إب.. مقاومة صامتة للمشروع الحوثي يفجِّرها السلاح بين فترة وأخرى

السياسية - Sunday 24 March 2019 الساعة 12:50 pm
إب، نيوزيمن، سهيل القادري:

بمجرد اختتام الخطيب موعظة الجمعة، فوجئ المصلون في المسجد الجامع بالسوق المركزي بمدينة إب بثلاثة في مؤخرة المسجد يرددون بحماس الصرخة الحوثية "الله أكبر، الموت لأمريكا، الموت لإسرائيل......". لم يجد الثلاثة من يشاركهم الهتاف من مئات الحضور، ما جعل أحد الثلاثة يلقي عقب الصلاة محاضرة عن وجوب البراءة من "أعداء الله" وسط تجاهل الحضور ما عدا قلائل بينهم شخص حليق الوجه أبيض الشعر رد بلهجة إبّية، عند تأكيد الواعظ الحوثي ضرورة طاعة ولي الأمر "السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي" في كل شيء بما في ذلك ترديد الصرخة "يا ابني أصحابك شلوا السلطة ونفروا الناس، ما بش دولة بدون شعب".

هذا المسجد في إب، أحد المساجد الكبيرة فيها، كان واحداً من عناوين الرفض للمشروع الحوثي في محافظة إب، حيث سبق أن أخلى المصلون المسجد عند فرض مسلحين حوثيين اعتلاء أحدهم لإلقاء خطبة الجمعة قبل شهور.

لمحافظة إب ميزة عسكرية واقتصادية، مالية بشكل أخص في ظروف الحرب الجارية في اليمن. فهي تقع بين خمس محافظات، منها أربع جبهاتها مشتعلة: الحديدة، تعز، البيضاء، والضالع. وتتمتع بثقل سكاني هو الثالث على مستوى البلاد أهلها لأن تكون كتلة سياسية انتخابية مهمة، إلى جانب تكوينها كتلة ضريبية داعمة في الوقت الحاضر لمالية الحوثيين التي باتت تعتمد بصفة رئيسية على العائدات الضريبية بأنواعها، وأساليب "الفيد" متعددة الصور لجيوب المواطنين، وبسبب النسبة الكبيرة للمغتربين من أبنائها مقارنة بمغتربي المحافظات الأخرى تزايدت الأهمية المالية للمحافظة بالتحويلات للعملة الصعبة.

ومن الناحية القبلية والمذهبية تفصل قلعة سمارة بين المنتمين للمذهب الزيدي بتوجهاتهم القبلية الغالبة، شمالها، وبين المنتمين للمذهب الشافعي، الميالين للقيم المدنية، جنوبها، ويمثل الأخيرون أغلب سكان ومديريات المحافظة.

وفي حين كان التواجد الحوثي في المناطق جنوب القلعة محدوداً ومتأخراً مع استيلاء انقلابهم على السلطة، كانت المناطق شمالها هدفاً مبكراً يمتد إلى أواخر التسعينيات وأوائل العقد الماضي بإقامة "تنظيم الشباب المؤمن" النواة التنظيمية الأولى للحركة الحوثية، مخيمات ثقافية صيفية، ساعدهم في ذلك طرح الحركة لنفسها كطوق إنقاذ للمذهب الزيدي، والاعتماد على الطبيعة القبلية، الوقود القديم لحكم الأئمة، والقديم الجديد لسلطة الحوثيين.

إخفاق شعبي

بعد قرابة شهر من استيلاء الحوثيين الفعلي على السلطة بصنعاء في سبتمبر 2014، توجهت مجاميع من مليشياتهم إلى محافظة إب، وكان في استقبالهم حينها عدد من الوجهاء والمسؤولين المحليين، قبل انكشاف أبعاد المشروع الحوثي. والتأمت قيادات سياسية واجتماعية في المحافظة للخروج بوثيقة تعايش تجنب المحافظة الاقتتال، غير أن الوثيقة خدمت في محصلتها الحوثيين ووفرت لهم أرضية من الاستقرار النسبي مكنتهم من السيطرة الأمنية والعسكرية، سواءً داخل أجهزة الدولة أو بموازاتها من لجان شعبية مليشاوية، تلتها استيلاء على مفاصل السلطة المدنية في المحافظة.

