الحركة الحوثية.. خطر يهدد بقاء الزيدية في اليمن
تقارير - Saturday 19 August 2023 الساعة 08:15 amبعد أن مثلت الزيدية الامتداد الأكبر في جغرافيا شمال الشمال، والمرجع الأول للسلطة السياسية في إطار حكم الأئمة، والحضور السياسي الأبرز منذ ما بعد ثورة الـ26 من سبتمبر المجيد، يمثل اليوم نفوذ الحركة الحوثية أحد أبرز تحديات البقاء السياسي للزيدية في اليمن.
ومنذ انقلاب ذراع إيران، على الدولة اليمنية في الـ21 من سبتمبر/ أيلول 2014م، انعكس تنامي نفوذ الحركة الحوثية سلبًا على مستقبل الزيدية التي وجدت نفسها أمام تحديات وجودية، بعد أن استغلتها جماعة الحوثي للوصول إلى السلطة، لتصبح اليوم في مواجهة مباشرة مع أيديولوجية عقدية تعتبرها خطرًا على مشروعها السياسي.
وفي الوقت الذي تسعى فيه الحركة الحوثية لابتلاع الوجود السياسي للزيدية، يرى مراقبون أن الأخيرة خسرت الكثير من امتيازاتها السياسية منذ سيطرة جماعة الحوثي على جغرافيا شمال اليمن، فيما يعتقدون أنها تواجه اليوم أحد أخطر تحديات البقاء.
تحدي البقاء
وضمن مساعيها للاستحواذ على السلطة ومراكز النفوذ شمال اليمن، تسعى جماعة الحوثي لتطبيق التجربة الإيرانية على حساب المستقبل السياسي للزيدية التي أقصتها عن المشهد السياسي، لتعمل على تطبيق أيديولوجية عقدية ترى في الزيدية خطرًا يهدد وجودها.
وفي هذا السياق، يقول الكاتب اليمني، والمحلل السياسي في الشئون الاستراتيجية والعسكرية الدكتور علي الذهب: "لدى الحوثيين مشروع سياسي خاص بهم، وهم عبارة عن أيديولوجية سياسية مختلفة تمامًا عن والزيدية، أو عن أي شكل من أشكال الممارسة السياسية في إطار المذهب الزيدي".
وأكد الذهب في إطار حديثه لـ"نيوزيمن" على أن "البعض من قادة الحركة الحوثية، ومن قواعدهم، يعتبرون الزيدية خطرًا على مسيرتهم القرآنية، وبذلك تتكشف ملامح المشروع السياسي للحركة الحوثية، وحصره في إطار أسرة بدر الدين الحوثي، وعلى وجه الخصوص، عبدالملك الحوثي، الذي إذا طال به الأمد في الهيمنة على السلطة، لن ينقل نفوذه الى إخوانه حتى، بل سيحتكره ضمن امتداده الشخصي، وسيختزله في أبنائه". حد تعبيره.
وأشار إلى أن "هذه الإيديولوجية السياسية تستقي تعليماتها من الثورة الإيرانية، مع خصوصية معينة لتطبيقها في اليمن، وإسقاط التجربة الإيرانية على المشهد اليمني، وهناك محاكاة مبالغ فيها ومكشوفة".
واستطرد: "على سبيل المثال، يمثل عبدالملك الحوثي، علي خامنئي، في حين يمثل مهدي المشاط إبراهيم رئيسي، ولديهم الجيش الحكومي الذي انخرط تحت إمرتهم منذ انقلابهم على الدولة في 2014م، ولديهم اللجان الشعبية، إضافة لتشكيلات مسلحة عقدية، أو ذات ولاءات مركزية داخل الحركة، وهي من تمثل فاعل العنف الأساسي، لتجسد انعكاسًا حيًا للحرس الثوري الإيراني".
ولفت إلى أنه "بهذه الطريقة يجري إعادة بناء مختلف مراكز القوى بما يدعم الحركة الحوثية بأيديولوجياتها المستقلة عن الهاشمية السياسية التي درج الناس على تسميتها بالزيدية".
