تحليل: لماذا أثارت تصريحات بن مبارك مخاوف السعودية إزاء السلام في اليمن؟
تقارير - Sunday 24 March 2024 الساعة 04:12 pmبعد يومين فقط من تصريحه بأن خارطة الطريق المعلن عنها من قبل المبعوث الأممي إلى اليمن توقفت، حطت طائرة رئيس الوزراء، وزير الخارجية أحمد عوض بن مبارك في مطار جدة.
بحسب وكالة الأنباء الحكومية "سبأ" بنسختها الشرعية، فإن زيارة بن مبارك إلى المملكة العربية السعودية هي زيارة رسمية "لمناقشة العلاقات الثنائية بين البلدين الشقيقين والقضايا ذات الاهتمام المشترك". وفي تغطية الوكالة للزيارة ركزت على لقاء رئيس الوزراء بوزير الدفاع السعودي الأمير خالد بن سلمان فقط، وكان واضحا أن موضوع خارطة الطريق والعملية السياسية في اليمن هو أساس النقاش في اللقاء، والغرض الرئيسي من زيارة بن مبارك.
داخل السياق اليمني وخارج الإقليمي
في 18 مارس الجاري، ترأس بن مبارك اجتماعا عن بعد بسفراء اليمن وممثليه لدى الدول العربية والأجنبية، وكانت ضمن أبرز توجيهاته لهم التركيز على تصحيح السرديات الخاطئة بشأن ما يجري في اليمن، في إشارة إلى تعرية مليشيا الحوثي وكشف جرائمها بحق اليمنيين أمام الرأي العام العربي والعالمي، وحشد الدعم للحكومة الشرعية.
وفي السياق ذاته، اعتبر بن مبارك أن خارطة الطريق التي أعلن عنها المبعوث الأممي إلى اليمن، هانس جروندبرج، في ديسمبر الماضي، هي حاليا في حكم المتوقفة "بسبب التصعيد الحوثي في البحر الأحمر وتهديد الملاحة الدولية"، إضافة إلى تصنيف الولايات المتحدة للمليشيا الحوثية كجماعة إرهابية دولية. وكان اللافت في هذا التصريح خلاصته التي قال فيها بن مبارك: "بتوقف خارطة الطريق تراجع أفق الحل السياسي".
وفيما بدت أنها إحدى السرديات الخاطئة التي وجه بن مبارك سفراء اليمن بتصحيحها، تطرق في نفس الاجتماع إلى "الحرب الاقتصادية وسياسة التجويع التي تمارسها مليشيا الحوثي الإرهابية ضد الشعب اليمني، ورؤية الحكومة للتعامل معها وإيجاد حلول ومعالجات لتجاوز تلك التحديات، بما فيها الوضع الإنساني الكارثي مع انخفاض مستوى المساعدات الإنسانية المقدمة لليمن".
وفي حين جاءت تصريحات بن مبارك في صُلب السياق اليمني الذي أعيته الحيلة وأنهكته الحرب لوضع حد لغرور المليشيا الحوثية وجرائم الحرب التي ترتكبها بحق اليمنيين، تشير تصريحات الأمير خالد بن سلمان بعد لقائه دولة رئيس الوزراء بن مبارك، إلى أن تصريحات الأخير بشأن توقف خارطة الطريق كانت خارج السياق الإقليمي والدولي.
من شأن هذا التباين أن يزيد من إضعاف الحكومة الشرعية ومجلس القيادة الرئاسي الذي يطالب رئيسه وأعضاؤه المجتمع الدولي بدعم جهوده لإنهاء انقلاب مليشيا الحوثي واستعادة مؤسسات الدولة، خاصة بعد إقدام المليشيا على استهداف الملاحة البحرية والإضرار باليمن سياسيا واقتصاديا وعسكريا وبيئيا، إضافة إلى الإضرار بالاقتصاد العالمي لكل البلدان وليس فقط إسرائيل.