تمكن الحوثيون من السلطة لكنهم أخفقوا في خلق بيئة اجتماعية حاضنة لهم في إب، وبقي امتدادهم الشعبي ضعيفاً، رغماً عن استخدامهم إمكانيات السلطة في إغراء أصحاب المصالح، والعاطلين عن العمل بوعود التوظيف والأرقام العسكرية، إضافة إلى توجههم إلى المناطق الزيدية في المحافظة واستغلال المقولات الطائفية والضرب على وتر المظلومية الزيدية مقابل الانتشار الوهابي، وكذا سعوا لإحداث بؤر شعبية عبر محاولات جذب رؤوس صوفية، نجحوا في البداية بجر بعضها كمحمد هاشم البطاح عضو مجلس النواب عن حزب الإصلاح، واستثمر الحوثيون إلى جانب ما سبق المنفذ السلالي باستقطاب أسر تعتقد بانتمائها الهاشمي من أبناء المحافظة. ولم تستطع تلطيف الأجواء الشعبية المحاولات الحوثية في التعاطي مع الاتجاه المدني لمعظم السكان بدمج عناصر سلطتها الموازية في مؤسسات الدولة الرسمية، كتعيين المشرف العام للمحافظة (نائب السيد في المحافظة) صالح حاجب وكيلاً للمحافظ للشؤون الأمنية والعسكرية، وتقليص صلاحيات المشرف الأمني أبو كظم لصالح عبدالحافظ السقاف مدير أمن المحافظة المعين من قبل السلطة الحوثية.

تلك الأساليب فشلت في جذب شخصيات وأسر ذات ثقل اجتماعي وشعبي مهم، حتى من تلك التي وقفت إلى جانب الميليشيات في البداية لأسباب متصلة بطبيعة التحالفات في 2014 حتى انقلاب الحوثيين على شريكهم المؤتمر الشعبي العام وقتل رئيسه، الرئيس السابق علي عبدالله صالح. وعلى مدى أربع سنوات من السيطرة لم يتمكن الحوثيون إلا من جذب جيوب اجتماعية خلفية، عدا شخصيات قليلة ذات جذور بينها جمال محمد عايض الحميري في حزم العدين، الذي انخرط معهم لأسباب خاصة بمنافسة النفوذ مع عضو مجلس النواب محمد نجيب الحزمي، واحتضان السلطة الشرعية لعبد الوهاب الوائلي وتعيينه محافظاً لمحافظة إب، وهو أحد الأعداء التقليديين لبيت الحميري ذوي الثقل القبلي الأهم في الحزم.

مقاومة بوجهين

ظل الرفض الشعبي للمشروع الحوثي متنامياً بين أهالي المحافظة وتحول إلى نوع من المقاومة السلبية تمثلت في ضعف التعاون مع الحوثيين. فمثل رفض مرتادي المسجد الكبير في السوق المركزي للصرخة الحوثية، يلحظ الزائرون للمحافظة من خارجها ندرة الهتاف بها في المساجد وإن حصل من بعض الموالين لهم فبأعداد لا تتجاوز أصابع اليدين. وقلما يتفاعل الناس مع تجمعات الحوثيين في مناسباتهم المختلفة، والكثيرة، وشهد أكبر حشد سعى الحوثيون لاستغلاله، لدى إعدام مغتصب وقاتل الطفلة آلاء الحميري، يناير الماضي، ضربة جماهيرية، بإبقاء جماعة صغيرة من مناصريهم معزولين بترديد صرختهم وسط بحر من الحضور هتفوا بأصوات مجلجلة "بالروح بالدم نفديك يا يمن".

وتجلى الفشل الحوثي الشعبي بالمحافظة على مدار السنوات المنصرمة، مؤخراً، في إخفاقهم بإنتاج شخصيات مهمة للدفع بها لخوض المنافسة الانتخابية النيابية التكميلية التي فرضوها من خلال نواب صنعاء، في أربع دوائر.

وتشكل الأعداد القليلة المجمعة للجبهات من أبناء المحافظة، وبخاصة لجبهة الحشاء حديثاً وقبلها دمت، قرينة جديدة على الفشل الحوثي في الاستقطاب الشعبي لأهالي المحافظة.

تخللت المقاومة السلبية للحوثيين في إب، هبات من المقاومة المسلحة منذ اليوم الأول لوصول المليشيا إلى مركز المحافظة، بسيطرة مجاميع قبلية مسلحة على مركز مديرية العدين ذات الموقع الاستراتيجي، أفشلها دخول عناصر تنتمي للقاعدة على الخط. إضافة لتحرك مسلح لاحق انطلق من العدين وصل إلى مشارف مدينة إب أخفق مرة أخرى لنفاد الذخيرة ونزول القائد العسكري الحوثي الأهم أبو علي الحاكم لقيادة المعركة بإمكانيات تسليحية كبيرة، وسبقها مقاومة بيت الشعوري بين حزم العدين وحبيش. وخاضت بعدان مقاومة مسلحة، وقاد حمود البرح تمرداً ضد السلطة الحوثية في مديرية القفر، المحسوبة مذهبياً على الزيدية، وأخيراً إعلان إحدى أسر هذه المديرية الانضمام إلى مقاومة حجور في حجة.

افتقرت مقاومة إب للتنظيم والتنسيق والدعم وخطوط إمداد قد تعدلها جبهة الحشاء والساحل، خصوصاً إذا تمكنت ألوية الساحل من الاستيلاء على الجراحي.

قد يبدو على السطح التمكن الحوثي من إب وأبنائها، إلا أن مؤشرات تحكي العكس، وأن إب ما زال في جعبتها الكثير لترفعه في وجه المشروع الحوثي الطائفي، الرجعي.