"إخلاء الحدود" على قدم وساق: هل استولى مئات الحوثيين على أزيد من جيش قطر في محور نجران؟

السياسية - Sunday 29 September 2019 الساعة 03:14 pm
نيوزيمن، كتب/ أمين الوائلي:

هجوم كبير بضخامة إعلان عن أسر آلاف الجنود النظاميين المدربين والإطباق على ثلاثة ألوية عسكرية دفعة واحدة بكامل عديدها وعتادها وترسانتها من الأسلحة والآليات، يكاد يكون أمراً "خرافياً" ويصطدم بالواقع.

وغير واقعي أيضاً قراءة حدث كهذا -من زاوية الرواية الوحيدة المتاحة حتى الآن على الأقل- بمعزل عن مقدمات وخلفيات متراكمة مهدت إحداها للأخرى أو تأدت عنها في النتيجة والإجمال.

لكن، ليس هذا وحده، أو كل شيء، في القصة الماثلة. هنالك معطيات إضافية من المفترض أنها تقدح في (لا) واقعية إعلان مشابه يطال جيوشاً نظامية رسمية.

أن يأتي إعلان كهذا من طرف "مليشيات"، عرضة لحصار وحرب على مدى أزيد من أربعة أعوام ونصف العام، يقابلها تحالف عسكري على رأسه المملكة العربية السعودية.

وزائداً أنّ هذا حدث في الجانب الآخر من الحدود اليمنية السعودية.

عند هذا المستوى يجب امتحان مدى جدية وصدقية الإعلان من جهة، وموقف أو تعليق الطرف الآخر في الوقت نفسه من جهة ثانية.

أسئلة مفخَّخة

في جميع الأحوال، من الصعوبة بمكان مغادرة موقف مشابه أو تجاوز حدث بهذه المعطيات الزلزالية، من دون التوقف طويلاً للتساؤل: ما الذي يحدث؟ ولماذا؟ وكيف؟

نتحدث هنا عن تطويق واستسلام وأسر وقود جيش بكامله. قرابة عشرة آلاف جندي وضابط وصف، أو نحو هذا العدد. بمعنى آخر أزيد من الجيش القطري بضعف ربما.
هل هذا مما يعقل أو يدخل تحت المنطق، بالنظر إلى أنَّ مئات من عناصر المليشيات فعلوا ذلك؟!

وقيل، كما صرح محمد عبدالسلام، إنَّ العملية أخذت بضعة أيام لا غير. يعني هذا أنّ العملية بكاملها حدثت ولا خبر أو تحرك أو رداً ميدانياً من الشرعية والتحالف معاً وجميعاً؟!

وفي الواقع فإنّ عملية بهذا الحجم ينبغي افتراضاً أنّ إعداداً كبيراً ومسبقاً قد توافر لها. وهذه مما لا ينبغي أن تغيب عن أعين وآذان الاستخبارات العسكرية والمدنية وغيرها من الأجهزة الأمنية.

لم نحصل على تعليق ينفي أو يؤكد صحة المعلومات التي تضمنها إعلان الحوثيين من عدمه، يوم السبت 28 سبتمبر/ أيلول 2019، حول ما قيل إنها عملية عسكرية كبيرة في محور نجران.

ولا يمكن القطع بشيء حول النتائج (المدوية) التي تأدى إليها هجوم كهذا، وهي من طرف واحد حتى الآن، في ظل انصراف التحالف والشرعية ووزارة الدفاع اليمنية عن التعليق على إعلان المليشيات الحوثية والذي طاف وسائل الإعلام العربية والدولية ووكالات عالمية يوم السبت.

لكن، أيضاً، لا يمكن أن يطول الصمت أمام بيانات شاقة بالفعل، مثل: استسلام وأسر قوام ثلاثة ألوية عسكرية تابعة لجيش الشرعية أو "الجيش الوطني"، بالإضافة إلى فيصل سعودي، والاستيلاء على مئات الآليات واغتنام ترسانة أسلحة وعتاد وذخائر متكاملة تخص جيشاً بهذا الحجم والكبر.

وإضافة إلى ذلك، البسط على أراض شاسعة بمساحة مئات الكيلومترات في نجران.

