الجيش السوري على تماس مع الغزو التركي والقوات الأمريكية تغادر على عجل

السياسية - Tuesday 15 October 2019 الساعة 02:51 am
نيوزيمن، (أ.ف.ب):

انتشرت قوات الجيش السوري الإثنين في مناطق قريبة من الحدود مع تركيا، تطبيقاً لاتفاق توصل إليه الأكراد مع دمشق لمواجهة "العدوان" ولصدّ هجوم واسع بدأته أنقرة قبل نحو أسبوع، أجبر 160 ألف مدني على النزوح، ومع اقتراب الجيش السوري من خطوط التماس مع قوات الغزو التركي ومغادرة القوات الأمريكية على عجل، أقرت إدارة ترامب عقوبات أولى على أنقرة وسط تصاعد اللهجة الأمريكية.

وبدأت القوات الأميركية في شمال شرق سوريا الإثنين تنفيذ آوامر بمغادرة البلاد، بعدما اعتُبر سحبها عناصر من نقاط حدودية قبل أسبوع، بمثابة ضوء أخضر لأنقرة كي تبدأ هجومها.

ولم يجد الأكراد بعد تخلي واشنطن عنهم خياراً أمامهم سوى مطالبة الحكومة السورية بنشر قواتها في المناطق الحدودية لوقف "الاعتداء" التركي.

وتسلّط هذه الخطوة الضوء على تعقيدات النزاع الذي يمزّق سوريا منذ العام 2011، إذ لطالما ندّدت دمشق بالإدارة الذاتية، وانتقدت بشدّة تحالف الأكراد مع واشنطن، التي شكلت داعمتهم الرئيسية في قتال تنظيم الدولة الإسلامية.

ودخلت وحدات من الجيش السوري مساء الإثنين مدينة منبج الاستراتيجية في شمال سوريا في محافظة حلب، وفق ما أفاد الاعلام السوري الرسمي.

وقال قيادي محلي في مجلس منبج العسكري، المرتبط بالإدارة الذاتية الكردية ويتولى السيطرة على المدينة، في تصريحات لفرانس برس إن قوات النظام "دخلت المدينة وانتشرت على خط الجبهة".

وانتشرت قوات النظام نهاية العام الماضي على تخوم منبج بناء على طلب كردي لردع هجوم لوحت تركيا بشنه آنذاك، إلا أن تواجدها بقي رمزياً، وفق المرصد السوري لحقوق الإنسان.

وجاء دخول القوات الحكومية إلى منبج، بعد دخولها صباحاً وفق الإعلام الرسمي إلى بلدة تل تمر، الواقعة على بعد نحو ثلاثين كيلومتراً من رأس العين في محافظة الحسكة، حيث تتركز المعارك.

وشاهد مراسل لوكالة فرانس برس صباحاً جنوداً سوريين على مشارف تل تمر. وحمل عدد منهم العلم السوري، وسط ترحيب المدنيين الذين قدموا لاستقبالهم.

وأفاد المرصد أن القوات السورية الحكومية انتشرت أيضا قرب مدينتي الطبقة وعين عيسى في محافظة الرقة.

ويعد هذا الانتشار الأكبر من نوعه لقوات النظام في مناطق سيطرة الأكراد منذ انسحابها تدريجياً منها بدءاً من العام 2012، محتفظة بمقار حكومية وادارية وبعض القوات، لا سيما في مدينتي الحسكة والقامشلي.

اتفاق "عسكري" فقط 

على وقع التقدم التركي السريع، أعلنت الإدارة الذاتية الكردية في بيان الأحد الاتفاق مع دمشق بأن "يدخل الجيش السوري وينتشر على طول الحدود" بهدف "مؤازرة" قواتها "ولكي نمنع ونصدّ الاعتداء" التركي.

ولم توضح تفاصيل الاتفاق الذي تمّ برعاية موسكو، أبرز داعمي الرئيس بشار الأسد. إلا أن تعميماً أصدرته لموظفيها الإثنين أفاد بأن الاتفاق "عسكري" ولن يؤثر على عمل الإدارات التابعة لها.

