"الهوية الإيمانية".. غطاء الحوثي الكاذب لـ"خومنة" اليمن

تقارير - Thursday 23 February 2023 الساعة 06:36 am
صنعاء، نيوزيمن، تقرير خاص:

تعمل مليشيا الحوثي، الذراع الإيرانية في اليمن، على فرض مشروعها وأفكارها الطائفية على المجتمع اليمني، في مناطق نفوذها، شمالي البلاد، تحت يافطات عدة من بينها (الهوية الإيمانية).

وهذا المصطلح المخادع، أطلقه زعيم المليشيا عبدالملك الحوثي وأصبح يمثل مظلة تستخدمها جماعته التي تسيطر على مؤسسات الدولة في صنعاء لتمرير الأفكار المذهبية التي استوردتها من النظام الإيراني.

وتعمد قيادات الحوثي إلى استخدام هذا المصطلح في ترسيخ مشروعها المذهبي والعنصري ونظرياتها السياسية في الحكم والاقتصاد والثقافة وغيرها واستثمار كل إمكانيات ومقومات الدولة في ذلك.

أحادية مذهبية وعنصرية سلالية 

تعرف مليشيات الحوثي جيدا أن موضوع التعايش المذهبي بين اليمنيين والممتد لعشرات القرون يمثل أحد أبرز التحديات التي تقف بوجه تمريرها لمشروعها، لذلك عمدت إلى استخدام مصطلح الهوية الإيمانية كمبرر لتمرير أحاديتها المذهبية القائمة على اعتناق ومحاولة تطبيق مذهب أحادي تعتبره هو الأصح وبما يسمح لها برفض وإلغاء بقية المذاهب الدينية الأخرى.

ويتبع اليمنيون مذهبين هما: الشافعي والزيدي، ورغم أن الحركة الحوثية تدعي أنها تتبع المذهب الزيدي وزعمت كثيرا أن هذا المذهب تعرض لمضايقات وانتهاكات من قبل الدولة حتى إنها ادعت أن تمردها الذي قادته ضد الدولة في جزء منه كان سببه مضايقة المذهب الزيدي، إلا أنه ومنذ انقلابها على السلطة وسيطرتها على مؤسسات الدولة أظهرت وجهها الحقيقي وتبعيتها وولاءها وإيمانها بالمذهب الجعفري الاثني عشري الذي تدين به إيران ونظامها بل وتعتبره المذهب الأبدي للدولة كما ينص على ذلك دستور إيران في مادته الثانية عشرة (الدين الرسمي لإيران هو الإسلام، والمذهب هو المذهب الجعفري الاثنى عشري، وهذه المادة تبقى إلى الأبد غير قابلة للتغيير).

ويبرز سعي المليشيات لترسيخ مذهبها من خلال الكثير من المظاهر التي تشمل التعديلات التي أدخلتها على مناهج التعليم، وإقامتها دورات ثقافية لكل موظفي الدولة بشكل إلزامي تتضمن فرض أداء الصلاة وفقا لهذا المذهب، مرورا بالترويج لمفاهيم المذهب المتصلة بالجانب الخاص بموضوع الحكم كمفاهيم الحق الإلهي، ونظرية الولاية، وموضوع التبعية للولي الفقيه، وصولا إلى تطبيق نموذج الحكم الإيراني القائم على أن المرشد الأعلى الذي يطلق عليه ايضا لقب قائد الثورة هو المرجعية الدينية والسياسية وصاحب الرأي المطلق والقرار الأوحد الذي يجب أن تتبعه وتنفذه كل مؤسسات وسلطات الدولة، وهو ذات الأمر الذي ينفذ في سلطة المليشيات، حيث يعتبر زعيمها هو المرجعية وصاحب القرار الأول في هذه السلطة وعلى كل مؤسسات الدولة تنفيذ توجيهاته وقراراته رغم عدم امتلاكه أي صفة رسمية أو دستورية في هيكل السلطة.

ومن منع إقامة صلاة التراويح في المساجد خلال رمضان، إلى منع التأمين بعد انتهاء الإمام من قراءة الفاتحة، ومنع الضم في الصلاة لمن يحضرون دورات الحوثي الثقافية وبالذات لمن ينتمون للمذهب الشافعي، وصولا إلى تمرير الكثير من الأحكام التي يتضمنها مذهبهم الجعفري الاثني عشري في المجالات الخاصة بالأحكام والقضاء واضافتها إلى التعديلات والتغييرات التي يدخلونها على القوانين الخاصة بسلطات الدولة وبالذات في مجال السلطة القضائية.