خلفيات: المسارات العسكرية

من زاوية تحليلية بحتة، دعونا نستذكر دعوة صريحة وعلنية إلى إخلاء الحدود من العسكر والجنود، صدرت الشهر الماضي من قبل القيادي البارز في حزب الإصلاح الإسلامي (الإخوان في اليمن) والقائد السابق لما عرف بمقاومة تعز حمود المخلافي. والذي طالب في تسجيل ذائع ومنتشر الجنود بالعودة إلى مأرب أولاً قبل إعادة استيعابهم وتوزيعهم ضمن عمليات وخطط خاصة جديدة كلياً باتجاه تعز، وعلى خلفية الأحداث في عدن وأبين وشبوة.

المخلافي يمثل جبهة ومعسكراً مؤثراً وجناحاً قوياً يتصدر فاعليات الإصلاح على خط المحور القطري العماني التركي. وعرض نيوزيمن في تقرير تحليلي وأكثر من مادة لهذه القضية.

والدعوة منه (المخلافي)، في توقيتها الخاص، لم يكن من المنطقي، تجاوزها كأن لم تكن، أو التقليل من خطورتها وتبعاتها على اعتبار التبرؤ من المخلافي كما فعل الإصلاح الرسمي في الرياض عبر تصريح هزيل وتحصيلي في إعلامه.

الشهر الماضي أيضاً أعلن الحوثيون استسلام أفراد لواء بكامله في محور الجوف. وظهر قائد المدفعية في اللواء المذكور وآخر معه جوار محمد البخيتي القيادي الحوثي في صورة بصنعاء من أمام جامع الصالح.

وقال لاحقاً تعليق هزيل نشره موقع إخواني كتصريح لمصدر عسكري في المحور، ينفي صحة الشائعات المفبركة وتجاوز عن تفاصيل مهمة ومعطيات قوية، كالصورة مثلاً. بينما صمتت وزارة الدفاع والمنطقة العسكرية. وكان نيوزيمن أيضاً واكب الإعلان بقراءة تحليلية خاصة حول "سوق أصدقاء الحوثي" والانشقاقات السهلة في محور الجوف.

خلال ذلك كان يباد بطريقة غريبة ومريبة جداً لواء عسكري بكامل أفراده وقوامه، قتل المئات خلال أيام تحت الحصار الخانق وأسر المئات ومصير المئات لا يزال مجهولاً حتى ساعته، والأمر يتعلق بلواء الفتح (لواء الوحدة بالأساس) ومعظم قوامه من تعز والوسطى والجنوب، في قلب جبهة كتاف- صعدة، على مرأى ومسمع من قوات وجيش ودفاع الشرعية والمنطقة وبعلم التحالف.

ونتذكر بالضرورة تلازم تطورات تصعيدية حادة ومتطرفة ضد الإمارات والدور الإماراتي في اليمن ضمن التحالف، وحتى ضد شركاء وحلفاء الإمارات والتحالف على الأرض من القوى والقوات السياسية والعسكرية على السواء. ولم توفر الحملة الإصلاحية الإخوانية بمشاركة محورية رائدة وفاعلة لقناة الجزيرة ومكونات ومسميات وأدوات حرب فوضى الربيع و2011.

في الأثناء كانت الشرعية وجيشها الوطني، بمركزية مطلقة لمأرب والإصلاح، تحشد قوات ألوية ومعسكرات "الوطني" ومليشيات حزبية ومحلية ودينية مختلفة، إلى شبوة لاجتياحها في حرب حقيقية توصلا منها إلى أبين فمشارف عدن جنوباً.

هذه الأحداث والتداعيات المتسارعة مثلت نقطة انكسار فعلي في مسار العمل العسكري للشرعية وجيشها ولتحالف دعم الشرعية. قبل أن يعاد مجدداً التحشيد وتركيز القوات والعتاد والألوية في شبوة وأجزاء من أطراف أبين وجغرافيتها.

والمعلومات المتواترة تتحدث عن تحشيد وتوتر متزايد ينبئ بتصعيد عسكري لحرب جديدة نحو عدن تصر عليها بكثرة قيادات الإصلاح برئاسة علي محسن الأحمر وتنصاع لها الرئاسة بكل طواعيتها.

التصعيد جنوباً قابلته مقدمات طويلة سابقة وأخرى مزامنة بمعطيات وحسابات التهدئة والمسالمة مع الحوثيين في عشرات وأهم الجبهات الرئيسية. بينما تركت القوات الجنوبية في حرب استنزاف شرسة وطاحنة مع الحوثيين في شمال الضالع.

