ما الذي يجعل بريطانيا تُنافح عن إيران ووكلائها في المنطقة؟ "إيران في الوثائق السرية البريطانية"

السياسية - Tuesday 12 February 2019 الساعة 10:31 pm
نيوزيمن، متابعة:

قبل أن نأخذ في المضي مع التقرير (تلخيصاً له) من نقطة البداية التي وضعها كاتبه لـ"بي بي سي" في لندن عامر سلطان، نسأل بدورنا: ما الذي يدفع بريطانيا للتدخل ووضع ثقلها خلف وكلاء إيران المحليين وأدواتها الجارحة في المنطقة وخصوصاً الحوثيين في اليمن؟

جزء مهم من الإجابة، وليس كلها بالطبع توفره المعلومات في التقرير التالي الذي كتب على ضوء وثائق سرية بريطانية تعود إلى حقبة مهمة وقريبة نوعاً ما في التاريخ وليس في مكان بعيد عن اليمن أو الخليج بل في المنطقة والإقليم نفسه، والظروف تكاد تكون متشابهة أو أن الكثير لم يتغير خلال الفترة التي تغطيها الوثائق وحتى الآن.

الولايات المتحدة والتهديدات عالية النبرة تجاه إيران في مقابل بريطانيا التي ترفض وتقف في وجه السياسة الأمريكية وتفرغها من الشحنات ومن المضمون العملي لمصلحة إيران.

واليوم لمصلحة إيران أيضا في المنطقة وانتقالا إلى مصلحة وكلاء وأدوات إيران ومخالبها التي نمت وتمددت في ظل أو بفضل السياسة البريطانية التي كفلت للإيرانيين العمل في مجال حيوي عربي وتتبنى لندن الآن كما في السابق الدفاع عن كل ما هو إيراني.

من المفيد أن يقتنع اليمنيون والخليجيون والعرب بأن هذه ليست نظرية مؤامرة، وإنما تاريخ مكتوب وموثق وسلوك متوارث له جذوره، وهي أبعد حتى مما تكشفه الوثائق محل البحث في العرض التالي.

وربما يكون في التصالح مع الحقائق بعض العزاء للذين يدفنون رؤوسهم في الرمال ويدفعهم إلى التعاطي بجدية مع الحقائق التي تحدث الآن وبين أيدينا، وتكاد تخرج الوقائع التي تخصنا وتعنينا من بين أيدينا.

* إيران في السياسة والوثائق البريطانية

ما الذي يدفع بريطانيا لمعارضة سياسة ترامب تجاه إيران لدرجة تجعلها تقود المساعي الأوروبية لتمكين طهران من الالتفاف على العقوبات الأمريكية؟

إنها أهمية إيران الاستراتيجية لبريطانيا وعموم الغرب، كما تكشف وثائق سرية بريطانية.

ومبرر السياسة البريطانية دائما، هو أن " وجود إيران في المنطقة وسلوكياتها السياسية حقائق حياة".

كانت بريطانيا، على الدوام، تعتقد أن السياسة الأفضل تتمثل في نهج هادئ لا يجذب الأضواء ومحايد تجاه إيران، "فهذا يسمح لنا بالحصول على أقصى ميزة تجارية في المنطقة كلها".

وتشير الوثائق، إلى أن التباين في الرؤيتين البريطانية والأمريكية تجاه إيران يعود إلى أيام حرب الأعوام الثمانية، من 1980 حتى 1988، بين إيران والعراق.

تكشف الوثائق عن أن الولايات المتحدة كان لديها هاجس هو انتصار إيران في الحرب. فعملت جاهدة، عسكريا واقتصاديا، للحيلولة دون ذلك. فقبل أن تنتهي الحرب بعامين، لاحت للأمريكيين مؤشرات على إمكانية أن يتحول الهاجس إلى حقيقة.

وكان أهم المؤشرات هو استيلاء إيران على شبه جزيرة الفاو العراقية في شهر مارس/آذار عام 1986. وحسب الوثائق، فإن الأمريكيين رأوا أن هذا التطور العسكري أعطى إيران "قوة دفع نفسية" جعلتها "لا تبدي إشارة إلى أنها مستعدة لعدم المضي في الحرب".

واستمر هذا الوضع حتى استعاد الجيش العراقي الجزيرة في شهر أبريل/نيسان 1988، أي قبل شهور قليلة من وقف الحرب بالقرار الأممي.