خلاصة اللقاء ودلالاته
من الواضح أن تصريحات بن مبارك أثارت مخاوف قيادة المملكة من أن يؤدي الموقف اليمني الراهن من خارطة الطريق إلى توقفها نهائيا واستئناف جولة جديدة من الحرب، خاصة أن المملكة بذلت جهودا كبيرة في التوصل إلى صيغة أولية لاتفاق يقبل بها الحوثيون. وركزت أخبار وكالتي "سبأ" و"واس" عن لقاء الأمير خالد بن سلمان ودولة رئيس الوزراء أحمد بن مبارك، على موضوع النقاش الرئيسي، مع فروق طفيفة. حيث قالت وكالة "سبأ" إنه تم التشاور في اللقاء "حول مختلف المستجدات والتطورات على الساحة الوطنية والإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك ومواقف البلدين تجاهها، بما في ذلك جهود إحلال السلام في اليمن، وآفاق الحل السياسي في ظل التصعيد العسكري لمليشيا الحوثي في البحر الأحمر". في حين اكتفت وكالة "واس" بالقول إن اللقاء استعرض "التطورات الأخيرة في الشأن اليمني، والمساعي المبذولة لاستكمال وتنفيذ خارطة الطريق، التي ترعاها الأمم المتحدة، وبحث الجهود القائمة لدعم سير العملية السياسية بين الأطراف اليمنية، ومسار السلام؛ لتحقيق الأمن والاستقرار في اليمن".
وكان لافتا في تدوينة الأمير خالد بن سلمان في موقع التواصل الاجتماعي (إكس)، إشارته إلى أن لقاءه الدكتور أحمد بن مبارك كان بتوجيه من قيادة المملكة، أي الملك سلمان وولي العهد الأمير محمد بن سلمان. وعن اللقاء قال الأمير خالد في التدوينة نفسها: "استعرضنا التطورات في اليمن، ومساعي استكمال وتنفيذ خارطة الطريق برعاية الأمم المتحدة"، مؤكدا "موقف المملكة الثابت بدعم الحكومة والشعب اليمني الشقيق، بما يلبي تطلعاتهم ويسهم في تنمية اليمن وازدهاره". وعلى منصة (إكس) كتب الدكتور أحمد بن مبارك: "استمرار الدعم السعودي لليمن وشعبه وتطوير مجالات الدعم في الجوانب التنموية في هذه المرحلة أساسيان ومحوريان لتجاوز التحديات الراهنة".
خمسة تحديات
في السياق نفسه، نقلت صحيفة "الشرق الأوسط" عن رئيس الوزراء أحمد بن مبارك قوله إنه وجد تفهمًا سعوديًا لمتطلبات وتوجهات الحكومة اليمنية التي لخص أبرز خمسة منها، وهي: رفع المعاناة عن الشعب اليمني، والإصلاح الإداري، والمالي، ومكافحة الفساد، وتطوير البناء المؤسسي.
وأضاف واصفًا اللقاء: "كان لقاء أخويا بحثنا خلاله العلاقات المتينة والمتميزة بين البلدين الشقيقين وناقشنا الأوضاع في اليمن والتحديات الاقتصادية التي تواجهها الحكومة والتصعيد الحوثي في البحر الأحمر وأثره على عملية السلام"، وهو ما لم يذكره الأمير خالد في تدوينته.
