ضحايا الألغام في الحديدة.. معاناة مستمرة بأدوات موت ابتكرها الحوثي
تقارير - Thursday 27 June 2024 الساعة 09:08 amنالت محافظة الحديدة النصيب الأكبر من عملية زرع الألغام العشوائي التي تقوم بها مليشيا الحوثي- ذراع إيران في اليمن، وحصدت أرواح المئات من الأبرياء.
أدوات موت ترعب الأهالي في مختلف مديريات الحديدة في خطوط التماس أو التي تم تحريرها من قبل القوات المشتركة في الساحل الغربي. فخلال السنوات الماضية نثرت المليشيا الحوثية أشواك الموت في الأراضي والطرقات وأماكن الرعي في السهل التهامي، وحولتها من مناطق نابضة بالحياة وأراضيها الزراعية الخصبة إلى أراضٍ بور قاحلة ومناطق موتٍ تفتك بالمارة.
وعلى مدى سنوات، قُتل وجُرح المئات من أبناء الحديدة غالبيتهم من النساء والأطفال، بسبب الألغام والعبوات المتفجرة. وأصبحت الإعاقات تلازم كل فرد أصيب بألغام الحوثي المتعطش للدماء بشغف كبير.
معاناة متواصلة
الطفل عدنان طاهر حشّاش، 13 عاماً، خرج كالمعتاد إلى رعي أغنامه في قرية بيت مغاري. يوم الـ2 من سبتمبر 2023م، كانت الحادثة الأليمة بالجسم الملغّم الخبيث الذي عثر عليه عدنان على شكل لعبة وذهب به إلى منزله. ظل يقلبه بيديه وينظر إليه يميناً ويسار وأحضر معولاً ثم بدأ يدق فيه، فإذا بدوي انفجار يهز القرية.
الناس والأهالي المجاورون حينها شعروا برعب وخوف ظناً أن الحوثي جدد القصف على القرية المحررة والمؤمَّنة، فهرعوا لمكان الحادث فإذا بهم يجدون عدنان مطروحاً أرضاً يسكب دماً، ونالت الشظايا منه واخترقت جسده ومزقت أطرافه. أسعفوه إلى نقطة طبية للقوات المشتركة ضمدت جروحه وحالته الخطرة تستدعي نقله لأحد المشافي، وكان هذا الحادث بالنسبة للأهالي صعباً وموقفاً يحبس الأنفاس.
خضع عدنان لعدة عمليات وعلى مراحل متعددة، وُصفت إصابته بالخطيرة وفقاً للتقارير الطبية، وفقد حينها كفي يديه، وبترت إحدى قدميه، وفقد إحدى عينيه، نتيجة الشظايا التي تعمقت في جسده البريئ، واختطفت طفولة عدنان الذي يعيش اليُتم منذ الصغر بوفاة والده.
أصبح عدنان يقعد على كرسيه المتنقل متحسراً على ما حل به من وجع، حاملاً آلامه وجراحه بصمت، عله يجد قلباً يحمل الإنسانية يساعده في تسفيره إلى الخارج لاستكمال علاجه وتضميد جروحه التي يعاني منها منذ إصابته باللغم الخبيث.
النجاة من الموت
أم عدنان قالت لمراسل نيوزيمن، إنها غادرت قرية بيت مغاري بعد حادث طفلها، ومنعت كافة أبنائها من الرعي خوفاً من الألغام التي باتت تتربص بحياتهم، ووصفت حادثة طفلها، كأن الحوثي كسر عمودها الفقري عندما أصيب فلذة كبدها وأصبح قعيد الفراش، وهي تشاهده بالحالة المأساوية التي أصبح عليها.
