فجوات في الخطاب الرئاسي يجب ردمها ليواكب الواقع

تقارير - Saturday 20 April 2024 الساعة 11:09 am
المخا، نيوزيمن، خاص:

منذ تشكيل مجلس القيادة الرئاسي في 7 أبريل 2022، تطور الخطاب السياسي في مؤسسة الرئاسة بصورة لافتة، وأصبح أكثر تشخيصا لواقع البلاد المرير، لكن رغم ذلك ما زال هناك بعض الفجوات في هذا الخطاب.

أولى هذه الفجوات تتمثل في الحديث عن مبدأ الاعتماد على النفس بالتزامن مع مطالبة المجتمع الدولي بدعم الحكومة اليمنية الشرعية، وهو ما ورد بشكل أكثر وضوحا في مقابلة الدكتور رشاد العليمي، رئيس مجلس القيادة الرئاسي مع الصحفيين المصريين على قناة (TEN) الخميس. حيث قال الرئيس العليمي إنه "وضع وإخوانه أعضاء مجلس القيادة الرئاسي، منذ أول يوم لتشكيل المجلس، الاعتماد على النفس هدفاً استراتيجياً"، وفي موضع آخر من نفس المقابلة، أشاد "بدعم الأشقاء في المملكة العربية السعودية، للموازنة العامة للدولة بعد توقف تصدير النفط، لتمكين الحكومة من مواجهة التزاماتها الحتمية فيما يتعلق بالأجور والمرتبات وكذلك الدعم المقدم من دولة الإمارات العربية المتحدة للبنك المركزي وفي جانب المشتقات النفطية، إضافة إلى المساعدات المقدمة من البنك، وصندوق النقد الدوليين، والولايات المتحدة وبريطانيا والاتحاد الأوروبي، وألمانيا، وغيرهم من الأشقاء والأصدقاء" -بحسب وكالة "سبأ" الحكومية.

وفي موضع آخر من المقابلة، أكد الرئيس العليمي على "حرص الحكومة في إطار الاعتماد على النفس على تنمية الموارد، ليس على المستوى المركزي وإنما أيضا على مستوى المحافظات"، كما أكد في السياق ذاته أن الحكومة قطعت شوطاً في هذا الجانب، حيث تشكل عائدات الضرائب والجمارك 30 بالمائة من الإنفاق الحتمي، لكنه عند الحديث عن نسبة الـ70 بالمائة الأخرى من الموازنة والتي كان يتم تغطيتها من النفط، قال إنه "يتم تعويضها اليوم إلى حد ما من مساعدات الأشقاء والأصدقاء، الذين نعتبرهم شركاءنا في المعركة".

سبق أن تحدث الرئيس العليمي في أكثر من مناسبة، خاصة منذ أواخر العام 2023 ومطلع العام 2024، عن توجه مجلس القيادة الرئاسي نحو تنمية الإيرادات غير النفطية للدولة، بما في ذلك الإيرادات التي يتم تحصيلها بالعملة الصعبة، ومع ذلك ما زال المجلس والحكومة يعولان على الدعم المقدم من "الأشقاء والأصدقاء" لسد النقص في ميزانية الدولة.

الفجوة الثانية تتمثل في الحديث عن بناء الجيش الوطني وتشكيل غرفة عمليات للجيش والمكونات العسكرية لإدارة مسرح العمليات تحت إمرة وزير الدفاع، لكن الواقع على الأرض يقول إن مجلس القيادة لم يصل بعد إلى مرحلة توحيد الهدف ميدانيا مع القوى المناهضة لمليشيا الحوثي والتي ما زالت تحتفظ بقوتها العسكرية بشكل كامل. حيث تقاتل قوات الحكومة في جبهات وتقاتل قوات المقاومة الوطنية في جبهات الساحل الغربي، فيما تقاتل قوات المجلس الانتقالي الجنوبي في جبهات خطوط التماس على الحدود بين الجنوب والشمال، كما تواجه تنظيم القاعدة في المحافظات الجنوبية بدون مساعدة من بقية المكونات العسكرية.

وفي حين تعمل مليشيا الحوثي على تطوير أسلحة جديدة بمساعدة إيرانية واضحة، تكتفي الحكومة الشرعية بالدعم المالي من دول التحالف العربي لمواجهة نفقات تشغيلية لا تخلو من الأزمات المتكررة دون أن تستثمر جزءا من هذا الدعم في تطوير وتصنيع ما تحتاجه من أسلحة لمعركة استعادة الدولة من قبضة المليشيا الحوثية. وفي هذا السياق يطالب مجلس القيادة الرئاسي بدعم عسكري من المجتمع الدولي لكي تفرض الحكومة سيطرتها على كامل التراب اليمني وتحمي الملاحة الدولية، وبالتزامن مع ذلك تلقّت الحكومة صفعة قوية بمقتل مدير دائرة التصنيع الحربي بوزارة الدفاع في العاصمة المصرية القاهرة وامتصت الصدمة بطريقة أقرب إلى اللامبالاة.

من جانب آخر، جاءت الفجوة الثالثة في المقابلة الأخيرة للرئيس العليمي في سياق حديثه عن عملية السلام، حيث اعتبر قرار مجلس الأمن رقم 2216 بمثابة "خارطة طريق شاملة لحل القضية اليمنية". ورغم أن الخطاب الرئاسي في هذا الجانب أكثر تماسكا في العادة، إلا أن اعتبار القرار الأممي بمثابة خارطة طريق شاملة لحل القضية اليمنية قد يحمل دلالات افتقار مجلس القيادة الرئاسي إلى رؤيته الوطنية الخاصة بالحل السياسي الشامل في اليمن. 

ومما لا شك فيه أن هناك فجوات أخرى في الخطاب الرئاسي، بما في ذلك تكرار الشكر والإشادة "بالأشقاء والأصدقاء" بشكل مفرط وعلى كافة مستويات قيادات الدولة، بينما لا تحظى السردية الرئاسية بالتعميم على كافة هذه المستويات، مثل سردية الطبيعة الإمامية للمليشيا الحوثية ونشأتها منذ الثمانينيات كذراع لإيران ومشروعها في المنطقة العربية. وعلاوة على ذلك، لا تحظى هذه السردية بتغطيات موسعة في الإعلام الحكومي والمراكز البحثية وغيرها من وسائل النشر والتوعية.

هذه الفجوات وغيرها إذا لم يتم ردمها بشكل سليم ومتقن، قد تتوسع مع مرور الزمن مفسحة المجال للمليشيا الحوثية لمزيد من التغول وتدمير اليمن، كما يمكن أن تترك البلاد فريسة للضعف والانقسامات وتشظي القرار السيادي للدولة اليمنية.