بن مبارك وصف أيضا نتائج اللقاء بأنها "إيجابية وممتازة"، وقال: "سعدت بما سمعته من التزام قوي من أشقائنا في المملكة بدعم الحكومة والشعب اليمني اقتصادياً وتنموياً، وبشراكتنا الوثيقة لن نكون وحيدين في مواجهة مختلف التحديات"
ورغم أن التحديات الخمسة التي ذكرها رئيس الوزراء بن مبارك لم تتضمن "استعادة مؤسسات الدولة" التي يتحدث عنها رئيس وأعضاء مجلس القيادة بكثافة مؤخرا، وكذلك قادة الصف الأول في الحكومة الشرعية، إلا أن التحدي المتمثل في "رفع المعاناة عن الشعب اليمني" يشمل بدوره كابوس المليشيا الحوثية الجاثم فوق الشعب اليمني منذ 10 سنوات. كما أن تصريحه عقب اللقاء بأن الحكومة اليمنية لن تكون وحيدة في مواجهة مختلف التحديات، إضافة إلى تأكيد وزير الدفاع السعودي موقف المملكة الثابت في دعم الحكومة والشعب اليمني، يشيران إلى أن تقديرات المملكة في المرحلة الراهنة تعطي الأولوية للمضي في خيار دعم العملية السياسية وإخراج صيغة نهائية من خارطة الطريق إلى النور. ويبدو التأكيد العلني من قبل الأمير خالد، وهو المسؤول عن الملف اليمني في الحكومة السعودية، على ثبات موقف المملكة في دعم الحكومة الشرعية بمثابة طمأنة لمجلس القيادة الرئاسي والحكومة، ورسالة لجميع الأطراف اليمنية والإقليمية والدولية، بأن الرياض لن تتخلى عن الحكومة الشرعية في نهاية المطاف.
من ناحية أخرى، لا يبدو أن الحكومة الشرعية ومن فوقها مجلس القيادة الرئاسي قادران على الدخول في نقاشات معمقة مع المملكة بشأن تقديراتها للمرحلة الراهنة. فأولا ترتبط هذه التقديرات بمصالح السعودية وسياستها الداخلية والخارجية، خاصة مع استمرار سريان اتفاق تقاربها مع إيران الداعمة لمليشيا الحوثي سياسيا وعسكريا، وثانيا، وضعت مليشيا الحوثي جميع الدول العربية في موقف محرج باستغلالها لحرب الاحتلال الإسرائيلي على غزة وتقديم نفسها كمدافع عربي وحيد عن القضية الفلسطينية. بالتالي، سيبدو أي حديث عن توقف العملية السياسية في اليمن بمثابة تمهيد لجولة حرب قادمة على المليشيا الحوثية، خاصة بعد ما ذكره المبعوث الأممي، هانس جروندبرج، في إحاطته الأخيرة لمجلس الأمن عن تغيير الأطراف اليمنية لتقديراتها والتلويح علنا باستئناف الحرب. تدرك الرياض أنها لن تستطيع النأي بنفسها عن أي جولة حرب جديدة تخوضها الحكومة الشرعية والأطراف المناهضة للمليشيا الحوثية، أو على الأقل سيسبب لها ذلك مزيدا من الحرج في موقفها "الثابت" في دعم الحكومة.
ما يحسب للسعودية وعليها
لا يختلف المراقبون للشأن اليمني حول ما قدمته المملكة العربية السعودية لليمن من مساعدات مالية وإغاثية منذ الانقلاب الحوثي على الدولة في 2014، إضافة إلى دورها المحوري مع دولة الإمارات في التدخل العسكري ضد المليشيا الحوثية لمساندة الحكومة الشرعية. هناك المزيد من الأدوار الإيجابية التي تحسب للمملكة في اليمن وعلى رأسها المشاريع التنموية وإعادة الإعمار وتلك المهمة الخطرة في تنظيف الأرض اليمنية من ألغام مليشيا الحوثي، وغيرها.
وفي شأن اعتراضها على تصريحات رئيس الوزراء وزير الخارجية عن توقف خارطة الطريق، يحسب للسعودية أيضا أنها لجأت إلى طريقة بروتوكولية في التعبير عن اعتراضها. ورغم أن الجانبين لم يتحدثا عن دعوة سعودية وجهت لرئيس الحكومة اليمنية وهو ما جعل الزيارة تبدو كاستدعاء، إلا أن اللقاء الرسمي المعلن بين المسؤولَين، عكس حرص الرياض على عدم المساس بالمركز الاعتباري للدولة اليمنية، خاصة إذا كان القادة اليمنيون أكثر حرصا على ذلك. ومع هذا، ربما كانت هذه اللياقة البروتوكولية ستكتمل في حال التقى رئيس الوزراء اليمني أولًا نظيره السعودي، وهو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، ولو لأغراض بروتوكولية صرفة.
