جهاز الأمن الوقائي، مجلس التلاحم القبلي ومجلس حكماء وعقلاء اليمن

السياسية - Thursday 06 December 2018 الساعة 12:53 pm
صنعاء، نيوزيمن، سمير الصنعاني

مشرفو المليشيات

مع سيطرة المليشيا الحوثية على مؤسسات الدولة عقب اقتحامها للعاصمة صنعاء، ظهر أسلوب وشكل جديد من أساليب الملشنة التي ابتدعتها الحركة الحوثية ضمن تنفيذ مشروعها الذي يستهدف تدمير مؤسسات الدولة، وهو ما عرف بالمشرفين الذين أوكلت إليهم مهمة الإشراف على أداء الوزارات والمصالح والمرافق الحكومية على المستويين المركزي والمحلي.

وأخذ أسلوب الملشنة المعروف بالمشرفين وجهين: الأول خفي، حيث أوكلت إلى قيادات الصف الأول لمليشيا الحوثي منصب مشرف على الجهات والوزارات العليا في الدولة وبشكل غير معلن، فيما اتخذ الوجه الآخر شكلاً معلناً ومعروفاً من خلال منح عناصر تابعة للمليشيا منصب مشرف في إطار المؤسسات والمرافق الحكومية التابعة للوزارات والسلطات المحلية والتي شملت مختلف الجهات والمؤسسات خصوصاً المؤسسات الإعلامية والمالية والايرادية.

وإيغالاً في مشروع استهداف وتدمير مؤسسات الدولة أصبح أداء هذه الأخيرة مرهوناً بقرارات مشرفي المليشيا، وبات من المستحيل على أية مؤسسة حكومية أن تقدم خدماتها للمواطنين أو تنجز معاملاتهم دون موافقة وتوقيع المشرف الحوثي، مع أن معظمهم، إن لم يكن جميعهم، جاواء من خارج إطار المؤسسات ولا يمتلكون أي مؤهلات أو كفاءات أو أية خبرات بالعمل، فضلاً عن كونهم صغار السن ومعظمهم مقاتلون وينتمون إلى محافظة صعدة.

وعلى الرغم من سيطرة مليشيا الحوثي على القرار وإدارتها لشؤون السلطة سواءً خلال تولي ما تسمى باللجنة الثورية العليا، أو عقب تشكيل المجلس السياسي الأعلى وحكومة الإنقاذ، إلا أنها حرصت على إبقاء المشرفين التابعين لها يمارسون صلاحياتهم حتى على القيادات التابعة للمليشيا والتي عينت في مؤسسات الدولة، وهو ما مثل ليس حجر عثرة في طريق عمل المؤسسات الحكومية، وأسلوباً لاستشراء وتفشي الفساد فحسب، بل وعكس حقيقة الاتهامات الموجهة للمليشيا بسعيها لملشنة الدولة وتحويلها إلى مجرد هياكل تخدم مصالحها وأهدافها ومشروعها السياسي العنصري والمذهبي الذي يعارضه اليمنيون بمختلف توجهاتهم وانتماءاتهم.

- جهاز الأمن الوقائي

جهاز الأمن الوقائي هو أحد الهياكل التنظيمية التي أنشأتها مليشيات الحوثي عقب سيطرتها على السلطة في إطار تنفيذ مشروعها الذي يستهدف تدمير مؤسسات الدولة، أو إقامة دولة خاصة بالمليشيا داخل هياكل الدولة الرسمية.

وتؤكد مصادر أمنية لنيوزيمن، أن مليشيا الحوثي، وعقب سيطرتها على جهازي الأمن السياسي والأمن القومي والاستفادة من إمكانيات الجهازين المعلوماتية واللوجستية والفنية، عمدت إلى تكوين جهاز أمني خاص بها أطلق عليه الأمن الوقائي.

وحسب المصادر فإنه ورغم تعيين المليشيا لعناصر تابعة لها في جهازي الأمن القومي والأمن السياسي والمخابرات العسكرية، إلا أن ثقتها بمنتسبي هذه الأجهزة تكاد تنعدم، فعمدت إلى الاستفادة من صلاحيات قياداتها التي تدير هذه الأجهزة لخدمة مشروع جهاز الأمن الوقائي الخاص بها وتزويده بكافة البيانات والمعلومات الاستخبارية.

ومع أن مليشيا الحوثي تعمد إلى استخدام صلاحيات جهازي الأمن القومي والسياسي وجهاز الاستخبارات العسكرية في تنفيذ المهام الأمنية كعمليات التجسس والمراقبة والاعتقالات للمخالفين والمعارضين لها، إلا أن المصادر الأمنية تؤكد أن من يتولى إدارة العمليات وتوجيه التعليمات وإصدار القرارات هي قيادات المليشيا المسؤولة عن جهاز الأمن الوقائي للحركة.