وفي 19 و20 من شهر مارس/ آذار عام 1986، جرت في واشنطن مباحثات أمريكية بريطانية بشأن الحرب. وبدا خلالها واضحا للبريطانيين أن الأمريكيين يخططون للتدخل بطرق، منها القوة العسكرية، لمنع انتصار إيران.

وكان موقف وزارة الدفاع البريطانية واضحا وهو، حسب الوثائق، رفض الاتجاه الأمريكي والإصرار على عدم المشاركة مهما أصر الأمريكيون على المضي فيه.

وبالتقادم ومهما تأكدت جدية المخاوف الأمريكية، غير أن بريطانيا لم تغير موقفها. واعتبرت أنه رغم الحرص على العلاقات الاستراتيجية مع واشنطن، فإن مثل هذا الانخراط سيكون ضد مصالحها في المنطقة.

وفي تقرير عن المباحثات، قالت الوزارة: "كانت الزيارة مفيدة للغاية، خدمت هدفنا في تأكيد مساندتنا الأساسية لسياسة الأمريكيين في الخليج، ولكن أيضا في التعبير عن قلقنا من المخاطر التي ينطوي عليها العمل العسكري المتسرع أو المبالغ فيه".

وأوصت بأنه "لا يجب علينا خاصة أن نُجر إلى دعم عمل عسكري لا يمكننا التحكم فيه، أو أنه في حالة اندلاع أزمة، ربما نضطر لأن نُخيِّب توقعات الولايات المتحدة بشأن المساندة". وأيدت الخارجية البريطانية هذه التوصية.

ووفق وثيقة بعنوان "إيران/العراق/ التخطيط للطوارئ بين المملكة المتحدة والولايات المتحدة"، أكدت الخارجية البريطانية مجددا ضرورة النأي عن أي خطة عسكرية أمريكية للتدخل في مسار الحرب.

وتقول الوثيقة إنه "بينما لدينا مصالح قوية في الحفاظ على قربنا من الأمريكيين -بشأن هذه القضية (الحرب بين العراق وإيران)، بهدف مواكبة التفكير الأمريكي وكذلك محاولة تليين نهجهم- فإن سياسة الحكومة (البريطانية) هي تفادي إجراء نقاش جاد أكثر من اللازم مع الجيش الأمريكي بشأن خطط لعمليات في منطقة الخليج".

وتلخص الوثيقة الهدف النهائي لهذا الموقف من أي تدخل أمريكي محتمل يستهدف منع انتصار إيران، قائلة "خدمة مصالحنا في المنطقة ستكون أفضل على الأرجح لو لم تنظر إلينا دول الإقليم على أننا مشاركون بدرجة وثيقة أكثر من اللازم في التخطيط الأمريكي".

وقالت وزارة الدفاع، في تقرير عن جولة مباحثات لاحقة في واشنطن، إن تأييد بريطانيا لواشنطن يضر بمصالحها. وقالت: "سنقدم على الأرجح أفضل خدمة لمصالحنا في المنطقة لو لم ترنا دول المنطقة من هذه الزاوية (زاوية مشاركة أمريكا في عمل عسكري)".

وفي تقرير كُتب في يوليو/ تموز 1986، قالت إدارة الشرق الأوسط: "بينما تتمتع إيران بأهمية وإمكانات أعظم على المدى البعيد، فإن السياسة الأفضل تتمثل في نهج هادئ لا يجذب الأضواء ومحايد تجاه إيران والعراق. فهذا يسمح لنا بالحصول على أقصى ميزة تجارية في المنطقة كلها".

وبعد جلسة مباحثات جديدة لاحقة بين وفدين أمريكي وبريطاني في لندن بشأن "تقييمي المملكة المتحدة والولايات المتحدة" للصراع، اتفق الجانبان على أن "التصور هو أن إيران دولة كبيرة ومهمة وفي مكانة استراتيجية سيكون من المهم على المدى البعيد أن يكون للغرب علاقات جيدة معها".

ولما أُثير موضوع الضغط الاقتصادي على إيران، أوصت الخارجية البريطانية بأن تحاجج لندن بالقول إن "الضغط على الإيرانيين لوضعهم في موقف صعب اقتصاديا لن يدفعهم إلى التفاوض وسوف يضر بموقف الغرب البعيد المدى".

وتقول وثيقة هاو "تم إبلاغ الأمريكيين بأن سياستنا هي الحياد"، ومبررها هو أن "وجود إيران في المنطقة وسلوكياتها السياسية حقائق حياة"، يعني أنه واقع يجب التعامل معه. وتضيف "فهٍمنا أن هذا الأمر (وجود إيران وسلوكها) تعترف به معظم دول الخليج".