تعز.. عاصمة الثقافة تقاوم حقد القتل والجهل

تعز.. عاصمة الثقافة تقاوم حقد القتل والجهل

السياسية - Thursday 25 June 2015 الساعة 07:07 pm

  عبد الحليم حزين- سكاي نيوز عربية تعاني محافظة تعز في جنوبي اليمن من حملات قصف شرسة تستهدف بشكل كبير تجمعات مدنية وأحياء سكنية، ومع ذلك أبدى المواطنون في تلك المدينة مقاومة شديدة فاجأت غزاتها من المتمردين الحوثيين وكبدتهم خسائر كبيرة. وكان ناشطون قد بثوا مؤخراً مقاطع مصورة  لما قالوا إنه قصف من قبل الحوثيين لأحياء في تعز، التي تقع على بعد 250 كيلومتراً جنوبي العاصمة صنعاء، تظهر تعرض المستشفى الجمهوري ومنازل السكان لقصف عشوائي عنيف. ويبدو أن التدمير الذي تقوم به ميليشيا الحوثي لتعز منهجي، وإن كان عشوائياً بمظهره، فقد طال المدارس والجامعات والمركز الصحية والعلاجية، والمواقع الأثرية أيضاً. ومع ذلك فإن تعز تقاوم حالياً كل محاولات القتل والتدمير التي تقوم بها ميليشيات الحوثي وقوات الرئيس السابق علي عبد الله صالح، وبجهود ذاتية بعد أن كانت رفضت في البداية الانجرار لأي شكل من أشكال الاقتتال ورفع السلاح. وإلى جانب القتل والتدمير العشوائي للمباني، أنواعها، فقد أسفر القصف بالقذائف المدفعية والكاتيوشا والهاون، عن مقتل أكثر من 500 مدني عدا الجرحى والمصابين، وأعدادهم تتزايد يوما بعد يوم. وفي تصريح له لصحيفة المدينة السعودية نشر الخميس، قال قائد المقاومة الشعبية في محافظة تعز الشيخ حمود المخلافي إن "مليشيا الحوثي المنقلبة على الشرعية في البلاد تمارس أبشع الجرائم، حيث تقتل المواطنين الجرحى والأبرياء من النساء والشيوخ والأطفال حتى الحيوانات لم تسلم من همجيتهم". وأكد المخلافي أن "كل أبناء أقاليم الجند من الرجال والنساء خرجوا لقتال الحوثي للدفاع عن الأرض والعرض والشرف"، مشيراً إلى أن المقاومة ينقصها السلاح. بين العلم والثقافة والجهل والتدمير   وذهبت صفحات على مواقع التواصل الاجتماعي، الفيسبوك تحديداً إلى وصف ما يحدث في تعز بأنه "حقد ميليشيا الجهل على منابع العلم والتعليم". وفي وقت سابق، نشرت مواقع يمنية تسجيلاً للرئيس السابق علي عبد الله صالح، لم يتسن لسكاي نيوز عربية التأكيد من مصداقيته وصحته، قال فيه "دمروا كل شيء جميل في اليمن"، وبالتأكيد فإن تعز من بين الأشياء الجميلة في اليمن. وهذا التعليق بشأن "حقد الجهل" وتعليق صالح، إن كان صحيحاً، لم يأت من فراغ لمن يعرف تاريخ اليمن عموماً وتعز على وجه الخصوص. فقد كانت تعز، نظراً لموقعها على طريق التجارة الذي يربطها بالمخاء غرباً وعدن جنوباً وصنعاء شمالاً، مركز الوصل بين هذه المناطق الثلاث وكذلك بين شمال اليمن وجنوبه، الأمر الذي منحها ميزة إضافية عن غيرها من مدن اليمن، وحتى وإن ظلت قليلة السكان حتى عهد قريب. منذ بداية الأزمة، كثر الحديث عن مدينة تعز بوصفها العاصمة الثقافية لليمن، وهو أمر كان يفتخر به مواطنوها وسكانها منذ بداية الأزمة السياسية في البلاد، وقبلها الثورة الشبابية. وخلال الثورة الشبابية في فبراير 2011، كانت تعز من أبرز معاقل المعارضة للرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح، ولعبت دوراً هاماً في الاحتجاجات، وتعرض لبعض أكثر انتهاكات حقوق الإنسان جراء ذلك، كما وقعت فيها مجزرة بحق المحتجين السلميين. واشتهرت تعز، العاصمة السابقة لليمن، بأن سكانها، البالغ عددهم نحو 800 ألف نسمة تقريباً، من بين الأفضل تعليماً في اليمن، إضافة إلى كونها أقل مدن اليمن قبلية. وفي تعز يوجد أكثر طبقة متعلمة ومثقفة، وفيها عدد كبير من الشعراء والكتاب، كما فيها طبقة وسطى بارزة، تجعلها أكثر مدن اليمن تميزاً. ويرى كثير من سكان تعز أن الرئيس السابق علي عبد الله صالح يكره المدينة التي خدم في منصب الحاكم العسكري لها قبل أن يصبح رئيساً لدولة اليمن الشمالي.   عاصمة سياسية متبدلة وثقافية دائمة وكان بروز دور تعز في الحياة السياسية اليمنية بدأ منذ أوائل الألفية السابقة، حيث تحولت إلى عاصمة لليمن عام 1175، وظلت كذلك حتى العام 1500 عندما نقلت العاصمة إلى صنعاء. وعادت عاصمة لليمن في العام 1918 عندما استقلت المملكة المتوكلية عن الدولة العثمانية، وأصبحت أيضاً العاصمة الإدارية للبلاد منذ عام 1948، قبل أن تصبح تنتقل العاصمة إلى صنعاء عام 1962.   لكن الفترة الأبرز من تاريخ تعز خصوصاً واليمن عموماً، هي الفترة من 1229 إلى 1454، أي نحو 230 عاماً، حيث حكمت تعز اليمن كله من شماله إلى جنوبه إلى حضرموت شرقاً، وذلك إبان حكم الدولة الرسولية. وتميز حكم بني رسول الطويل نسبياً في التاريخ اليمني المعاصر بإنجازات كثيرة، خصوصاً في ميادين العلم والتجارة والزراعة والطب، فقد بنوا المدارس الكثيرة وأجزلوا العطاء للعلماء وكان كثير من ملوك بني رسول علماء وشعراء وأصحاب رأي ومؤلفي كتب في فروع المعرفة المختلفة. وحتى يومنا هذا، ما زالت تفتخر بما منحته "دولة بني رسول" لها  من إنجازات عمرانية، كجامع المظفر وجامع الأشرفية ومدرسة الأشرفية وحصن تعز أو "قاهرة تعز". وخلال سنوات ما بعد الاستقلال، حافظت تعز على ريادتها الثقافية وتميزها الاجتماعي، وحاربت كل محاولات الملوك والرؤساء السابقين لفرض سلطانهم عليها، وخصوصاً إبان حكم الإمامة. ويعتقد البعض في اليمن أن تعز مستهدفة لأنها كانت، منذ أيام دولة بني رسول، عاصمة البلاد وعاصمة العلم و"حامي المذهب  الشافعي"، وبالتالي فإن استهدافها له أسباب تاريخية، ناهيك عن دورها الثقافي والسياسي. ربما يعتقد الحوثيون أنه باستهداف تعز وتدميرها وقتلها فإنهم بذلك يحاولون منعها من قيامها بدورها مستقبلاً بوصفها صانعة التحولات والثورات في اليمن، كما هو الحال في ثورة السادس والعشرين من سبتمبر عام 1962 التي أطاحت بالملكية.