خذلان دولي وصمت أممي.. جريمة تصفية "الحكيمي" تدخل موتًا سريريًا

تقارير - Tuesday 07 November 2023 الساعة 07:15 am
عدن، نيوزيمن، خاص:

تأتي عملية تصفية مسؤول الأمن في مكتب منظمة "أنقذوا الطفولة الدولية" باليمن، هشام الحكيمي، داخل أحد سجون ميليشيا الحوثي في صنعاء، ضمن قائمة من الجرائم التي طالت الموظفين العاملين في المنظمات الإغاثية والأممية والدولية في اليمن.

في 25 أكتوبر الماضي، تم إبلاغ أسرة الشاب هشام الحكيمي -44 عاما- من قبل قيادات حوثية تسيطر على جهاز أمن المخابرات في صنعاء بوفاته، وتطالبهم بسرعة استلام جثته ودفنها دون تشريحها أو عرضها على الطبيب الشرعي.

رسالة واضحة من قبل ميليشيات الحوثي كانت كفيلة لتؤكد حقيقة أن الموظف في المنظمة الدولية تعرض لعمليات تعذيب وحشية منذ اختطافه في 9 سبتمبر الماضي. وتحاول القيادات الحوثية المتورطة في عملية تصفيته إخفاء معالم الجريمة من خلال الإصرار على دفنه ورفض إجراء تحقيق عن أسباب الوفاة.

وكما هي العادة ستدخل جريمة "الحكيمي" إلى درج الموت السريري كما حدث مع جريمتي اغتيال موظف لجنة الصليب الأحمر الدولية حنا لحود الذي تعرض للقتل في مدينة تعز بتاريخ 21 أبريل من العام 2018، وكذا مسؤول برنامج الغذاء العالمي في التربة مؤيد حميدي الذي تعرض هو الآخر للتصفية في 21 يوليو من العام 2023.

وبالرغم من معرفة الجهات المتورطة في عملية تصفية الموظفين الأمميين والدوليين، إلا أن التحرك الدولي والأممي من أجل إنصاف الضحايا لا يزال قاصرا فقط على إصدار بيانات الإدانة والتحركات الضيقة التي تسهم بشكل كبير في تمييع تلك الجرائم وإعطاء مرتكبيها مزيدا من القوة في الاستمرار بتنفيذ عمليات الاستهداف والقتل بحق العاملين في المنظمات الأممية والدولية العاملة في اليمن.

رفض التحقيق

مصادر حقوقية في صنعاء أكدت أن ميليشيات الحوثي رفضت طلبا تقدمت به منظمة "أنقذوا الطفولة الدولية" ونحو 25 منظمة حقوقية محلية ودولية بشأن إجراء تحقيق مستقل في حادثة وفاة "هشام الحكيمي" داخل أحد سجون الحوثيين. مشيرة إلى أن أسرة الشاب الحكيمي ترفض الضغوطات الحوثية لاستلام الجثة ودفنها دون تحقيق.

وتأتي الجريمة في وقت لا يزال فيه عدد من الموظفين العاملين مع الأمم المتحدة مختطفين لدى الميليشيات الحوثية اثنان منهم منذ نوفمبر 2021 والثالث منذ أغسطس 2023. ولم تتمكن الأمم المتحدة من معرفة مصيرهم أو حتى الوصول إليهم وزيارتهم.

يؤكد الكثير من المراقبين والحقوقيين في اليمن أن جريمة تصفية "هشام الحكيمي" ستدخل في موت سريري كباقي جرائم القتل البشعة التي طالت موظفين وعاملين في منظمات دولية في اليمن ما لم يكن هناك تحرك وضغط دولي لمحاسبة مرتكبي هذه الجرائم.

وأعرب الكثير من المراقبين والحقوقيين عن استغرابهم صمت الأمم المتحدة تجاه جرائم الاغتيالات التي تطال الموظفين العاملين في الجانب الإنساني والإغاثي باليمن. موضحين أن عدم ممارسة أية ضغوطات دولية أو حتى اتخاذ إجراءات رادعة مكن الأطراف المتورطة في استهداف العاملين في الجانب الإنساني والإغاثي من الإفلات من العقاب وتحقيق العدالة.

