"أشباه الموصلات".. محور التنافس والصراع العالمي الجديد

العالم - Monday 16 January 2023 الساعة 07:01 pm
نيوزيمن، الحرة:

تحولت صناعة أشباه الموصلات إلى ساحة جديدة للتنافس الاقتصادي بين الدول، ومحدد مؤثر في الحسابات الجيوسياسية والعسكرية بالمشهد السياسي العالمي.

وبعدما أشعل التنافس على النفط صراعات وحروبا على مدار العقود الماضية، أصبحت هذه الرقائق الإلكترونية الصغيرة التي تُشغّل حياتنا اليومية، الواجهة الجديدة للتنافس الدولي، خاصة بين أكبر اقتصادين في العالم: الولايات المتحدة الأميركية والصين.

وتعتبر أميركا تصنيع هذه المكونات الإلكترونية بمثابة مسألة "أمن قومي" في مواجهة الطموحات الصينية، حسبما أكده الرئيس الأميركي، جو بايدن، خلال افتتاحه موقع مصنع لأشباه الموصلات في ولاية أوهايو، شهر سبتمبر الماضي.

وتنفق الحكومة الأميركية وشركات أشباه الموصلات عشرات المليارات من الدولارات لبناء التصنيع المحلي وحماية المعروض من الرقائق الإلكترونية، حسبما ذكرت صحيفة "وول ستريت جورنال".

وفي شهر أكتوبر الماضي، أعلنت إدارة بايدن، عن فرض ضوابط جديدة واسعة النطاق على الصادرات، في إجراء يهدف إلى شل قدرة الصين على إنتاج هذه الرقائق المتطورة.

 وينتظر أن تطبق اليابان وهولندا التي تلعب دورا مهما في سلسلة التوريد العالمية، تدابير لتقييد بيع معدات تصنيع هذه الرقائق لبكين، بحسب تقارير إعلامية.

وقدمت وزارة التجارة الصينية، الشهر الماضي، شكوى لمنظمة التجارة العالمية بشأن قيود الصادرات الأميركية، معتبرة أنها  "تهدد استقرار سلسلة التوريد العالمية".

 فما هي أشباه الموصلات ولماذا تثير كل هذه الضجة؟

أشباه الموصلات هي مواد تربط ما يوصل الكهرباء، مثل المعادن، وما لا يوصل الكهرباء، مثلا السيراميك.

 وقد تكون هذه المواد عناصر يمكن استخلاصها من الطبيعة، مثل السليكون، أو مصنعة معمليا مثل سيلينيد الكادميوم.

تنبع أهمية هذه المواد في أنها تدخل في صناعة الشرائح الإلكترونية، وتستعمل اليوم في صناعة أغلب الأجهزة الحديثة، من الهواتف والسيارات وصولا إلى الطائرات والصواريخ والأقمار الصناعية.

وأتاحت هذه الرقائق للصناعات التكنولوجية قدرات فائقة، غيّرت طريقة حياة الإنسانية على مدار سنين، ويتنبأ لها، بأن تغير مستقبلها كذلك.

وتشير دراسات إلى أن من سيتحكم في صناعة هذه الرقائق وإنتاجها سوف يحدد مسار القرن الحادي والعشرين.

 ومن هذا المنطلق تظهر أهميتها الكبرى والتنافس الكبير عليها بين دول العالم.

ويعرف سوق صناعة أشباه الموصلات نموا متواصلا، خلال السنوات الماضية، ووفقا لبيانات "إحصاءات تجارة أشباه الموصلات العالمية"، يرتقب أن تصل مبيعات أشباه الموصلات إلى 662 مليار دولار في العام الجاري.

ومنذ مطلع عام 2020 بدأت بوادر أزمة عالمية في صناعة الشرائح بالبروز بسبب مشاكل مرتبطة بنقص التوريدات مشعلة صراعا حاميا بين أقطاب المشهد الدولي.

كيف بدأ الصراع؟

عكس ما قد يذهب إليه الكثيرون، بربط مشكل التوريد مع أزمة كورونا، فإن بداياته تعود أساسا إلى ما قبل الجائحة، وتحديدا إلى عام 2019.

 فبعدما فرضت الولايات المتحدة عقوبات على شركة "هواوي" الصينية، توجهت شركات صينية إلى تخزين الرقائق خشية مواجهة تحديات مماثلة، مما تسبب في نقصها بشكل كبير.

وفاقمت جائحة كورونا هذا النقص، بسبب الاضطرابات التي هزت سلاسل توريد التكنولوجيا بالعالم، واضطرار العديد من المصانع إلى الإغلاق ضمن إجراءات مواجهة عدوى الفيروس، وذلك في مقابل ارتفاع الطلب على الأجهزة الإلكترونية خلال فترة الحجر الصحي.

وتزامن نقص توريد الرقائق، كذلك مع ذروة الصراع التجاري بين الولايات المتحدة والصين التي انتقلت إلى المجال الإلكتروني، مع اعتماد كبريات الشركات الأميركية على الصناعة الصينية في المجال ومساعي الفاعلين الأميركيين إلى تقليص اعتمادهم.

وأسهم تطور تقنية الجيل الخامس 5G والمجالات المرتبطة بها، في رفع الطلب على الشرائح الإلكترونية أيضا، بالإضافة إلى استعمالاتها في عمليات تعدين العملات الرقمية التي بدأ الإقبال عليها في التزايد خلال الآونة الأخيرة.

وكان للمتغيّرات الجديدة في مجال صناعة الرقائق تأثيرات سياسية متعددة الأبعاد، حيث أجّجت التنافس الصيني الأميركي على هذه التكنولوجيا، مع محاولة بكين تقليص اعتمادها الخارجي لهذه الصناعة التي تستحوذ فيها الشركات الأميركية على حوالي نصف المبيعات وعلى مجالات البحث والتصميم.

من جهتها، تسعى الولايات المتحدة إلى جانب دول أوروبية مواجهة ما تصفه بـ"الاستبدادية التقنية" لبكين وذلك بالرفع من استثماراتها في مجالات الابتكار التكنولوجي.

من يصنع أشباه الموصلات والرقائق؟

تتركز صناعة الرقائق الإلكترونية في ثلاث مناطق رئيسية بآسيا: هي الصين وتايوان وكوريا الجنوبية، مما يثير قلق القادة العسكريين والسياسيين الأميركيين من أنه إذا حققت بكين هيمنة في مجال أشباه الموصلات، بمفردها أو عن طريق غزو تايوان، فإن ذلك سيهدد الاقتصاد الأميركي والأمن القومي.

ومنذ عام 2016 تقريبا، بدأ المسؤولون الأميركيون في محاولة إيقاف الجهود الصينية لشراء شركات وتكنولوجيا الخطوط الأمامية للرقائق، بعد أن تآكلت حصة الولايات المتحدة في تصنيع الرقائق العالمية من 37 بالمئة عام 1990 إلى 12 بالمئة في 2020. 

في المقابل، ارتفعت حصة الصين من حوالى صفر إلى 15 بالمئة، وفقا لمجموعة بوسطن الاستشارية ورابطة صناعة الأمن (إس آي أيه). 

فيما تستحوذ كل من: تايوان وكوريا الجنوبية على ما يزيد قليلا عن 20 بالمئة من حجم تصنيع الرقائق الإلكترونية العالمية.