فرص السلام اليمني.. متغيرات الميدان ورغبة العالم

السياسية - Monday 03 December 2018 الساعة 01:44 pm
صنعاء، نيوزيمن، جلال محمد:

يواصل المبعوث الأممي إلى اليمن مارتن غريفيث، بالإضافة للضغوطات الأمريكية البريطانية مساعيهم الحثيثة للتوصل لوقف إطلاق النار في اليمن وجمع الفرقاء السياسيين على طاولة حوار للتوصل لحل سياسي للأزمة اليمنية التي تسبب فيها انقلاب جماعة الحوثي وسيطرتهم على مؤسسات الدولة منذ سبتمبر 2014.

وتأتي هذه التحركات الدولية الحثيثة، في ظل التقدم الذي تحققه القوات الحكومية وفصائل المقاومة الوطنية في الساحل الغربي وصعدة والبيضاء، والتقدم السريع باتجاه الميناء الرئيس المتبقي تحت سيطرة الجماعة الحوثية في محافظة الحديدة على وجه الخصوص.

دعوات في ظل متغيرات ميدانية

كل الدعوات الدولية التي جاءت وبشكل متسارع وغريب مع التقدم العسكري الكاسح لقوات العمالقة وحراس الجمهورية والمقاومة التهامية صوب ميناء الحديدة، وسط تأكيدات القادة العسكريين المحليين وقوات التحالف باقتراب الحسم العسكري، وعدم التراجع هذه المرة، إلا أن الضغوطات الدولية والمساعي البريطانية المشبوهة تعكس رغبة المجتمع الدولي، خصوصاً بريطانيا، في الإبقاء على الحوثيين واستمرار الصراع.

خصوصاً وأن مسودة مشروع القرار البريطاني الذي قدم لمجلس الأمن يتحدث عن الحديدة فقط وضرورة وقف المعارك فيها بدعوى المخاطر الإنسانية، الأمر الذي اعتبره مراقبون للشأن اليمني أن ما ترمي إليه بريطانيا سيمنح الحوثي وقتاً لإعادة التموضع، وبالتالي خروجه هو من دائرة الفعل والعمليات العسكرية.

ومن يتتبع مجريات الأحداث والتطورات العسكرية خلال الفترة التي تلت تعنت الحوثيين ورفضهم الحضور والمشاركة في محادثات جنيف الأخيرة، يدرك أن الانتصارات الأخيرة التي حققتها المقاومة الوطنية، مسنودة بدعم من التحالف العربي في محافظة الحديدة، أعادت تأكيد أن الطريق إلى السلام يبدأ من هذه المحافظة، وأن معركة تحريرها لا تقاس فقط بالجانب العسكري، بل بكسر شوكة المتمردين، الذين يرفضون الحلول السلمية، ولكن ما إن تأكد لهذه الجماعة أنها ستخسر الحديدة التي تعد المورد المالي والعسكري الأكبر للجماعة حتى بدأت تناشد العالم بضرورة وقف العمليات العسكرية للمقاومة والتحالف تحت مبرر الوضع الإنساني واستعدادها للانخراط في محادثات السلام المزمع انطلاقها في مطلع ديسمبر، وأبدت الجماعة موافقتها لتسليم الميناء للأمم المتحدة والإشراف عليها بعد أن كانت ترفض كل ذلك سابقاً.

شروط الحوثي ومراوغاته مقابل المشاركة في محادثات السويد

على وقع الخسائر الكبيرة التي تعرضت لها مليشيات الحوثي في مختلف الجبهات المشتعلة (الحديدة - صعدة - البيضاء - والضالع) وعدم قدرتهم على الحشد لسد النقص الحاد، لاحت فرصة إنقاذ جديدة للجماعة لالتقاط الأنفاس، تمثلت تلك الفرصة في القرار البريطاني والدعوات الأمريكية لوقف القتال، لتبدأ الجماعة مسلسل كذبها المعتاد وتسويق الفتور في جبهة الساحل الغربي خصوصاً على أنه توقف تام تحت وقع ضرباتها وتسللات مقاتليها، وبدأت في نسج قصص الانتصارات المصورة التي اعتادت عليها الجماعة رغم عجزها في استعادة متر واحد من الأراضي التي خسرتها داخل مدينة الحديدة.

