الاستثمار بملف الخدمات بين قيود الحرب وصراخ "السيادة".. الطاقة المتجددة أنموذجاً

تقارير - Tuesday 14 November 2023 الساعة 07:04 am
المخا، نيوزيمن، عمار علي أحمد:

قال رئيس الوزراء معين عبدالملك، إن اليمن بحاجة إلى سنوات من النمو الحقيقي والإيجابي بمعدلات عالية حتى يتم الوصول إلى نقطة ما قبل الحرب التي أشعلتها جماعة الحوثي في 2014م.

حديث معين جاء ضمن تعليق له على نتائج تقرير المسح العنقودي للمؤشرات الأساسية في أهداف التنمية المستدامة، والذي أجراه الجهاز المركزي للإحصاء بالشراكة مع منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف) وأعلن، الأحد، بالعاصمة عدن، والتي وصفها بأنها "صادمة". 

أرقام صادمة، حسب تعبير معين، يقابلها اعتراف منه في كلمته التي ألقاها بإشهار نتائج المسح بالعجز الحكومي التام عن إحداث أي شيء في ملف التنمية والخدمات، حيث قال بانه لا يوجد حالياً أي نفقات رأسمالية للحكومة وأن ما تقدمه حالياً هو الرواتب ونفقات تشغيلية حتمية للحفاظ على مؤسسات الدولة.

إقرار معين يرسم صورة قاتمة للمشهد بالمناطق المحررة خلال المرحلة القادمة جراء الأزمة الحادة التي تعاني منها الحكومة بسبب انقطاع عائداتها من تصدير النفط بسبب هجمات مليشيات الحوثي وانخفاض عائداتها من الجمارك بسبب تداعيات اتفاق الهدنة وفتح ميناء الحديدة وإجبار ذراع إيران للتجار على الاستيراد منه بدلاً من الموانئ المحررة.

أزمة مالية ستعمق بلا شك عجز الحكومة في معالجة ملفات حيوية كملف الخدمات بالمحافظات المحررة الذي يعاني من تردٍ واضح وبخاصة في ملف الكهرباء بسبب العجز عن سد الفجوة بين التزايد السنوي للطلب مقابل محدودية التوليد وارتفاع تكلفته.

وهو ما يتطلب مشاريع استراتيجية لتوليد الكهرباء بمصادر أرخص كالغاز والطاقة المتجددة، إلا أن المعضلة تتمثل في ارتفاع تكلفة مثل هذه المشاريع وهو ما يفوق قدرة الحكومة حالياً، ما يجعل من خيار الاستثمار في هذا الملف حلاً ممكناً خاصة وأن دولاً بإمكانيات كبيرة تلجأ له بل وباتت تعتمد عليه كما هو الحال في السعودية.

حيث ظهر جلياً اعتماد السلطات السعودية على القطاع الخاص في إنشاء مشاريع ضخمة في مجال توليد الكهرباء بالطاقة المتجددة، كان آخرها اتفاقيتان وقعتهما "الشركة السعودية لشراء الطاقة" لشراء طاقة بسعة إجمالية تبلغ 1500 ميغاواط الأسبوع الماضي.

الاتفاقيتان الموقعتان مع تحالف يضم عدداً من الشركات التجارية من بينها شركات غير سعودية تتولى بموجبهما هذه الشركات إنشاء محطات طاقة شمسية، على أن تقوم الشركة الحكومية السعودية بشراء الطاقة منها بسعر1.7 سنت أميركي للكيلووات الواحد أي نحو 25 ريالاً فقط، وهو سعر رخيص جداً مقارنة مع تكلفة توليد الكيلووات وات الواحد بالديزل والتي تصل إلى 350 ريالاً كما تقول الحكومة.

هذا الفارق الكبير بين تكلفة شراء "طاقة شمسية" من القطاع الخاص، وبين تكلفة إنتاجه من قبل الحكومة، يبدد كل المخاوف والتحذيرات التي تطلق مع أي محاولة لفتح الاستثمار في ملف الخدمات أو ما يطلق عليه بالخصخصة، ويؤكد أن مصطلح "الطاقة المشتراة" ليس بذات السوء في حد ذاته بقدر ما يتعلق الأمر بتفاصيل هذه الطاقة، وما إذا كانت طاقة "متجددة" أم طاقة "ديزل" الكارثية.

لكن فتح الاستثمار في ملف الخدمات تقف أمامه عوائق عدة، على رأسها الوضع الأمني وتداعيات الحرب في اليمن وغياب الاستقرار السياسي بالمناطق المحررة يصعب من إمكانية قبول أي شركات أجنبية للمخاطرة والاستثمار في الداخل اليمني، إلا في حالة وجود "إغراءات" برفع حجم العائد من الاستثمار كضريبة للمخاطرة.

وهو ما اضطرت إليه الحكومة في اتفاقية الاتصالات والنفط مع شركات إماراتية مؤخراً، وأثار ضجة كبيرة خاصة في اتفاقية الاتصالات التي تعرضت بسببها الحكومة لهجوم عنيف جداً، وهو ما يضيف عائقاً جديداً يمنع أي فرصة في فتح مجال الاستثمار في ملف الخدمات بالمناطق المحررة، خاصة مع تحول الأمر من انتقادات ومخاوف تتعلق بالفساد إلى حملة سياسية تتعلق بالخصومة مع الإمارات.

ويتجلى ذلك برفع مصطلح "السيادة" كأبرز لافتة للهجوم ضد الحكومة والاتفاقية، وهو مبرر غير منطقي في ظل حقيقة أن ملف الخدمات، ومنها الاتصالات، في أغلب دول العالم وعلى رأسها دول الخليج بات في يد القطاع الخاص، وبات الحديث عن سيطرة الحكومة على الاتصالات مرتبطاً بالدول "الأمنية" أو الدول "الفاشلة".

كما أن الحديث عن "السيادة" أو الأمن القومي في ملف الاتصالات، أمر مضحك مع وجود شركات عالمية عابرة للقارات وللحكومات تقدم خدمة الانترنت عبر الأقمار الصناعية وأشهرها شركة "ستارلينك" للملياردير الأمريكي إيلون ماسك وبدأت بالعمل في غالبية دول العالم ومن بينها اليمن وتحديداً المناطق المحررة خلال الأشهر الماضية.