تمييع القضية 

تعامل الميليشيات الحوثية مع جريمة "هشام الحكيمي"، يؤكد أن هناك مساعي لإدخال جريمة التصفية إلى درج النسيان والموت السريري كما حدث مع جرائم سابقة. حيث تصر القيادات الحوثية المسيطرة على الجهاز الأمني على رفض إعطاء أية تفاصيل أو معلومات بشأن القضية أو حتى السماح بإجراء تحقيق مستقل وعرض الجثة على الطبيب الشرعي الأمر الذي يؤكد السعي الحوثي لإرسال الجريمة إلى طور الجرائم الاعتيادية التي ارتكبتها بحق المختطفين داخل السجون التي تديرها منذ انقلابها على السلطة في 2015.

ما يثير الكثير من التساؤلات هو استمرار منظمة "أنقذوا الطفولة الدولية" التي يعمل لديها "الحكيمي" في تجاهل ذكر الميليشيات الحوثية المتسببة في عملية التصفية داخل أحد سجون "الأمن القومي" الخاضعة لسيطرتهم في صنعاء. هذا التجاهل أثار حفيظة الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً وطالبت القائمين على المنظمة بتسمية مرتكبي الانتهاك.

ووصف وزير الإعلام اليمني، معمر الإرياني، بيان نعي منظمة “إنقاذ الطفولة” لموظف مكتبها في اليمن "هشام الحكيمي" الذي توفي بأحد سجون جماعة الحوثي المصنفة إرهابيًا، بـ”المخزي والمؤسف”، وذلك لعدم إدانته للجريمة والتكتم عن المتسبب بالقتل.

وقال في تغريدة له على منصة "إكس": "مؤسف ومخز عدم إدانة منظمتكم لجريمة القتل، وإشارتها بوضوح للقتلة، وإظهار الأمر وكأنه وفاة طبيعية أو جراء مرض أو حادث مروري". مضيفا إن "مثل هذه المواقف المتخاذلة شجعت جماعة الحوثي المصنفة إرهابيًا، لفرض مزيد من التضييق على المنظمات الدولية العاملة في مناطق سيطرتها، وتصعيد الجرائم والانتهاكات بحق العاملين فيها".

جريمة متعمدة 

الجريمة التي طالت موظف منظمة إنقاذ الطفولة في سجن تابع لميليشيا الحوثي ليست بعيدة عن حوادث مماثلة طالت الكثير من المختطفين والمخفيين قسراً خلال السنوات الماضية.

ووفقاً لتقرير رسمي صادر عن وزارة حقوق الإنسان في الحكومة اليمنية، تم رصد أكثر من (350) حالة قتل تحت التعذيب، من إجمالي (1635) حالة تعرضت للتعذيب في معتقلات المليشيا الحوثية. كما وثقت منظمات حقوقية متخصصة قيام المليشيا بارتكاب جريمة الإخفاء القسري بحق (2406) من المدنيين في معتقلات المليشيا غير القانونية، يتعرضون لأبشع صنوف التعذيب النفسي والجسدي، والحرمان من الرعاية الصحية.

وأشارت التقارير الحقوقية إلى أن مليشيا الحوثي تدير نحو (641) سجناً، منها (237) سجنا رسميا احتلتها، و(128) سجناً سريا استحدثتها بعد الانقلاب، كما أن (32) مختطفاً تعرضوا للتصفية الجسدية، فيما انتحر آخرون، للتخلص من قسوة وبشاعة التعذيب، كما سجلت (79) حالة وفاة للمختطفين و(31) حالة وفاة لمختطفين بنوبات قلبية، بسبب الإهمال الطبي ورفض إسعافهم للمستشفيات.

وعلى الرغم من أن جرائم القتل والتصفية داخل السجون الحوثية متعمدة وممنهجة إلا أنها ظلت بعيدة عن إية تحرك أممي أو دولي لإيقافها وملاحقة ومحاكمة مرتكبيها في المحاكم المحلية والدولية باعتبارهم "مجرمي حرب".