الفرق بين أولويات مجلس القيادة وأولويات مليشيا الحوثي
تقارير - Sunday 10 March 2024 الساعة 11:49 pmتُظهر تطورات الأحداث في اليمن حجم الفجوة بين أولويات مجلس القيادة الرئاسي وأولويات مليشيا الحوثي- ذراع إيران في اليمن، سواءً على مستوى الداخل أو على مستوى الشؤون الخارجية.
في حين يسعى مجلس القيادة الرئاسي والحكومة الشرعية إلى تحسين الظروف المعيشية للمواطنين في عموم المحافظات اليمنية وخفض التصعيد العسكري، تسعى مليشيا الحوثي إلى رفع منسوب العمليات القتالية في البحر الأحمر وخليج عدن ومضيق باب المندب، وزيادة تعقيد الأزمات الاقتصادية، وجلب حرب جديدة إلى داخل اليمن، غير عابئة بما يترتب على هذه الحرب مع دول كبرى من نتائج كارثية ومدمرة على البلاد والمنطقة العربية عموماً.
في خطابين متتاليين، خلال الأسبوعين الماضيين، توعد زعيم المليشيا، عبدالملك الحوثي، برفع التصعيد ضد السفن الأمريكية والبريطانية، بما فيها السفن الحربية، إضافة إلى زيادة عمليات استهداف السفن التجارية التي تعتقد جماعته أنها مرتبطة بإسرائيل. كما توعد الحوثي بعمليات "مفاجئة وصادمة للعدو"، على حد تعبيره. وفي مساء الجمعة أعلن المتحدث العسكري للحوثيين، يحيى سريع، عن بيان سيتلوه كالعادة عقب كل هجوم تشنه الجماعة على السفن، لكنه عاد وأعلن تأجيل البيان إلى صباح السبت بسبب ما سماها "تطورات طارئة بمسرح العمليات".
في البيان الذي أعلنه سريع، صباح السبت، قال إن جماعته نفذت "عمليتين عسكريتين نوعيتين" إحداهما ضد سفينة تجارية (PROPEL FORTUNE)، والثانية ضد سفن حربية ومدمرات أمريكية، قائلا إن العمليتين نفذتا بصواريخ بحرية لم يحدد عددها و37 طائرة مسيّرة. وفي السياق نفسه، أعلنت القيادة المركزية الأمريكية (سنتكوم)، السبت، أن مليشيا الحوثي الإرهابية شنت هجوما "واسع النطاق" في البحر الأحمر وخليج عدن، وأن البحرية الأمريكية وقوات تحالف "حارس الازدهار" أسقطت 15 طائرة مسيرة انتحارية.
بيان القيادة المركزية الأمريكية قال إن الحوثيين أطلقوا صاروخين بالستيين على سفينة تجارية سنغافورية وأن الصاروخين لم يصيبا السفينة ولم يتم الإبلاغ عن أي أضرار، وهو عكس ما أورده الإعلام الحوثي الذي اعتبر هذا الهجوم "طورا جديدا" من الهجمات البحرية ضد السفن الأمريكية والبريطانية. ونقل الإعلام الحوثي عن قيادات عسكرية في صفوف الجماعة وصفهم هجوم الجمعة أنه بداية لما سموها "استراتيجية الهجوم الكبير"، رابطين هذا التصعيد بـ"المفاجآت" التي توعد بها عبدالملك الحوثي في خطابيه الأخيرين. وذهب أحد هؤلاء القيادات العسكرية للحوثيين إلى القول إن الهجوم على المدمرات الأمريكية كان بهدف إلهائها عن الهجوم الذي استهدف السفينة السنغافورية التجارية، الأمر الذي يعكس خللا أخلاقيا في تفكير العسكريين الحوثيين وعدم اكتراثهم بأرواح البحارة المدنيين، لا سيما بعد سقوط أكثر من قتلى وجرحى من البحارة في السفينة الليبيرية التي استهدفوها أواخر الأسبوع الماضي.
هذا الخلل الأخلاقي والإنساني في الأيديولوجيا الحوثية لا يقتصر على صغار قادتها العسكريين والأمنيين، بل يمتد إلى زعيمهم عبدالملك الحوثي نفسه الذي تباهى في خطابه الأخير بأن جماعته تستهدف السفن التجارية بصواريخ بالستية، وأن استهدافها بالصواريخ يعتبر إنجازَ سبقٍ لجماعته في تاريخ الحروب البحرية. والمفارقة أنه في كل خطاباته يتحدث عن الدافع الأخلاقي والإنساني والديني في تضامنه المزعوم مع الفلسطينيين في غزة ومع القضية الفلسطينية. ومن ناحية أخرى، يتحدث الحوثي بصريح العبارة عن المكاسب الإيجابية التي حققتها جماعته من المعركة مع إسرائيل وأمريكا وبريطانيا باسم غزة، ويكرر في خطاباته أن هذا التصعيد ساعد جماعته في زيادة وتيرة تصنيع الأسلحة وتحشيد وتعبئة المقاتلين إلى صفوف الجماعة، ضاربا عرض الحائط باحتياجات الشعب اليمني في مناطق سيطرته ومعاناتهم من الظروف المعيشية المتدهورة.
زيادة التصنيع الحربي وتجنيد الأطفال والشباب وكبار السن هي أولوية المليشيا الحوثية في هذه الظروف المعيشية الصعبة التي يعيشها اليمنيون، لا سيما في مناطق سيطرتها. وعلى العكس من ذلك، يسعى مجلس القيادة الرئاسي والحكومة الشرعية إلى تحسين الظروف المعيشية للمواطنين في المناطق المحررة ومعالجة تردي الخدمات وانهيار العملة، أو على الأقل يحاول تحسين هذه الظروف والخدمات الأساسية من منطلق كونها أولوية أكثر إلحاحا من الحرب. ورغم ذلك تستغل المليشيا الحوثية انشغال مجلس القيادة بهذه الأولويات وتواصل الاستعداد لجولة قادمة من الحرب ضد ما تبقى من جغرافيا يمنية خارج سيطرتها.