تقدير موقف: سمعة الرئاسي على المحك.. الانتصار للموقف الشعبي أو الانتحار على مقصلته
السياسية - Sunday 21 July 2024 الساعة 09:12 amمنذ ما يقارب الأسبوع يعيش الشارع اليمني حالة من الترقب والحيرة إزاء الغموض الذي ما زال يحيط بالقرار النهائي لمجلس القيادة الرئاسي بخصوص طلب المبعوث الأممي إلى اليمن، هانس جروندبرج، إيقاف أو تأجيل قرارات البنك المركزي في عدن لإصلاح القطاع المصرفي.
لم يعلن مجلس القيادة الرئاسي أو البنك المركزي اليمني بنسخته الشرعية في عدن، أي معلومات مؤكدة حول قبول الطلب الأممي بالتراجع عن قرارات البنك أو تأجيل تنفيذها. وما نشرته وكالة الأنباء الحكومية "سبأ" -بنسختها الشرعية- عن اجتماع المجلس الرئاسي لمناقشة الطلب الأممي، زاد من غموض الموقف الرسمي، حيث أفادت الوكالة بأن مجلس القيادة الرئاسي قرر "التعاطي" مع رسالة المبعوث الأممي، دون أن توضح طبيعة هذا التعاطي هل هو بقبول الطلب أم رفضه، وفي حالة قبوله هل وافق المجلس على التراجع عن القرارات أم تأجيل تنفيذها؟
>> العُملة على خطى الجواز.. خطورة التراجع عن قرارات البنك المركزي
هذه الحالة من الضبابية تزامنت مع تحركات شعبية في المحافظات المحررة، حيث خرجت مسيرات جماهيرية في عدد من المحافظات المحررة لتأييد قرارات البنك المركزي ومواصلة إصلاح القطاع المصرفي وإنهاء الانقسام النقدي الذي يكبد المواطنين خسائر فادحة بشكل يومي، سواء في المحافظات والمناطق المحررة أو في مناطق سيطرة المليشيا الحوثية. وإضافة لذلك، شهدت مواقع التواصل الاجتماعي حملات إلكترونية مكثفة داعمة لقرارات البنك ولم تقتصر على النشطاء المقيمين في المناطق المحررة أو خارج اليمن، بل شارك فيها مئات النشطاء من المقيمين في مناطق سيطرة الحوثيين حتى ولو بأسماء مستعارة.
الشعب لا يحب القيادة المترددة
خلال الأيام التالية لاجتماع مجلس القيادة الرئاسي وإعلانه "التعاطي" مع رسالة المبعوث الأممي بخصوص قرارات البنك المركزي، استمر الزخم الشعبي المؤيد لهذه القرارات، وارتفع صوت هذا الزخم محذّرا من التراجع عنها، ومع ذلك، لم يواكب مجلس القيادة أو البنك المركزي هذا التفاعل الشعبي بأي بيان يتم التأكيد فيه على تمسك السلطة الشرعية بقراراتها السيادية، كما لم يصدر أي بيان أو تصريح حكومي لاطلاع الشعب على حجم الضغوط الدولية على المجلس الرئاسي للتراجع عن قرارات البنك.
تجاهل السلطة الشرعية للبلاد لحجم التفاعل الشعبي الكبير المؤيد لقراراتها دفع العديد من النشطاء والمحللين إلى رفع مستوى التحذير من التراجع عن القرارات إلى تنبيه مجلس القيادة أن الشعب لا يحب القيادة المترددة، وأن خيبة الأمل التي سيتعرض لها الشعب هذه المرة ستكون عواقبها وخيمة مقارنة بحجم تفاؤله بانتعاش القرار السيادي للحكومة الشرعية بعد 10 سنوات من الركود.
تقدير موقف حاد
قد يكون تقدير الموقف في هذه الورقة حادا تجاه مجلس القيادة الرئاسي والحكومة الشرعية، لكن هذه الحدة هي انعكاس لطبيعة الموقف الشعبي المعبّر عنه بقوة والذي يجب على المجلس الاستفادة منه في مواجهة أي ضغوطات عليه للتراجع عن قرارات إصلاح القطاع المصرفي:
1- إن استمرار مجلس القيادة والحكومة في التزام الصمت أمام التساؤلات الشعبية عن مصير قرارات البنك المركزي، لا يخدم الهدف الذي سبق أن وضعه المجلس ضمن مهامه لهذه المرحلة وعبّر عنه مرارا وتكرارا، والمتمثل باستعادة ثقة المواطن اليمني بالحكومة الشرعية. هذه القرارات هي فرصة لمجلس القيادة وللحكومة في إثبات استحقاقهما للثقة الشعبية، حيث يجب عليهما إحاطة الشعب علما بطبيعة التعاطي الرسمي مع رسالة المبعوث الأممي، وإذا كان تعاطيا إيجابيا بالكامل، فعليهما إعلان حجم الضغوط التي دفعتهما إلى ذلك. في هذا الجانب، سوف يضرب التراجع عن القرارات مصداقية الأهداف المعلنة للمجلس الرئاسي، من استعادة مؤسسات الدولة إلى بناء نموذج الدولة الجديرة بثقة المواطن والمجتمع الدولي... وغير ذلك من الأهداف التي تعلقت بها آمال الشعب.
