أسروا الناس بأخلاقهم.. كيف أدخل اليمنيون الإسلام إلى جنوب شرق آسيا؟

تقارير - Tuesday 19 April 2022 الساعة 02:49 pm
نيوزيمن، كتب/ د. فاروق ثابت:

شرقوا وغَرَّبوا وخرجوا إلى كل أنحاء الأرض بحثاً عن الرزق فغيروا مجرى التاريخ ولم تعد الدنيا بعدهم كما كانت.

 من حضرموت التاريخ وجهوا وجوههم صوب كل بقاع الأرض، تاركين مآثر وأحداثا غيرت كل ما حولهم.

 مهاجرون وتجار فاتحون عظماء أسروا الناس بخلقهم وأخلاقهم، وسجلوا دروساً ناصعة تضيئ الطريق لمن بعدهم.

لم يحط اليمنيون الحضارم رحالهم عند حدود منطقة أو يقفوا عند وجهة ما في العالم ولكنهم طافوا الأرض وتجاوزوا دول ومناطق عدة في المعمورة، أوروبا شمالاً، إفريقيا غرباً، ثم دول جنوب شرق آسيا جنوباً.

وقت مبكر

أينما وجهت وجهك في ماليزيا أو أندونيسيا سيأسرك صوت الأذان وهو يرتفع من مآذن المساجد كلما دلف وقت الصلاة. 

في العاصمة "كوالالمبور" أو في "بوتراجايا" أو مدينة "سيردانج" ستسمع صخب الأذان يدوي بمقامات ساحرة وأصوات فاتنة تسكن له الأرجاء وهو يسلب الألباب ليأخذك معه في روحانية وشعور كما لم تحس به من قبل، ثم سيذهلك تهافت الماليزيين والماليزيات للصلاة بنظام ودقة متناهية، وهم يرتدون ثيابهم التقليدية خاصة إذا ما كانوا ذاهبين لصلاة الجمعة أو للعيدين، ومثلهم يفعل الأندنوسيون وكل المسلمين في دول شرق آسيا. 

التواشيح والمواليد من على مكبرات صوت المساجد أو في الأماكن العامة أثناء الاحتفال بالمناسبات الدينية ستأخذك إلى اليمن، ستتذكر تلك الكلمات وهي تنبعث من المنشدين أو فقهاء القرية وهم يرددونها في جمع من الناس لذكر الله، عزاء أو بمناسبة ما، غير أن الأداء الماليزي أكثر إبداعاً وتميزاً. 

الدف والإنشاد والتصوف هو ذاته، لكن الصوت الآسيوي يكون أكثر تأثيراً فيك روحاً وقلبا، يأسرك وقد تحولت إلى مجذوب متيم في حضرة الذكر والأذكار. 

لا يقتصر ذلك على مجالس الرجال في آسيا، بل يتجاوزه إلى مجالس النساء وهناك أصوات نسائية آسرة وهي تردد التواشيح والمواليد كالشابة الأندونيسية "صابيان" التي حققت شهرة عالمية في بعض أناشيدها وتواشيحها الدعوية وحصدت نحو نصف مليار مشاهدة لبعض تواشيحها المسجلة على "يوتيوب".

البداية

تقول الدراسات التاريخية المختصة في هجرات العرب اليمنيين الحضارم من جنوب الجزيرة العربية إلى دول شرق آسيا، إن الهجرات اليمنية بدأت منذ وقت مبكر في التاريخ الإسلامي يرجعها الكثير من المؤرخين إلى القرن الأول الهجري، غير أنها بدأت تتوسع بكثرة منذ القرن الخامس عشر الميلادي أي قبل 500 سنة من الآن تقريبا ودُوِّن عن أول الأفواج قدومه إلى ساحل ملاكا حالياً والمعروف في الخرائط التاريخية ب"ساحل ملقا" الماليزي ثم سنغافورة.

فيما يؤرخ آخرون عن وصول أكبر الأفواج العربية إلى ساحل ولاية "ملاقا" -جنوب ماليزيا- في العام 676 هجرية الموافق 1270 ميلادية، ومنها بدأ أنتشار الإسلام في كل أنحاء ماليزيا بشكل رسمي بعدما أسلم ملك جزيرة "ملاقا" على يَدِ تجار مسلمين عرب وحضارم، وأطلق على نفسه بعد إسلامه حينها اسم "محمد شاه"، وتبعه شعبه في "ملاقا" في اعتناق الإسلام، وبذا قامت أوَّل دولة إسلامية تعمل على نشر الإسلام فيمن جاورها من الجُزُر، وفي غضون نصف قرن أصبحت "ملاقا" مركزًا يَشُعُّ الإسلام على المناطق المجاورة، فأسلمت جزيرة "باهانغ" الماليزية شرق البلاد، ثم جنوبي الملايو.