بالمقابل، وبالنظر إلى التدخل العسكري الكبير منذ 26 مارس 2015 ضد المليشيا الحوثية، لم ينتج عن عمليات التحالف العسكرية أثرا ملموسا في القضاء على القدرة العسكرية للجماعة الانقلابية أو ردعها، بل أفضت بعد سبع سنوات من الضربات الجوية والقتال إلى هدنة (2 أبريل 2022) أثبتت الأحداث والمستجدات التالية لها أنها كانت في صالح الحوثيين، وبنسبة مخلة جدا حتى بمعايير توازن القوة. وبدلا من التجديد الثالث للهدنة في أكتوبر 2022، أقدمت المليشيا الحوثية على قصف موانئ تصدير النفط والغاز في حضرموت وشبوة، وفرضت حصارا اقتصاديا على الحكومة. بذلك انقلبت معادلة الحصار رأسا على عقب، لا سيما مع استمرار رفع القيود عن ميناء الحديدة وإتاحة الموانئ الأخرى في نطاق سيطرة الجماعة لتستخدمها بحرية كاملة، وهو ما ساعدها في مواصلة هجماتها على السفن التجارية في البحر الأحمر، وتوسيع نطاق هذه الهجمات إلى المحيط الهندي، وبالمثل توسيع نطاق تهديها للتجارة البحرية في المنطقة. وإضافة إلى ذلك، خرجت مليشيا الحوثي من هذه الحرب بترسانة حربية كافية لتهديد الأمن والسلم الإقليمي، بما في ذلك أمن واستقرار السعودية والإمارات. ومقارنة بوضع المليشيا الحوثية بعد الحرب، أصبحت الحكومة الشرعية أكثر ضعفا من حيث البنية التحتية والموارد والقدرات العسكرية.
لكن هل يمكن القول إن كل ذلك الانتكاس في موقف الحكومة الشرعية كان بسبب السعودية؟ هنا يختلف المراقبون والمحللون للشأن اليمني، حيث يلقون باللائمة بدرجة رئيسية على الحكومة نفسها وقادتها المتعاقبين، خاصة أولئك الذين لم يواكبوا الحملة العسكرية للتحالف ويستفيدوا من دعم الأشقاء في السعودية والإمارات، في بناء نموذج للدولة الوطنية المسؤولة عن مواطنيها وجغرافيتها ومؤسساتها.
وبينما يُحسب على الحكومة الشرعية سوء إدارة الحرب ضد المليشيا الانقلابية سياسيا وعسكريا واقتصاديا وإعلاميا، يبدو هذا المأخذ أكبر بكثير على دولتي التحالف العربي الرئيسيتين: السعودية والإمارات، على الأقل من الناحية السياسية. صحيح أن هذا المأخذ منشأه من القادة اليمنيين، إلا أنه كان بإمكان الرياض وأبو ظبي أن تمارسا ضغطا دبلوماسيا أكبر على الولايات المتحدة وبريطانيا وبقية الدول الراعية لعملية السلام في اليمن، بحيث يؤدي هذا الضغط إلى عدم عرقلة عمليات التحالف العسكرية المساندة للقوات الحكومية والمنضوية تحت رايتها، كما حدث في معركة الحديدة 2018، وغيرها من الجبهات.
لدى المليشيا الحوثية داعم إقليمي واحد هي إيران، ولدى الحكومة الشرعية معظم دول الإقليم، بما فيها أقوى الدول العربية عسكريا واقتصاديا وموقفا دوليا. وعلى المستوى الدولي، لدى إيران حليفان قويان هما روسيا والصين، ولدى الدول العربية الولايات المتحدة وبريطانيا والاتحاد الأوروبي، إضافة إلى الصين وروسيا وتركيا. أمام هذه المعادلة لميزان القوى، تبدو خيبة الأمل في اليمن أكثر وضوحا، حيث تستمر مليشيا انقلابية وإرهابية في التنكيل بأكثر من 30 مليون إنسان، فيما تتخلى دول الإقليم والعالم عن دعم الحكومة الشرعية المغدور بها مرتين: من قبل بعض قادتها ومن قبل معظم قادة العالم.