وعلى خط وخطى متوازية جيشت قوات جيش وأمن ألوية محور تعز ضد مناطق اللواء 35 مدرع وفي التربة والحجرية.

المسارات السياسية: المسار الجانبي

على جبهات السياسة كانت التحركات متسارعة جداً بموازاة الجبهات العسكرية، ودائماً بمعنى التصعيد جنوباً ورفض الحوار مع المجلس الانتقالي وزيادة التمركز والتجييش نحو شبوة وباتجاه أبين وعدن ونوعاً ما أريد التصعيد جهة حضرموت مع محاذير بقيت تحول دون الهدف الكامل.

سياسياً، بتتابع وتسارع، وكما واكب كل ذلك نيوزيمن بصورة يومية حثيثة، تكثفت خطوات تصعيد من قلب ورأس الشرعية في الرياض رأساً ضد التحالف ودولتيه وحتى المطالبة برحيل السعوديين والإماراتيين من اليمن.

وتكشفت معلومات حول مسار جانبي مبكر اختطته الشرعية على هامش التحالف وبعيداً عن عاصمته ودوره بمعية غريفيث وبريطانيا ودور لعمان وقطر وإيران، بما أفاد إضماراً مبكراً للتمرد على التحالف وتجاوزاً لأدبيات ومقولات الجهة والجبهة الواحدة.

وإلى أن ظهر الرجال الثلاثة من أبرز مساعدي ومستشاري هادي في مسقط مؤخراً، قبل الدخول في فعاليات رسمية وصدور إعلان عماني رسمي بهذا المعطى بالتزامن مع إعلان مشابه من طرف الوفد الرسمي للشرعية، بالتحدث عن جهود وتحركات لوقف الحرب وجمع الفرقاء اليمنيين، تقابلا مع ما أسميت مبادرة الحوثيين في صنعاء وتولى تسويقها بعناية مارتن غريفيث الذي شدد على السعوديين حول "أهمية الاستفادة من هذه الفرصة".

كل هذا التداعي والتواتر للأحداث المتراتبطة مقدمات ونتائج، لا يمكن فصله عن سياقاته الطبيعية والتزامنية؛ تصعيداً ضد التحالف ودولتيه، وخلال أزمة الهجمات الإيرانية غير المسبوقة على السعودية ومنشآت أرامكو. في اليوم التالي مباشرة على هجمات 14 سبتمبر كان الميسري والجبواني وجباري يصدرون بيان الشرعية التصعيدي المثير جهة التحالف.

وبينما يتعطل الحوار في جدة مع المجلس الانتقالي الجنوبي، لرفض الشرعية الانخراط فيه. يستمر التصعيد على وتيرة واحدة ومتراكمة بمحاذير التسويق والشرعنة لحرب جنوباً وجهة عدن.

إخلاء الحدود

بخلفية كل ما سبق، وبمراعاة لا معقولية معطيات ونتائج الإعلان الحوثي يوم السبت حول ما قد يكون حدث في نجران بالفعل، لا يمكن الفصل بين السلسلة الواحدة من الأحداث المتتابعة على سبيل التداعي الموضوعي قيمة وغاية.

إذا صح وحدث ذلك، أو بعضه حتى، فالأمر لا يستقيم بحال إلا من جهة كون ما يحدث هو تسليم واستلام يداً بيد لألوية عسكرية كاملة خصماً من قوام الجيش الوطني وقوات الشرعية التي مولها ودربها وجهزها التحالف بقيادة السعودية.

بمعنى آخر، نحن بصدد عملية إنفاذ فعلي لبرنامج ومضمون "إخلاء الحدود من العسكر والمعسكرات والجنود".

سطر ونقطة

وإذا لم يكن كل هذا كافياً لإفهام التحالف بقيادة الرياض مضامين رسائل راحت تتعاقب وتتراكم حولها وإلى جوارها وراحت هي تتجاهل كافة الشواهد والمحاذير والخطوات الواسعة في طريق جانبي سلكته ومضت فيه شرعية الإخوان أو إخوان الشرعية، فلسنا على ثقة ويقين أي شيء أكثر.. وبعد.. يمكنه أن يثير الشكوك أو يستثير الريبة ويستدعي التأمل في المآلات الماثلة؟! نقطة على السطر.