأنها تصل إلى نحو 100 مليون دولار بالسنة.
أرقام مهولة تكشف حجم العبث الذي تقوم به الشرعية لخزينة الدولة وحجم الاستنزاف الذي تقوم به للعملة الصعبة لإنتاج كهرباء بأعلى تكلفة دون أن تغطي حاجة المحافظات المحررة.
وتتجلى المأساة بأن قيمة ما تدفعه الحكومة لشراء وقود الديزل والمازوت وما تدفعه لشركات الطاقة في عام واحد يكفي لإنشاء محطة كهرباء تعمل بالغاز وبقوة 500 ميجاوات، وبتكلفة وقود 150 ألف دولار في اليوم فقط.
هذه الجريمة التي كان مهندسها رئيس الوزراء السابق أحمد عبيد بن دغر الموالي لجماعة الإخوان ووزير الكهرباء السابق القيادي الإخواني عبدالله الأكوع، لم تكن سابقة بل تكاد تكون نسخة مكررة لما حصل قبل اندلاع الحرب، بصورة تجعلها أشبه بسياسة إخوانية بامتياز.
فعقود الطاقة المشتراة التي ظلت جماعة الإخوان تهاجم بها نظام الرئيس السابق علي صالح وبأنها تمثل نهباً للمال العام، شهدت ازدهاراً كبيراً في عهد حكومة الوفاق التي تشكلت في 2011م ورأسها محمد سالم باسندوة، وباتت وزارة الكهرباء من حصة الإخوان عبر الوزير صالح سميع (الذي يشغل حالياً في الشرعية منصب محافظ محافظة المحويت رغم كونها لا تزال تحت سيطرة مليشيات الحوثي).
سميع الذي وصفه الصحفي الراحل محمد العبسي بـ"الوزير الكارثة"، سارع إلى مضاعفة عقود الطاقة المشتراة التي كانت لا تتجاوز 200 ميجا في عهد صالح إلى 544 ميجاوات وبدون مناقصات ولشركات تابعة لقيادات إخوانية كأحمد العيسي ومحمد السعدي، وجميعها تعمل بوقود الديزل المكلف.
الصحفي الراحل العبسي تخصص بشكل تام حينها لفضح فساد سميع وكارثة العقود التي أبرمها سميع مع شركات إخوانية لتزويد المحافظات بالكهرباء عبر تحقيقات صحفية مركزة وصف فيها شراء الطاقة بأنه "أشبه بشراء كيلو حلوى بسعر كيلو ذهب".
وبحسب تحقيقات العبسي، التي نشرها حينها، فقد ساهمت عقود الطاقة المشتراة التي ابرمها سميع بمضاعفة فاتورة استيراد وقود الديزل والمازوت -المدعوم حينها- وتخطت مبلغ 6 مليارات دولار في عام 2013 الذي لم تزد فيه الإيرادات الكلية لبيع النفط الخام عن 3 مليارات دولار ونصف.
هذه الكارثة تضاعفت عام 2014م إلى الحال الذي حدث العجز عن توفير الوقود لمحطات الكهرباء، وعدم دفع وزارة المالية قيمة الوقود ومشتقاته المستورد من الخارج منذ بداية العام وارتفاع مديونية الكهرباء لشركة النفط التي بلغت نحو 92 مليار ريال (نحو نصف مليار دولار حينها)، مع وصول عجز الموازنة لأعلى مستوى له في تاريخ اليمن بنحو 940 مليار ريال (قرابة 5 مليارات دولار).
تداعيات دفعت بحكومة باسندوة إلى اتخاذ قرارها برفع الدعم عن المشتقات النفطية بشكل كامل في يوليو 2014، والذي مثل الذريعة المثالية لجماعة الحوثي لتطويق صنعاء باعتصامات مسلحة واقتحامها وإسقاط الدولة في 21 سبتمبر بذريعة "إسقاط الجرعة والحكومة".