عهد السلطان

ويشير آخرون أن عددا من التجار العرب والحضارم وصلوا أرخبيل الملايو والهند الصينية والصين منذ القرن السابع الميلادي وقاموا بالدعوة إلى الإسلام وأن الإسلام وصل إلى سواحل سومطرة على يد العرب والحضارم إلى ماليزيا في القرن الثاني عشر الميلادي، ويعتقدون أن الإسلام دخل شبه جزيرة الملايو في عهد سلطان قدح مظفر شاه الأول الذي (حكم بين عامي 1136 و1179م)، وقد توالى اعتناق سكان الموانئ التجارية الساحلية في كل من ماليزيا وإندونيسيا للإسلام بطريقة سلمية، حتى أصبح الإسلام بحلول القرنين الخامس عشر والسادس عشر الميلاديين هو الدين الغالب على شعب الملايو.

آثار واكتشافات

ورغم أن الكثير من الكُتَّاب والمؤرخين ما يزالون مختلفين حول البدايات الأولى لوجود المواطن العربي في ماليزيا وشرق آسيا، هل كان من التجار العرب من سلطنة عمان وجده أو كان من التجار العرب الحضارم، إلا أن العديد من الكتب التاريخية تشير إلى أنّ البداية كانت من حضرموت اليمنية، والذين قدموا كتجار أو دعاة، وأكد ذلك العديد من الآثار التاريخية الإسلامية المكتشفة، كقبر مكتوب عليه (الشيخ عبد القادر بن الحسين عام 291هـ /903م) وكان في ولاية قدح -شمال غرب ماليزيا، إضافةً إلى اكتشاف دينار ذهبي في ولاية "كلنتان" -شمال شرق ماليزيا أيضاً في العام 577هـ/1181م، حيث كان مصكوكا على أحد وجهيه اسم "المتوكل"، وحجر آخر في ولاية "ترنجيانو" -شرق ماليزيا- مكتوب عليه مجموعة من القواعد الإسلامية المتعلقة بأحكام الدين والمعاملات الإسلامية وغيرها وكان ذلك في العام 702هـ.

10 ملايين من أصل حضرمي في أندونيسيا

حتى تعداد العام 2014 في أندونيسيا وصل عدد السكان إلى نحو 255 مليون نسمة، يصل عدد الحضارم اليمنيين إلى 10 ملايين نسمة وفقا لإحصاءات مختصين حتى العام 2014، فيما وصل عدد سكان ماليزيا حتى العام ذاته 2014 حوالي 30 مليون نسمة بينهم مئات الآلاف من العرب من أصل يمني حضرمي.

العائلات الحضرمية في ماليزيا وأندونوسيا معظمها تنحدر إلى ما يسمى ب"الأسر العلوية" وألقابها مشهورة وأبناؤها يتبوأون اليوم مناصب عدة في ماليزيا وأندونوسيا من ضمنهم: "السقـاف وآل العطاس وآل الكاف وآل الحبشي وآل المحضار وآل الحداد وآل الجفري وآل شهاب وآل البار وعائلة باحلوان وباكثير والكثيري وباسويدان وباسلامة وباعفيف وسوتكار وآل الهاجري وآل مكارم وآل العيدروس وعائلة بارضوان وباجري وآل المهدي وآل الحامد وآل طالب وآل هرهرة وآل بهلوان وعائلة شاوي وآل منور وآل المساوى وآل بوسطمان وعائلة باحنان وآل محفوظ وآل بكري وعائلة باوافي وآل المشعبي وسلسبيله وآل الغساني وبادليلة وآل الحكيم بالوعيل وآل شيهان وآل شملان".

نصف مليار مسلم 

يبقى القول إن مجيء اليمنيين الحضارم إلى شرق آسيا والهند أرخ له التاريخ لدى قدومهم كتجار، إذ أسروا الناس بأخلاقهم ودخلوا في دين له أفواجا بالحكمة والموعظة الحسنة، وشهد الحضارم علاقات نسب تاريخية مع الآسيويين وكانوا السبب في دخول نحو نصف مليار مسلم من سكان شرق آسيا والهند أو ما يسمى ببلدان الشتات الحضرمي ومنطقة القرن الإفريقي، لذا فإن الظاهرة والعقلية الحضرمية تظل دائما جديرة بالدراسة والتمحيص والبحث والتبحر في تاريخ الهجرات الحضرمية.     

 المصادر والمراجع: 

1- أسباب هجرة الحضارم –بن حمدين– يوليو 2012.

2- دراسات من تاريخ حضرموت الحديث والمعاصر –الدكتور صالح باصرة– دار جامعة عدن 2001.

3- قصة انتشار الإسلام في ماليزيا وبروناي –موقع قصة الإسلام أبريل 2010.

4- كيف وصل الإسلام إلى ماليزيا –موقع موضوع– مقال للكاتبة دانا الوهدان نوفمبر 2015.  

5- الوجود العربي في أندونوسيا –موقع خبر– أغسطس 2015.   

6- الإسلام في ماليزيا –ويكيبيديا– 2010. 

7- الحضارم -ويكيبيدا– 2016.  

8- تأثير الحضارم الأكثر وضوحا في المحيط الهندي –المكلا اليوم- زياد عبدالحبيب -نوفمبر 2013. 

9- الشتات الحضرمي (هجرة الحضارم بين 1750- 1960م) -الريكي فرايتاك وليم كلارنس سميث– فبراير 2014.