وتضيف المصادر أن هذا الجهاز الذي يرتبط مباشرة بمكتب زعيم المليشيا عبدالملك الحوثي، ويملك صلاحيات واسعة جداً للحصول على المعلومات من أية جهة رسمية أو غير رسمية، كما يملك صلاحيات للقيام بأي مهام مهما كانت مخالفة للدستور والقوانين، وبغض النظر عن حجم وطبيعة الانتهاكات التي قد تمارس لحقوق الإنسان.

ووفقاً لذات المصادر فإن عناصر جهاز الأمن الوقائي للمليشيات الحوثية هم من يتولون عملية التحقيقات والتعذيب لكل الأشخاص الذين تعتقلهم المليشيا بحجج ومبررات من قبيل الزعم بارتباطهم بالخارج وعمالتهم وتقديمهم معلومات وإحداثيات لقوى التحالف، بل إن تلك العناصر تمارس عملية تعذيب ممنهجة بحق ناشطي وقيادات صحفية اعتقلتهم المليشيا على خلفية ممارستهم لعمليات انتقادات لسياسات المليشيات على صفحاتهم على مواقع التواصل الاجتماعي.

ووفقاً للمصادر الأمنية التي تحدثت لنيوزيمن، فإن معظم قيادات جهاز الأمن الوقائي للمليشيا الحوثية هم من الأسر الهاشمية من محافظة صعدة بدرجة رئيسة وممن خاضوا معارك التمرد ضد الدولة خلال الحروب الستة، وبدرجة ثانية من أبناء الأسر الهاشمية من المحافظات الأخرى.

وبالإضافة إلى ممارسة العمليات الاستخباراتية والانتهاكات الممنهجة لحقوق الإنسان التي يمارسها عناصر جهاز الأمن الوقائي الحوثي، فإنهم يستغلون مناصبهم وصلاحياتهم في ممارسة عمليات ابتزاز وفساد غير مسبوق تقول المصادر التي تضيف إن كثيراً من قيادات هذا الجهاز تتولى اعتقال مواطنين والتحقيق معهم وتعذيبهم بتهم كيدية وتستغل ذلك كمبرر لممارسة عمليات ابتزاز مالي بحقهم حيث يدفعون لهذه القيادات ملايين الريالات مقابل الإفراج عنهم، وهو الأمر الذي أكدته منظمة (هيومن رايتش ووتش) في تقارير لها تضمنت انتهاكات المليشيات الحوثية لحقوق الإنسان، ومن ضمنها عمليات الابتزاز المالي لأسر المعتقلين.

لكن المصادر الأمنية تحذر من أن خطورة جهاز الأمن الوقائي للمليشيات الحوثية يكمن في حجم المعلومات والبيانات التي جمعها ويجمعها بخصوص القيادات السياسية والقيادات الإدارية والتنفيذية والتشريعية والمحلية والشخصيات الاجتماعية والقيادات الإعلامية والثقافية والنشطاء، ناهيك عن المعلومات المتعلقة بالمواطنين العاديين والكيفية التي سيتم بها استخدام هذه المعلومات من قبل المليشيات مستقبلاً، حيث قد يمكنها ذلك في تنفيذ عمليات اغتيالات وتصفيات للمعارضين لها، أو ممارسة عمليات ابتزاز بحق آخرين، أو ممارسة عمليات تهجير قسري بحق البعض أو ما إلى ذلك من الانتهاكات لحقوق الإنسان.

- مجلس التلاحم القبلي

استغلت مليشيات الحوثي الأزمة السياسية التي شهدتها البلاد مطلع العام 2011م للإعلان عن نفسها بشكل علني والمشاركة في ساحات التظاهر التي أقامتها أحزاب المشترك في ساحة الجامعة بالعاصمة صنعاء وبعض المحافظات، قبل أن تعلن معارضتها لمشروع التسوية السياسية لنقل السلطة سلمياً من خلال المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية.

ولعبت التطورات التي أعقبت انتقال السلطة والمواقف المهادنة التي أعلنتها الدولة تجاه حركة الحوثي والتي وصلت حد إصدار الحكومة اعتذاراً رسمياً للمليشيا الحوثية عن حروب الدولة ضد تمردها في فتح شهية المليشيات لمواصلة إجراءات تنفيذ مشروعها على الواقع من خلال التمدد العسكري المليشياوي بشكل غير مسبوق.

وفيما كانت القوى السياسية تتصارع فيما بينها، وقيادة الدولة والحكومة تقدم التنازلات لمليشيا الحوثي كانت الأخيرة تنفذ خططاً ممنهجة في طريق سعيها للاستيلاء على السلطة وتدمير مؤسسات الدولة، وهو ما اتضح من خلال إنشاء المليشيات لما يسمى بمجلس التلاحم القبلي الشعبي الذي يعد أول الكيانات غير الرسمية التي أسستها المليشيا لخدمة مشروعها في الاستيلاء على السلطة.

