ما يقوم به الإخوان في جنوب اليمن يمثّل نموذجاً لسلوكهم الانتهازي تجاه الشرعية اليمنية رغم ما جنوه من العمل تحت رايتها من مكاسب كبيرة. وإذا كان هدف الشرعية ومن ورائها التحالف العربي بقيادة السعودية هو إعادة الهدوء وبسط الاستقرار في الجنوب، وتوظيف مختلف القوى في مواجهة الحوثيين واستعادة المناطق من سيطرتهم، فإنّ من المفروض عليهم أن يعرفوا ويحتاطوا من مخطّطات حزب الإصلاح التي تسير في اتّجاه معاكس تماما لغايات الشرعية والتحالف الذي يدعمها، حيث تمثّل تحرّكات الإخوان وتحشيدهم العسكري واستيلاؤهم على الموارد الاقتصادية، وخياناتهم العسكرية المتخادمة مع المشروع الحوثي، وصفة لإفشال حكومة المناصفة وإعادة عدن وشبوة وأبين وغيرها من محافظات الجنوب إلى مربّع الصراع الدامي، وجعلهم لقمة سائغة للمليشيا الحوثية "الحليف القوي للإصلاح".
وخلال سبع سنوات من الحرب، والدعم العربي للمعركة اليمنية، وللشرعية التي تستحوذ عليها جماعة الإخوان، أثبتت الأحداث أن المعركة ضدّ الحوثي لا تقع ضمن دائرة اهتمام الإصلاح ولا على لائحة أهداف داعميهم، الذين تجمعهم مع الإيرانيين المشغّلين الأصليين للجماعة الحوثية، مصلحة مشتركة في العمل ضدّ التحالف العربي ومحاولة إفشال جهوده لفرملة اختراق إيران لجنوب الجزيرة العربية.
وبدل انخراط حزب الإصلاح بما يمتلكه من قدرات بشرية ومادية ومن قوّة عسكرية، في مواجهة ميليشيات الحوثي، ينصرف عنها ويخلي المناطق أمام زحفها ويوجّه جهوده نحو مقارعة المجلس الانتقالي الجنوبي، ويعمل الإصلاح ومن خلفه داعموه بكل السبل للحفاظ على موطئ قدم في مناطق جنوب اليمن، وعلى رأس تلك المناطق محافظة شبوة التي يرفض أهلها الإخوان ونهجهم البعيد كل البعد عن الوطن والوطنية، ولذلك يعاقبهم الإصلاح بتسليم مديريات المحافظة للحوثيين، فالإخوان يرون تواجدهم في الجنوب اليمني أمرا مصيريا، وان وجدوا معارضة ورفض لا ضير ولا ضرر إن سلموها للحوثيين عملاً بالمقولة (علي وعلى أعدائي).
اليوم ومع اشتداد المعارك في مارب، وتحقيق الانتصارات في جبهة الحديدة ومفرق العدين وعدد من المناطق الاستراتيجية، وكذلك في جبهات الضالع، انكشفت عورة الإصلاح، وظهروا مشككين ومثبطين للقوات المشتركة، وعبر ذبابهم الإلكتروني يشنون حملات التشكيك والخذلان والاضعاف المعنوي، خدمة للحوثيين، ولا هم لهم سوى محافظة شبوة، وسرقة منجزات الرئيس السابق علي عبدالله صالح في المحافظة، وتصويرها كمنجزات لمحافظهم ابن عديو، ولعل هذا التشبث والتحشيد الإخواني في شبوة، يؤكد أن المحافظة مصيرية لحزب الإصلاح ومستقبل جماعة الإخوان في البلد، بعد أن فقد معاقله في شمال البلاد الواقع تحت سيطرة جماعة الحوثي، وفي ظل تعرّض معقله الباقي في محافظة مأرب لضغوط عسكرية مستمرّة، الأمر الذي يرفع من القيمة الاستراتيجية لمحافظة شبوة المجاورة، ليس فقط كقاعدة خلفية للدفاع عن مأرب، ولكن أيضا كشريان حياة وكمنفذ بحري منفتح على خليج عدن كفيل بتأمين التواصل مع الداعمين الإقليميين لحزب الإصلاح قطر وتركيا وتلقّي الإمداد منهما.
وعلى هذه الخلفية ركّز حزب الإصلاح جهوده للاستقرار في شبوة وتحويلها إلى مركز اقتصادي له، وذلك من دون أن يتخلّى الحزب عن جهوده للتمدّد في محافظة أبين شرقي عدن، ومحافظة لحج بشمالها، إلى جانب الحفاظ على تمركزه في محافظة تعز غربا والتي يعدّها إخوان اليمن خزّانا بشريا لهم، ويسعى منذ اندلاع الحرب إلى السيطرة على المناطق الغنية بالنفط والغاز في اليمن، فالمصالح والمنافع المادية أكبر وأهم من أن يهتم الإصلاح باليمن كوطن مسلوب يجب استعادته، ودولة مهدومة يجب بناؤها.