وذكرت صحيفة الوطن المقربة من دمشق الإثنين، أن الجيش سيدخل بموجب الاتفاق الى منبج وعين العرب (كوباني)، المدينتين اللتين لطالما أبدت أنقرة عزمها السيطرة عليهما.

وشاهد مصور لوكالة فرانس برس المئات من مقاتلي الفصائل الموالية لأنقرة خلال تجمعهم بعد ظهر الإثنين في قرية غرب مدينة منبج مع تعزيزات تركية.

وكان الرئيس التركي رجب طيب إردوغان توقّع الإثنين انسحاب الفصائل الكردية من مدن رئيسية كمنبج تمهيداً لتسليمها إلى "أشقائنا العرب".

وتسعى أنقرة من هجومها إلى إقامة منطقة عازلة بعمق نحو ثلاثين كيلومتراً تحت سيطرتها تنقل إليها قسماً كبيراً من 3,6 ملايين لاجئ سوري لديها.

وتسبّب الهجوم منذ الأربعاء، وفق المرصد، بمقتل 69 مدنياً في سوريا و133 مقاتلاً من قوات سوريا الديموقراطية. كما قتل 108 من الفصائل الموالية لأنقرة.

وأحصت أنقرة من جهتها مقتل أربعة جنود أتراك في سوريا و18 مدنياً جراء قذائف اتهمت المقاتلين الأكراد بإطلاقها على مناطق حدودية.

"تنازلات مؤلمة"

ويشكّل الاتفاق تحولاً جديداً في مسار النزاع، بعدما اصطدمت مفاوضات سابقة بين الطرفين بحائط مسدود. ولطالما أصرّت دمشق على إعادة الوضع إلى ما كان عليه قبل اندلاع النزاع عام 2011، بينما تمسّك الأكراد بإدارتهم الذاتية والمؤسسات المدنية والعسكرية التي بنوها بعد عقود من التهميش على يد الحكومات السورية المتعاقبة.

وفي مقال في مجلة "فورين بوليسي" الأحد، كتب القائد العام لقوات سوريا الديموقراطية مظلوم عبدي "نعرف أنه سيكون علينا تقديم تنازلات مؤلمة... لكن علينا الاختيار بين التنازلات أو إبادة شعبنا، وبالتأكيد سنختار الحياة لشعبنا".

ورغم دعوة الأكراد واشنطن إلى تحمل "مسؤولياتها" تجاههم، تلقت كافة القوات الأميركية في شمال سوريا والتي يبلغ عددها نحو ألف عنصر أوامر بمغادرة البلاد.وقال مسؤول أميركي لوكالة فرانس برس الاثنين "نقوم بتنفيذ هذا الأمر"، الذي يستثني نحو 150 عسكرياً أميركياً في قاعدة التنف في جنوب البلاد.

الا ان قرار ترامب هذا يواجه بمعارضة شديدة في الكونغرس الاميركي، من قبل الديموقراطيين والجمهوريين على حد سواء.

وأعلنت رئيسة مجلس النواب الأميركي نانسي بيلوسي الاثنين انها اتفقت مع مسؤولين جمهوريين على ضرورة اصدار قرار يلغي قرار الرئيس ترامب "الخطير" بسحب القوات من شمال سوريا.

وقالت بيلوسي انها أجرت محادثات مع السناتور الجمهوري البارز ليندسي غراهام "وكان على رأس اولوياتنا الاتفاق على أنه يجب أن نصدر قرارا من الحزبين ومن مجلس الكونغرس لالغاء قرار الرئيس الخطير في سوريا فورا".

ووصف إردوغان انسحاب القوات الأميركية بأنه "خطوة إيجابية"، في وقت قالت مصادر فرنسية لفرانس برس إن باريس قد لا تجد أمامها من خيار سوى سحب قواتها من التحالف الدولي ضد تنظيم الدولة الإسلامية بعد القرار الأميركي.

وحذّرت دول غربية عدة بأن الهجوم التركي قد يساهم في احياء التنظيم المتطرف الذي ينشط عبر خلايا نائمة.