2- بالمقابل، فإن أي تراجع عن قرارات البنك يعني أن مجلس القيادة يستجيب للضغوط الخارجية ويتجاهل الضغوط الشعبية التي هي مصدر قوته الحقيقي، وما دامت المظاهرات الشعبية المؤيد لتنفيذ القرارات قد خرجت في مناطق سيطرة كل من: مدينة تعز حيث سيطرة حزب الإصلاح الذي يمثله في مجلس القيادة عبدالله العليمي، وفي الخوخة والمخا حيث سيطرة المقاومة الوطنية التي يقودها عضو المجلس طارق صالح وقوات العمالقة التي يقودها عضو المجلس عبدالرحمن المحرمي، وفي مأرب حيث سيطرة حزب الإصلاح أيضا ومصدر القوة الشعبية لعضو المجلس سلطان العرادة، وبما أن المجلس الانتقالي الجنوبي الذي يرأسه عضو مجلس القيادة عيدروس الزبيدي قد حذر من "النتائج السلبية التي قد تترتب على الواقع الاقتصادي والسياسي في حال إيقاف أو تعليق قرارات البنك المركزي، وإجراءات وزارة النقل ووزارة التخطيط ووزارة الاتصالات، إضافة للثقل السياسي والشعبي والقبلي لعضوي المجلس فرج البحسني وعثمان مجلي؛ فإن أعضاء المجلس السبعة مطالبون بترجمة موقفهم الداعم لتنفيذ قرارات البنك من خلال الدفع باتجاه قرار جماعي للمجلس بعدم التراجع عن قرارات البنك والوزارات السيادية الأخرى، كما يتوجب على رئيس المجلس د. رشاد العليمي إدارة هذا التوافق في المجلس لإنجاز صيغة سياسية للقرار تتفادى أي ضغوط دولية وتعكس حجم التوافق السياسي والشعبي حول قرارات البنك.
3- بما أن رسالة المبعوث الأممي طلبت من مجلس القيادة تأجيل تنفيذ قرارات البنك إلى نهاية أغسطس 2024، قد يتسامح الموقف الشعبي الداعم للقرارات مع المجلس في حالة اتخاذ قرار بالتأجيل، لكن التراجع النهائي عن تنفيذ القرارات أو إلغائها، أو حتى التساهل في تنفيذها بعد انتهاء مهلة التأجيل، قد يؤدي إلى نتائج عكسية لما كان يمكن أن يتحقق من إصلاح للقطاع المصرفي. حيث يمكن أن يزداد الانقسام النقدي ويتسارع انهيار العملة الوطنية في المناطق المحررة.
4- ولأن التدخل الأممي بطلب إيقاف أو تأجيل تنفيذ قرارات البنك قد تزامن مع تهديد زعيم المليشيا الحوثية بإشعال جولة جديدة من الحرب، بما في ذلك على المصالح السعودية في أراضيها، فإن الاستجابة للطلب الأممي سوف تظهر مجلس القيادة الرئاسي في موقف ضعيف للغاية، سواء من حيث القدرة السياسية والدبلوماسية أو من حيث القدرة على المواجهة العسكرية. وسوف يشمل مظهر الضعف هذا المملكة العربية السعودية أيضا.
5- قد يحتاج مجلس القيادة الرئاسي إلى دراسة خيارات متعددة لحماية على مصالح المواطنين في مناطق سيطرة مليشيا الحوثي من أي أضرار جانبية لقرارات البنك المركزي، إضافة إلى تكثيف خطابات وتصريحات طمأنة المواطنين بأن حياتهم لن تزيد تعقيدا بسبب قرارات البنك. سوف تفيد التصريحات المصورة لرئيس مجلس القيادة ومحافظ البنك المركزي في هذا الجانب، حيث يتطلب الموقف إصدار تصريحات قصيرة ومركزة مرة إلى مرتين أسبوعيا لمواكبة التفاعل الشعبي ومنح المواطنين معلومات موثوقة من القيادة مباشرة.
6- أخيرا، إن عدم مواكبة مجلس القيادة الرئاسي والحكومة والبنك المركزي للتفاعل الشعبي مع هذه الإصلاحات، سوف تقوّي المليشيا الحوثية شعبيا وسياسيا، ولا يستبعد أن تتمادى أكثر في البحث عن مصادر قوة اعتمادا على التهديد بتصعيد الوضع عسكريا أو بشن هجمات تصعيدية كبيرة فعلا على السعودية والمناطق المحررة لكي تثبت جديتها في تنفيذ تهديداتها. هذا الظهور بحد ذاته للمليشيا الحوثية في موقف من ينفذ تهديداته، يشكل خطرا وجوديا على مجلس القيادة الرئاسي، وقد بدأ الشارع اليمني يتذكر تنازلات سيادية سابقة أقدم عليها المجلس لصالح المليشيا الحوثية، على غرار قبول إصدارها لجوازات السفر من مناطق سيطرتها.
7- كل هذه التعقيدات تضع سمعة مجلس القيادة الرئاسي على المحك: سيكون من الصعب ترميم تصدع ثقة المواطنين به فيما لو تراجع عن هذه القرارات في هذه المرحلة من الإصلاحات، كما أنه لن ينجو من استخفاف المجتمع الدولي بقدرته كسلطة شرعية على القيادة. سوف تصب أي إخفاقات من هذا النوع في مصلحة المليشيا الحوثية، خاصة أنها أصبحت تدفع نشطاءها إلى المقارنة بين قيادتها والقيادة الشرعية.