ومع وصول المبعوث الأممي مارتن غريفيث إلى صنعاء بدأت الجماعة في اشتراطاتها للموافقة على إجراء محادثات سلام على أن يوافق التحالف والحكومة اليمنية بإخراج 50 جريحاً من الجرحى التابعين للجماعة، ووافق التحالف على هذا الطلب ليكشف للعالم مرة أخرى تعنت الجماعة واشتراطاتها التي لا تنتهي، أراد التحالف أن يمنح العالم دليلاً آخر على تعنت الحوثيين وعرقلتهم لكل مساعي السلام، ولعل اشتراط عبدالملك الحوثي على المبعوث الدولي أن يتم إخراج الجرحى وضمان إعادتهم أيضاً ودون تفتيش أحد العراقيل.

50 جريحاً تصر الجماعة إخراجهم وربما أكثر وترفض تفتيشهم، واجهه رفض من قبل الحكومة المعترف بها دولياً، حيث صرح وزير الخارجية خالد اليماني أن الحكومة لن تسمح بإخراج وتهريب جرحى إيرانيين ومقاتلي حزب الله إلى خارج اليمن بعد أن أصيبوا في معارك ضد الجيش والمقاومة الوطنية.

ورغم أنهم سبق وأن لمحوا إلى أنهم سيقبلون بسيطرة الأمم المتحدة الكاملة على إدارة الميناء وعمليات التفتيش فيه والإشراف عليه، إن هدأت أو توقفت المعارك هناك، إلا أنهم تراجعوا عن ذلك، فقد صرح عضو المجلس السياسي للجماعة محمد البخيتي أن الجماعة وافقت على رقابة أممية على الميناء وليس إشرافاً مباشراً أو إدارة، ولن تقبل بغير ذلك.

ثمن السلام

إن لكل شيء قيمته وثمنه يحددها مقدار الحاجة إليها وارتفاع الطلب عليها وهو ما يجعل ثمن السلام في اليمن غالياً إن لم تتحل أطراف الصراع بالمرونة في التعاطي مع الواقع والقدرة على خلق البدائل والشجاعة لتقديم التنازلات في محادثات السويد المقبلة، وعلى الحوثي أن يدرك تماماً أنه لن يستطيع السيطرة على اليمن وترويض الشعب اليمني وفق مصالحه وأيديولوجيته المخالفة لقيم الشعب اليمني، وأنه مهما طال بطشه لن يستطيع الحكم بقوة السلاح، فبالسلاح سيرحل يوماً ما وتكون نهاية المستقوين بالسلاح والتطرف نهاية وخيمة ومخزية، ومن الضروري أن تفهم الأطراف جميعها أن عليهم تحمل مسؤولياتهم الأخلاقية تجاه الشعب والوطن الذي ناله الكثير بسبب الصراع القائم، وأن التأريخ لن يسامح من كان سبباً في استمرارية هذا الصراع وتمسكه برأيه وفكره دون تقديم أي تنازلات في طريق السلام، تلك هي أهم المعطيات التي يدركها الخصوم جيداً، وهي ما تجعل كل طرف يصر على استخدام القوة العسكرية بغية تغيير قيم طرفي المعادلة والفوز بعرض السلام بدلاً من المطالبة به، وهذا ما يتلمسه ويترقبه المبعوث الأممي لليمن مارتن غريفيث، الذي يحاول استغلال التغيرات الميدانية وتوظيفها للتقريب بين الفرقاء اليمنيين، على الرغم من أن غريفيث والمجتمع الدولي ينشط بشكل ملحوظ وباعث للشك والريبة كلما اشتد الخناق على الحوثيين.

يعول التحالف والمجتمع الدولي على أن ما تم إحرازه من ضغط وتقدم عسكري قد يؤدي بالغرض المرجو منه وهو دفع الحوثيين إلى طاولة السلام، فهل تكون مشاورات السويد المحطة الأولى للوصول للسلام اليمني المنشود.