قريتهم حرمت من حق التعليم لعقود.. مدرسة من الطين تكافح لإعادة المستقبل في أبين

الجنوب - Tuesday 18 October 2022 الساعة 08:53 am
أبين، نيوزيمن، عبدالله البحري:

"التعليم عماد وأساس المستقبل"، شعار كان دافعا لأهالي إحدى القرى النائية المحرومة في مديرية خنفر، بمحافظة أبين، جنوب اليمن للنهوض والقيام ببناء مدرسة من الطين لأجل تعليم أبنائهم المحرومين من حق التعليم على مدى عقود.

عزم كبير كان لدى أبناء قرية حصن امطيري، إحدى قرى ريف خنفر، لإنهاء معاناة أبنائهم الذين يقطعون مسافات بعيدة وطويلة للوصول إلى أقرب مدرسة، معاناة ظلت لسنوات طويلة بسبب عدم وجود منشأة تعليمية تغطي قريتهم والقرى المجاورة.

نحو ساعة وربع مشياً على الأقدام هي الرحلة الشاقة ذهاباً ومثلها للعودة يقطعها أبناء القرية للوصول إلى مجمع عثمان بن عفان لأجل الالتحاق بالصفوف الدراسية، مسافة ليست بالسهلة حرمت كثيرا من الطلاب خصوصا الفتيات من استكمال تعليمهم لصفوف متقدمة والاكتفاء بالصفوف الأولى التي تعلمهم القراءة والكتابة.

بداية الحلم

البداية بدأت عندما تبرع أولاد الفقيد التربوي البارز الأستاذ سالم عوض حيدرة، بقطعة أرض يملكونها في القرية لأجل بناء مدرسة للتعليم الأساسي، حملت لاحقا اسم الفقيد تقديرا لجهوده، لتنطلق بعدها مسيرة الكفاح لتشييد المدرسة بتكاتف أهالي القرية وبعض رجال الخير لأجل بناء المدرسة وتحقيق الحلم الذي انتظره الكثيرون بفارغ الصبر، بالرغم أن المدرسة من الطين وبنيت بشكل غير مدروس كباقي المدارس الحكومية والأهلية إلا أنها مثلت لطلاب القرية منشأة تعليمية عملاقة.

المدرسة اليوم تتكون من تسعة فصول وملحق صحي، ويديرها 12 معلماً متطوعاً من أبناء القرية الذين عادوا لخدمة قريتهم بعد معاناة 12 عاما قضوها في الذهاب والإياب إلى خارج القرية للحصول على التعليم في القرى المجاورة وكلية التربية في أبين.

وبالرغم من عدم استكمال بناء وتشييد المدرسة وعدم وجود التجهيزات الأساسية، وعدم وجود أبواب ونوافذ إلا أن إصرار المعلمين وأهالي القرية كان كبيرا، حيث تم تدشين العام الدراسي فيها لإنهاء معاناة الطلاب وإيقاف مزيد من حالات تسرب الطلاب والطالبات من التعليم بسبب بعد المسافة إلى المدرسة القريبة من قريتهم.

أشعة الشمس تدخل إلى الصفوف الدراسية، والرياح والأمطار، إلا أن الطلاب ومعلميهم صامدون في وجه هذه التغيرات، لتثبيت هذه المدرسة لتكون إحدى المدارس المعتمدة لاحقاً في مكتب إدارة التربية والتعليم بمديرية خنفر.

فرحة لا توصف

أحد أبناء القرية الذي ألحق أطفاله بالمدرسة، عبر عن فرحته الكبيرة وهو يشاهد حلم السنين بوجود مدرسة في قريته "حصن أميطري" تحقق اليوم، ويضيف عبدالجبار أحمد حميد "لنيوزيمن": المدرسة تعد إنجازا كبيرا لأهالي القرية في ظل هذه الظروف الصعبة فهي تخدم أبناء قريتنا وقرى مجاورة بينها قرية ساكن عوض وساكن نجز وساكن حميد وساكن سعدين وقرى مجاوره متناثرة.

وقال: بعد تبرع أبناء وذوي الفقيد الأستاذ سالم عوض حيدرة بالأرض لبناء مدرسة، قام الأهالي ببنائها بشكل طوعي من الطين وبعدد بسيط من الصفوف، متمنيا إعادة بناء المدرسة بشكل جيد لأن الامطار تسببت في تشقق جدران المدرسة المبنية من الطين وكذا لا توجد أبواب ونوافذ للمدرسة وتجهيزات كثيرة.