وحذّر الاتحاد الأوروبي الإثنين من أن الهجوم "يقوّض بشكل جدي الاستقرار والأمن في المنطقة برمتها"، ما استدعى رداً من الخارجية التركية التي قالت "من غير المقبول أن يبدي الاتحاد الأوروبي مقاربة تحمي العناصر الإرهابية".

وكررت قوات سوريا الديموقراطية خشيتها من أن ينعكس انصرافها إلى قتال القوات التركية سلباً على جهودها في حفظ أمن مراكز الاعتقال والمخيمات التي تضم الآلاف من مقاتلي التنظيم وأفراد عائلاتهم.

وأعلنت الإدارة الذاتية الأحد أن 785 من عائلات الجهاديين الأجانب فروا من مخيم عين عيسى في ريف الرقة الشمالي بعد قصف تركي قربه.

وبعد تغريدة لترامب قال فيها إن الأكراد "قد يكونوا في طور إطلاق سراح البعض لإجبارنا على التدخل"، اتهم مسؤول حكومي تركي رافضاً الكشف عن اسمه الوحدات الكردية بأنها "أطلقت سراح سجناء داعش لنشر الفوضى في المنطقة".

عقوبات ولهجة متصاعدة

أعلن نائب الرئيس الأميركي مايك بنس أن الرئيس دونالد ترامب طلب من نظيره التركي رجب طيب أردوغان خلال مكالمة هاتفية الإثنين "وضع حدّ لغزو" سوريا وإعلان "وقف فوري لإطلاق النار".

وقال بنس للصحافيين في البيت الأبيض إنّ ترامب طلب أيضاً من أردوغان الدخول في "مفاوضات مع القوات الكردية في سوريا"، مشيراً إلى أنّ "الرئيس (ترامب) كان حازماً جداً مع الرئيس أردوغان اليوم".

وأضاف نائب الرئيس الأميركي أنّه سيتوجّه إلى تركيا قريباً بطلب من ترامب للبحث في الملف السوري.

وفقاً لنائب الرئيس الأميركي فإنّ أردوغان تعهّد لترامب "بألاّ يكون هناك أي هجوم على مدينة كوباني".

وأتى تصريح بنس بعيد إعلان وزارة الخزانة الأميركية أنّ الرئيس ترامب فرض عقوبات على تركيا تشمل حتى الآن وزارتين وثلاثة وزراء، وذلك بهدف إرغام أنقرة على أن "تنهي فوراً هجومها" العسكري على الفصائل الكردية في شمال شرق سوريا.

وقالت الوزارة في بيان إنّ العقوبات شملت وزارتي الدفاع والطاقة ووزراء الطاقة والدفاع والداخلية الذين باتوا ممنوعين من دخول الولايات المتحدة ومن إجراء أي معاملة مالية دولية بالدولار الأميركي، كما باتت أموالهم في الولايات المتحدة، إن وجدت، مجمّدة.

وفرضت هذه العقوبات بموجب أمر تنفيذي وقّعه ترامب وأجاز فيه أيضاً فرض عقوبات على عدد كبير جداً من المسؤولين الأتراك المتورّطين بأعمال تعرّض المدنيين للخطر أو تزعزع الاستقرار في شمال شرق سوريا.

وبحسب البيان فإنّ إدارة ترامب قرّرت في الوقت الراهن قصر هذه العقوبات على الوزارتين والوزراء الثلاثة فقط.

كما أتى تصريح بنس بعيد إصدار وزير الدفاع الأميركي مارك إسبر بياناً دان فيه بشدّة الهجوم العسكري التركي "غير المقبول" والذي أسفر عن "إطلاق سراح العديد من المعتقلين الخطرين" المنتمين إلى تنظيم الدولة مشيراً إلى أنّ واشنطن ستطلب من حلف شمال الأطلسي اتّخاذ "إجراءات" ضدّ تركيا بسبب "تقويضها" المهمّة الدوليّة لمكافحة التنظيم الجهادي.