يستغرب البعض الدعوة التي أطلقها أحمد عبيد بن دغر، وعبدالعزيز جباري، ومطالبتهما بوقف الحرب، وتأكيدهما على ما أسمياه (فشل الحل العسكري)، رغم أنهما وفي عديد مواقف خلال السنوات الماضية، لطالما أكدا أن الحوثي لن ينصاع للسلام ما لم تُكسر شوكته، بل إن جباري قال لن تقوم لليمن قائمة وهناك جماعة بيدها السلاح وترى أن الحكم قد مُنح لها كحق إلهي، وهذه هي الحقيقة، ولكن يا ترى ما الذي غير من موقف الرجلين، وما سبب إطلاقهما هذه الدعوة في هذا التوقيت، وبما يتعارض مع وجهة نظر الحكومة الشرعية التي هما جزء منها.
في الواقع أن كل ما استجد هو شعور الرجلين بالتهميش، ودرايتهما معاً بأنهما باتا خارج اللعبة ولن يكون لهما أي مستقبل سياسي، ولذلك يسعى كل منهما جاهدا للظهور بين فترة وأخرى بتصريحات ومواقف أقل ما يقال عنها (مضحكة)، ولعل جباري كان سباقاً في تصدر المشهد الغوغائي، واندفع بكل قوة إلى أن يكون صوتاً مأجوراً يصب في خانة الحوثي، وأعداء التحالف، فتصدر هو ورفيقه في الشلة الخايبة صالح الجبواني، واجهة التهم والتلفيق للقوى الحرة والمخلصة التي تعمل بصدق من أجل الوطن، وصولاً إلى تزعم حملة التشويه والتدليس تجاه أحد أهم شركاء السعودية في التحالف، دولة الإمارات ولجهودها في اليمن، حتى إن الجبواني هدد بصورة أو بأخرى بتسليم شبوة للحوثيين وهذا ما حدث مؤخراً، ليس نتيجة لضعف القوات الحكومية، بل لارتهان القيادات ودخول السياسات الحزبية على خط المعركة وتخندقها خلف أجندة مموليها في أنقرة والدوحة.
لا أحد يقف مع دعوات الحرب حتماً، ولا أحد يريد استمرار الموت والدمار، وبالمقابل لا يقبل أي عاقل وحر أن يتحكم الحوثي بزمام اليمن، ويحوله كما يفعل جاهدا إلى ضيعة إيرانية بائسة، وخنجر سام في خاصرة الأمة العربية، ومصدر شر وإقلاق للجوار.
الكل ينشد السلام ولكن بأدواته المنطقية لا بالدعوات الارتجالية والانهزامية والتي تصدر من رجل يشغل منصب حكومي رفيع مثل ابن دغر، فلا أحد مستفيد من هذه الدعوات سوى الحوثيين، ولنكن واقعيين أكثر، وصريحين، فالحقيقة تؤكد أن هذه الدعوة جاءت في إطار المخطط الذي ترعاه دول بعينها، وتتبناه شخصيات كبيرة داخل الشرعية نفسها، وبضوء أخضر من النائب، فهي تصب في ذات البوتقة المتخادمة مع الحوثي، وفي ذات المسار الذي يتبناه الإصلاح خلال هذه الفترة، وإن كان الإصلاح يتبنى تقاربا تحت الطاولة، فجباري وابن دغر أخرجاه للعلن، وقد يقول قائل وما شأن الإصلاح بالرجلين وهما ليسا من أتباعه، نقول تتلاقى المصالح، وما لم يؤلفه الانتماء الحزبي، ألفه الرصيد البنكي والكفيل الوحيد الذي يرعاهم.
وفي العموم هي دعوة وموقف ضمن كثير من المواقف التي يتبناها كل من انتهت مصلحته، أو يريد إعادة تدوير نفسه بطريقة أو بأخرى، ولا شك أن الأوفياء لهم خط سير واحد، يتمثل في استعادة الوطن وإنهاء الانقلاب، وكسر العنجهية والتبعية الحوثية، والانطلاق جميعا نحو بناء اليمن الذي نتطلع إليه، يمن الإخاء والتشارك والعدل والمساواة، لا اصطفاء ولا استئثار ولا تمكين، وهذا ما سيكون ولو استمرت حرب اليمنيين ضد الكهنوت ألف عام، ولا عزاء لدعوة المتعوس وخايب الرجاء.