ضم المدرسة رسمياً

تم إلحاق المدرسة التي تضم الصفوف الدراسية الأولى حتى الخامس بإدارة مجمع الفاروق التعليمي في القرية المجاورة، كخطوة أولى،  وفقاً لتوجيهات إدارة التربية والتعليم في مديرية خنفر.

يقول الأستاذ صالح محمد جابر مدير مجمع عثمان بن عفان للتعليم الأساسي والثانوي "لنيوزيمن": إن حلم بناء مدرسة في قرية حصن أمطيري، مثّل حلما ظل يراود الأهالي لسنوات طويلة، واليوم نحن نشاهد هذا الحلم حقيقة.

ويضيف: وحسب توجيهات مدير مكتب التربية والتعليم بمحافظة أبين الدكتور وضاح المحوري والأستاذ محمود سبعة مدير مكتب التربية والتعليم بمديرية خنفر أن تظل هذه المدرسة تتبع مجمع عثمان بن عفان حتي يتم اعتمادها كمدرسة رسمية، وكذا ترفع كشوفات طلاب المدرسة إلى المجمع لأنهم كانوا يدرسون قبل إنشاء هذه المدرسة في مجمع عثمان بن عفان. 

ألف ميل.. بخطوة

الأستاذ المتطوع عبدالله سالم عوض، هو نجل الفقيد سالم عوض حيدرة يقول في حديثه "لنيوزيمن": عانيت أنا وباقي زملائي المدرسون المتطوعون في المدرسة من مشقة الحصول على العلم والمعرفة، كنا نقطع مسافة 2 كيلو مشياً على الأقدام للوصول لمجمع عثمان بن عفان في قرية بعيدة، كونها المنشأة التعليمية الأقرب لنا.

وأضاف: استكملنا دراستنا بصعوبة على مدى 12 عاما، وبعد تخرجنا من الكلية أصررت أنا و12 معلما من أبناء القرية على افتتاح مدرسة بسيطة لأجل التخفيف من معاناة الطلاب في الصفوف الأولى، وبدأنا حاليا بتعليم الطلاب والطالبات من صف أول ابتدائي وحتى الخامس كمرحلة أولى بالتنسيق مع مجمع الفاروق وإدارته التي رحبت بفكرة إنشاء المدرسة للتخفيف من معاناة الأطفال اليومية.

وقال: رغم أن المدرسة تحتاج إلى الكثير من الأعمال الإنشائية إلا أنها ساهمت وخففت الكثير من المعاناة على أبناء قريتي وقرى مجاورة لنا، ونحن نتمنى أن تكون المدرسة ليست ملحقاً لمجمع الفاروق وإنما مدرسة معتمدة تخدم القرية والقرى المجاورة ومعتمدة رسمياً في مكتب التربية والتعليم بمديرية خنفر، وتوسعتها إلى استيعاب الطلاب حتى الصف التاسع.

تعليم الفتاة أكبر فائدة 

وبالعودة إلى الأستاذ صالح محمد جابر مدير مجمع عثمان بن عفان للتعليم الأساسي والثانوي أكد أن من فوائد إقامة هذه المدرسة هي عدم تسرب الطلاب خاصة الفتيات بحسب قرب المدرسة من القرية والمناطق المجاورة وكذا تشجيع أولياء الأمور على مواصلة وتدريس أبنائهم خاصة الفتيات، الذين يتم إخراجهم من المدارس للعمل في الأراضي الزراعية.

وأضاف مدير مجمع الفاروق المسؤول عن المدرسة: عند إقامة هذه المدرسة شجع كثير من أولياء الأمور على التحاق أبنائهم بالمدرسة، حيث تجاوز عدد الطلاب والطالبات الدارسين 30 طالبا وطالبة مقارنة بالعام السابق الذي كان عدد الطلاب فيه 15 طالبا وطالبة، وهذا يؤكد أن أولياء الأمور شجعوا أبناءهم وبناتهم على الدراسة لقرب المدرسة من قريتهم.

مناشدة عاجلة

وناشد مدير مجمع عثمان بن عفان في ختام حديثه "لنيوزيمن" الهيئات التعليمية ووزارة التربية وكافة المنظمات استكمال بناء وتجهيز المدرسة ورفدها بالأساسيات لمساعدة الطلاب للحصول على بيئة تعليمية سليمة، وكذا اعتماد مرتبات شهرية لهؤلاء المتطوعين لأنهم هم من يقوم على هذه المدرسة وكونهم من أبناء القرية وهم من حملة الشهادات الجامعية.

ويأمل القائمون على المدرسة أن يأتي العام القادم والمدرسة تستوعب حتى الصف التاسع بدلاً عن الصفوف الأولى.