وخلال الفترة من 28 – 29 ديسمبر من العام 2012م شهدت محافظة صعدة، معقل مليشيا الحوثي، لقاءً ضم الآلاف من مشايخ وأعيان ووجهاء القبائل من مختلف محافظات الجمهورية، كما قال إعلام المليشيا حينها، توج بإشهار ما سمي (مجلس التلاحم القبلي الشعبي) الذي قالت مليشيات الحوثي، حينها، إنه كيان يهدف إلى استعادة دور القبيلة في بناء المجتمع وفق أسس وطنية مستمدة تعاليمها من روح الإسلام الحنيف، والعمل من أجل تفعيل دور القبيلة اليمنية في الحفاظ على أمن واستقرار اليمن، والدفاع عن السيادة اليمنية، ومنع الفوضى الأمنية الحاصلة في عدد من المحافظات، ومنع استخدام القبيلة كأداة للتقطعات والفوضى، ومنع استثمار القبيلة من قبل أي جهات لصالح قوى خارجية، ورفض السياسة القائمة على أساس الاستقواء بالخارج لفرض مسارات معينة تجاوز خيارات الشعب، بما فيه القبيلة، وإلى إيجاد مصالحة عامة بين القبائل اليمنية بهدف القضاء على الثارات، والصراعات القبلية، داخل القبيلة نفسها، وحل الخلافات بين القبيلة والدولة.

وفيما كان الكثيرون يرون أن هذا المجلس لن يعدو أن يكون بمثابة ملتقى أو منظمة ذات طابع مدني يحقق الأهداف التي أعلنت المليشيا الحوثي أنها وراء تأسيسه، كانت المليشيا تخطط لتحويل واستخدام هذا الكيان لخدمة أهدافها ومصالحها السياسية والمذهبية ومشروعها العسكري المسلح.

وعلى مدى قرابة العامين عمدت مليشيات الحوثي للاستفادة من الفراغ السياسي والثقافي والفكري الرسمي والسياسي والمدني تجاه أبناء القبائل في ملء هذا الفراغ وتحويل (مجلس التلاحم القبلي الشعبي) إلى أداة من أدواتها للسيطرة على القبائل وتحويلها إلى مناصر لمشروعها، أو على الأقل تحييدها من الوقوف ضد تحركاتها العسكرية المليشياوية المسلحة، وهو ما تم فعلاً مع تحرك مليشيات الحوثي عسكرياً، وخوضها مواجهات عسكرية مسلحة ضد خصومها بدءاً من معاركها ضد سلفيي دماج، مروراً بمعاركها ضد معسكرات الجيش والأمن في صعدة، وقتال خصومها من مشايخ القبائل في عمران والجوف، وصولاً إلى إسقاطها لمعسكرات الدولة في عمران وحصارها العاصمة صنعاء ثم إسقاطها واستيلائها على مؤسسات الدولة وانتهاءً بسيطرتها على السلطة وتمدد سيطرتها العسكرية على معظم محافظات الجمهورية.

ولعب (مجلس التلاحم القبلي الشعبي) دوراً مسانداً لمليشيات الحوثي سواءً في تحييد أبناء القبائل عن مواجهتها عسكرياً، أو في حشدهم لمناصرتها والقتال إلى جانب مليشياتها، أو في إيجاد حاضنة قبلية ومذهبية مكنت المليشيا من نشر فكرها المذهبي والسياسي في أوساط شباب وأبناء القبائل الذين تحولوا فيما بعد إلى مقاتلين في صفوف ما تسمى باللجان الشعبية.

ومنذ اليوم الأول لسيطرتها على السلطة أدركت مليشيات الحوثي أهمية استمالة المشايخ وقيادات القبائل إلى صفها من أجل مساعدتها في ترسيخ سيطرتها على السلطة ومنع ظهور أية مقاومة لانقلابها من خلال شراء ولاءات مشايخ القبائل، أو دعم مشايخ جدد على حساب آخرين، أو منح البعض مناصب في إطار حركتها كمشرفين وممثلين لما تسمى باللجان الثورية والشعبية، أوتعيين بعضهم في مناصب رسمية تنفيذية.

ومع انطلاق حرب التحالف العربي بقيادة السعودية والإمارات ضد مليشيات الحوثي تحول مجلس التلاحم القبلي الشعبي إلى أداة من أدوات الحشد التي تستخدمها مليشيا الحوثي لحشد المقاتلين لصفوفها مستخدمة الإغراءات المالية تارة، والقوة والتهديد تارة أخرى، ومنح مناصب وتعيينات وخاصة في مجلس الشورى للمشايخ المنضوين في إطار هذا المجلس والذين يؤدون دور تعزيز الجبهات بمقاتلين في صفوف المليشيا.