وقال: "هذه التحولات التي فرضتها الحركة الحوثية، تعني أنه لن يكون هناك مشاركة فاعلة للأسر الهاشمية في الحكم، ولن يكون هناك انتقال للسلطة من شخص لآخر في إطار ما تحدده الزيدية من شروط للحاكم".
وأضاف: "تسعى هذه الأيديولوجية الحوثية لتحرير الحركة من القيود والالتزامات التي تفرضها عليهم الزيدية، ليكونوا بذلك سلطة، وعقيدية سياسية، وأيديولوجية مستقلة عن أي تأثيرات للزيدية التي يسعون لإخراجها تمامًا عن المشهد السياسي".
وتابع: "في الوقت الحالي، هناك محاولات لتصوير عبدالملك الحوثي كمرجعية دينية، وفي نفس الوقت ستكون مرجعية سياسية لها السطوة الأكبر على السلطة السياسية، بمعنى أنها من سترشح الرئيس والوزير والقيادات العسكرية والأمنية وحتى قيادات السلطة المحلية في المحافظة".
فيما يرى أن "الحركة عبارة عن تشكل سياسي جديد وفق عملية استنساخية للثورة الإيرانية، ولكن بخصوصية معينة، تراعي الطبيعة اليمنية، وما تفرضه التباينات الجغرافية والمذهبية داخل البلاد".
ويعتقد أن "هذا المشروع سيواجه تحديات كبيرة، باعتبار أن اليمن لم تعد كما كانت عليه قبل عام 1911م، عندما سيطر الإماميون على السلطة بطريقة التفاوض التي أعقبت الحرب مع العثمانيين، أو التي جاءت نتيجة للحرب العالمية الأولى".
واستدرك: "لكن الآن الأمور مختلفة، فلا تزال الحكومة المعترف بها دوليًا هي المسيطر على المشهد السياسي، مع بعض المؤثرات والمتغيرات الإقليمية، في حين تحاول المملكة العربية السعودية محاصرة الحركة الحوثية بالمفاوضات للانقضاض عليهم، أو تحجيمهم بعد فشل الخيار العسكري، ودخلت الكثير من التعارضات الإقليمية والمحلية التي عرقلت الخيار العسكري".
واختتم بالقول: "عندما نشير إلى ما يقوم به بعض قادة الحركة من حشد وتحريض لتحويل عبدالملك الحوثي إلى مرجعية دينية، فذلك لأن عبدالملك هو من سيضع الأطر السياسية، وهو من سيحدد المساقات الدينية والفكرية لجماعته في السلطة، إذا ما نجح الخيار السياسي وكان هناك شراكة سياسية".
خطر وجودي
وفي الوقت الذي يتنامى فيه طموح ذراع إيران للاستحواذ على السلطة وإقصاء شركائها السياسيين، يرى مراقبون أن ما تقوم به الجماعة من محاولات لإذكاء الصراعات بين المكونات الاجتماعية والسياسية في مناطق سيطرتها، سينعكس سلبًا على مستقبل الجماعة.
وفي هذا السياق، يرى الصحفي يعقوب السامعي أن "ما يفعله الحوثيون هو تفخيخ لمستقبل البلاد بالضغائن العرقية والمذهبية، وهو ما سيفضي إلى انفجارات كبيرة مع مرور الوقت". حد قوله.
وأضاف السامعي، في إطار حديثه لـ"نيوزيمن"، إن "حرمان الغالبية العظمى من اليمنيين من حقوقهم السياسية لصالح أقلية عرقية هو مغامرة بمستقبل هذه الأقلية في نفس الوقت، ويمكن ملاحظة النقمة المتزايدة ضد الجماعة في الفضاء العام".
واختتم بالقول: "هذه النقمة لن تبقى إلى الأبد حبيسة الخطابات والشعارات، خصوصاً في ظل المظالم الفادحة التي يلحقها الحوثيون بالناس يومياً على أساس عنصري".