فرض الفكر الداعشي 

من جانب آخر فإن الحوثي والقائمين على السلطة في مناطق سيطرته حولوا من دعاوى الهوية الإيمانية إلى مبرر لممارسة أساليب الفكر الداعشي المتطرف الذي تؤمن به وتنتجه وتنفذه المليشيات بحق المجتمع من خلال سياساتها التي باتت تصادر كل حريات وحقوق الناس بدءاً من عملية منع الاختلاط على مستوى مؤسسات التعليم ومؤسسات العمل، مرورا بفرض شروط وضوابط خاصة بملابس النساء وحتى الشباب وملاحقة المخالفين لها، ومنع اية مظاهر احتفالية في المدارس والجامعات والمعاهد التعليمية إلا وفقا لشروط وضعتها المليشيات، وصولا إلى تسخير كل امكانيات ومقدرات ومؤسسات الدولة للترويج لأفكارها المذهبية والعنصرية والسياسية عبر الدورات الإلزامية للموظفين، والبرامج الأسبوعية الملزمة لكل موظف حضورها لسماع محاضرات لزعيم المليشيات كل أربعاء، وانتهاء بممارسة منع أي مظاهر لاصحاب المذاهب والمعتقدات الأخرى.

وبالإضافة إلى إصدار فتاوى التحريم نفذت المليشيات حملات اعتقالات للعاملين في مجالات الفن والموسيقى والدراما بحجج ومبررات واهية منها انها تخالف الهوية الإيمانية كما يزعمون، ناهيك عن قيامها بإغلاق الكافيهات والمقاهي التي كانت تمثل متنفسا وملتقيات للناس.

ومن ضمن سياسات الفكر الداعشي التي تنفذها المليشيات الحوثية باستخدام مصطلح الهوية الإيمانية تشهد مناطق سيطرتها حملات إعلامية وسياسة ممنهجة ضد المنظمات المدنية المحلية والأجنبية والعاملين فيها وخصوصا من النساء، وإصدار فتاوى تحرم وتجرم الكثير من المناشط والفعاليات الخاصة بالتوعية والتثقيف في مجالات عدة، وانتهاء باعتبارها كل ما له علاقة بالديمقراطية والانتخابات وحرية الرأي والتعبير باي شكل من الاشكال وعبر أي وسيلة من الوسائل وخصوصا مواقع التواصل الاجتماعي نوعا من الحرب الناعمة والغزو الثقافي الذي يجب مواجهته وصده بما تسميه الهوية الإيمانية.

إلغاء للهوية الوطنية واستبدال للتعددية السياسية

وفي جانب آخر لا يقل خطورة فإن مليشيات الحوثي باتت تستخدم مصطلح الهوية الإيمانية ومزاعمها حوله لترسيخ نهج ثقافي وفكري وسياسي مناقض ومغاير للهوية الوطنية اليمنية القائمة على الارتباط باليمن التاريخ والحضارة، والانتماء للقومية العربية، والترابط مع الإنسانية في العالم أجمع، وهو الأمر الذي لخصته الفقرة الأخيرة من النشيد الوطني للجمهورية اليمنية:

عشت إيماني وحبي امميا 

ومسيري فوق دربي عربيا 

وسيبقى نبض قلبي يمنيا 

وتتعدد مظاهر سعي المليشيات الحوثية لإحلال ما تسميها الهوية الإيمانية كبديل للهوية الوطنية اليمنية والانتماء القومي العروبي من خلال تبعيتها الكاملة للنظام الإيراني وتنفيذ كل توجهاته واجندته المعادية للعرب، واستهدافه للأمن القومي العربي سواء من خلال استهدافها للأشقاء العرب في السعودية والإمارات أو من خلال تنفيذها لتهديدات إيران في المياه الإقليمية في البحر الأحمر ومضيق باب المندب ضد المصالح العربية، ثم اعلانها صراحة انها تتبع ما يسمى محور المقاومة الذي تقوده إيران ونظامها.

وبالإضافة إلى ذلك فإن النظام السياسي في اليمن هو نظام قائم على التعددية السياسية والنهج الديمقراطي وحق الناس في تشكيل الأحزاب وممارسة الأنشطة السياسية بمختلف أشكالها، إلا أن مليشيات الحوثي تسعى إلى استبدال هذا النظام بنظام سياسي قائم على مزاعم الهوية الإيمانية التي تلغي أي تعدد فكري أو سياسي أو وجود للأحزاب السياسية وتصهرها في إطار تبعية مطلقة لهذه الهوية المزعومة بما يعنيه ذلك من التزام بالتوجهات والأفكار والثقافة والمبادئ والمفاهيم التي تتضمنها ما تسمى بالهوية الإيمانية التي تجعل من زعيم المليشيات هو صاحب الحق الإلهي في السلطة بناءً على انتمائه السلالي المزعوم.

ويمكن القول إن مزاعم الهوية الإيمانية التي تتحدث بها المليشيات الحوثية ليست سوى وسيلة لتمرير مشروعها العنصري والمذهبي وفكرها السياسي التابع لإيران وما يجسده ذلك من تنفيذ لأجندتها وأهدافها في اليمن ضمن مشروع يستهدف الأمن القومي العربي برمته.