وأوضحت، أن حالته تزداد سُواءً، نتيجة الجروح البليغة التي ما زالت ترافقه ولم تُستكمل إجراءاتها الطبية منذ عام لعدم وجود أي جهة تتبنى علاجه المقرر في الخارج، وفقاً لتقارير طبية. وأكدت أنه بحاجة ماسة إلى عملية لإعادة فتحة الشرج، وهم عاجزون عن تسفيره حتى لمدينة المخا، أو حتى استخراج جواز سفر، نظراً لظروفهم المعيشية القاهرة.
حال عدنان لا يختلف كثيراً عن معاناة مئات الأطفال الذين يعانون من الإعاقات الدائمة وهم بحاحة إلى دعم ورعاية من الجهات الحكومية والمنظمات الإنسانية، وتحسين أوضاعهم للتغلب على الحياة المأساوية التي يعيشونها جراء الإعاقة.
الضحايا في تزايد
ويزداد ضحايا الألغام يوماً تلو الآخر في المناطق التي تحررت وكانت تسيطر عليها مليشيا الحوثي في جنوب الحديدة بالرغم من الجهود الحثيثة التي تبذلها الفرق الهندسية لنزع الألغام وحققت نجاحاً كبيراً، لكن الحقد الدفين للحوثي، جعله يزرع الألغام في أمكان غير متوقعة وبشكل عشوائي لحصد مزيد من أرواح الأبرياء.
وكانت بعثة أونمها للأمم المتحدة في الحديدة سجلت سقوط 9 ضحايا بانفجار ألغام للحوثيين خلال شهر مايو الماضي، 7 منهم قتلوا، فيما أصيب اثنان آخران، بينهم 4 أطفال. وأكدت بعثة أونمها أن هذه الحوادث وقعت في مديريات الدريهمي وبيت الفقيه والجرّاحي والحَوَك والتحيتا جنوب محافظة الحديدة.
ووفقاً لتقرير البعثة تسببت الألغام والعبوات المتفجرة خلال الفترة من يونيو 2023 وحتى مايو 2024، بمقتل وإصابة 120 مدنيا في الحديدة، بينهم 55 قتيلاً منهم 19 طفلاً و5 نساء؛ 65 مصاباً بينهم 25 طفلاً و3 نساء.
وأشارت الإحصائية إلى أن نحو 43% من ضحايا حوادث الألغام التي شهدتها محافظة الحديدة خلال الفترة المذكورة في تقرير البعثة الأممية هم من الأطفال والنساء، موضحة أن كل 4 أفراد من مجموع 10 ضحايا هم من هذه الشريحتين.
أكبر حقل ألغام
تصدرت الحديدة قائمة المحافظات اليمنية في عدد ضحايا انفجارات الألغام والذخائر، بينما توزعت خريطة الحوادث والضحايا على مناطق ملوثة في محافظات لحج وتعز والبيضاء ومأرب والجوف وصعدة وحجة.
وبحسب تصريح المدير التنفيذي للمرصد فارس الحميري، فإن الألغام لا تزال تفتك بالمدنيين بشكل شبه يومي، وأن هناك حاجة ملحة للبدء بإجراءات إزالتها بوصفها ركيزة أساسية في حماية المدنيين، وإعادة دورة الحياة الطبيعية، وشرطاً أولياً لتحقيق الأمان والسلام في البلاد.
ونوه المرصد إلى أن جهود السلام في اليمن تبدأ من محددات أساسية، وإزالة المخاطر اليومية المحدقة بالسكان، داعياً الجهود الدولية والإقليمية كافة إلى وضع ملف الألغام ضمن أولويات أي جهود للحل في اليمن.
وأعلن أسامة القصيبي مدير عام المشروع السعودي لنزع الألغام في اليمن (مسام)، أنه ومنذ بدء عمل المشروع في منتصف عام 2018، نجح في إزالة نحو 450 ألف لغم وعبوة متفجرة، بما في ذلك ألغام مضادة للأفراد، وأخرى مضادة للدبابات، وذخائر غير متفجرة، وعبوات ناسفة تشكل خطراً جسيماً على حياة المدنيين، وتهدد الاستقرار والتنمية في اليمن.