وباستثناء موقف بعض المشايخ الذين لا يتجاوزون عدد أصابع اليد فإن موقف مشايخ قبائل طوق صنعاء خلال انتفاضة الثاني من ديسمبر التي أعلنها الزعيم الشهيد علي عبدالله صالح رئيس المؤتمر الشعبي العام ضد مليشيات الحوثي بعد أن هاجمت منزله وتخاذلهم عن اتخاذ أي مواقف ضدها أكد، بما لا يدع مجالاً للشك، مدى الاستفادة التي حققتها المليشيا من خلال ما يسمى بـ(مجلس التلاحم القبلي الشعبي) الذي كان له دور في تحييد أبناء القبائل في تلك المواجهة، أو انخراطهم في دعم مليشيات الحوثي ضد الرئيس السابق صالح والذي حصل معظم، إن لم يكن كل، أولئك المشايخ على امتيازات وأموال ومصالح خلال عهده أولها الإثراء المالي وليس آخرها التحول إلى تجار وأصحاب شركات واستثمارات بعضها يتجاوز اليمن.

- مجلس حكماء وعقلاء اليمن

رغم أن اتفاق الشراكة الموقع بين المؤتمر الشعبي العام وحركة الحوثي نص على إعادة عمل السلطة التشريعية ممثلة بمجلسي النواب والشورى وتشكيل سلطة تنفيذية تدير شؤون البلاد وفقاً لنصوص الدستور والقوانين النافذة، إلا أن مليشيات الحوثي سرعان ما عمدت إلى الالتفاف على نصوص الاتفاق والعمل على استغلاله لشرعنة مشروعها في السيطرة على السلطة وإقصاء الكوادر الوطنية وفي مقدمتهم كوادر شريكها المؤتمر الشعبي العام.

ومع أن عودة مجلس النواب للعمل مكن مليشيات الحوثي من الحصول على نوع من الشرعية التي منحها المجلس للمجلس السياسي وحكومة الإنقاذ، إلا أن المليشيا ظلت ترى في مجلسي النواب والشورى وإصرارهما على الالتزام بالدستور والقوانين في التعاطي مع إجراءات السلطة التنفيذية بمثابة الصداع الذي يجب إزالته بأي شكل من الأشكال، ولذلك سعت مليشيا الحوثي لإنتاج وتأسيس كيان يوازي السلطة التشريعية من خلال دعوتها لعقد مؤتمر حكماء وعقلاء اليمن والسعي لإعطاء هذا الكيان صلاحيات ومهام تقع في صلب مهام واختصاصات السلطة التشريعية ممثلة بمجلسي النواب والشورى.

ومع أن مليشيا الحوثي نجحت في استخدام مجلس التلاحم القبلي الشعبي وإمكانيات الدولة في الحشد لعقد لقاء لما أسمته لقاء حكماء وعقلاء اليمن في العاشر من رمضان الموافق الخامس من يونيو 2017م، إلا أن الخلاف بين مليشيا الحوثي والمؤتمر الشعبي العام الذي رفض منح هذا الكيان أي شرعية أو صلاحيات من شأنها الالتفاف على صلاحيات مجلسي النواب والشورى أدت إلى تحويل اللقاء إلى ما يشبه مهرجاناً احتفائياً، دون أن تتمكن المليشيا من تحويله إلى مؤسسة ذات صلاحيات.

لكن في المقابل فإن مليشيات الحوثي عمدت إلى استغلال المشايخ والشخصيات التي انضوت في إطار اللجان المنبثقة عن اللقاء في خدمة مشروعها من خلال تحويلهم إلى أدوات لمساندتها في حشد المقاتلين إلى الجبهات، أو حشد المشاركين في التظاهرات التي تدعو إليها، أو الاحتفالات بالمناسبات المذهبية الخاصة بها كالمولد النبوي، ويوم الغدير، ويوم الصرخة... إلخ.

وعموماً، فإن الدور المناط بما يسمى مجلس حكماء وعقلاء اليمن هو امتداد لدور ما يسمى مجلس التلاحم القبلي الشعبي، حيث يُستخدمان هذان الكيانان في خدمة أجندة المليشيات الحوثية بشتى الوسائل والأساليب، مقابل الحصول على مصالح مادية أو تعيينات في بعض المؤسسات الرسمية وخصوصاً مجلس الشورى، أو تمكين بعض المشايخ ممن لهم مصالح تجارية من الحصول على بعض التسهيلات مقابل دعمهم للمليشيا.

اقرأ الجزء الاول: 

 عن المرشد واللجان الثورية واللجان الشعبية