عبدالستار سيف الشميري
هل هو بيان سياسي أم علاج من الزنداني؟!
إن أبشع صور الانتهازية هي الاستثمار في وجع الناس في الحروب والكوارث والاتجار بدمهم بتقديم مقاربات تسوية تخدم المليشيات الحوثية والجماعات الطامحة.
وأبشع المقاربات والبيانات السياسية تلك التي تقدم أوراق اعتماد لدى الخارج أو تغازل الوعي الشعبي المرهق بالفقر والجوع والحصار والغلاء، والباحث عن قشة أمل يمسك بها لينجو من غرق حتمي.
ليس هناك من أحد مع استمرار هذا الموت اليومي وتجويع الشعب وحصاره، وليس هناك من هو ضد بلورة رؤية حقيقية، لمقاربة توقف الحرب وحل يضمن العدالة ويبحث في الأرضية المولدة للحروب ويؤسس لسلام مستدام لكن ليس بطريقة الشعوذة السياسية.
فما قدم في بيان (بن دغر، جباري)، أو المنشور هو شعوذة سياسة، لا علاقة لها من قريب أو بعيد بأي مقاربة للحل في اليمن كي تناقش.
البيان في نصه وفصه ضرب من ضروب الانتهازية، والنفعية التي لا تصنع حلا لبلد متناثر يخوض حربا ضد مستعمر إيراني يكرس سلاحه وماله وذراعه الداخلية، للإجهاز على كل شبر في اليمن ثم الذهاب إلى ما وراء ذلك من دول الجوار، ولعل أقرب توصيف ممكن أن يقال حول بيان "بن دغر، جباري"، إن فاقد الشيء لا يعطيه.
البيان أو المنشور فيه ضعف وغبش في تقدير الموقف في القضية اليمنية وسوء تقدير لموقع إيران في المعركة، وافتراض سطحي أن إيران ستوقف أطماعها وأحلامها بامبراطوريتها التي تسعى إليها من أفغانستان إلى الخليج واليمن ومكة والمدينة، مرتكز هذا الحلم الجامح، القديم الجديد.
البعض فسر البيان أو لنقل المنشور بتوصيف أدق، أنه تم بتنسيق مع الحوثي وربما لا يكون كذلك، لكن المؤكد أنه خدمة لمشروع الحوثي وإيران، بغباء غير مقصود أو طموح غير مشروع أو دفع غير محسوب.
وأيا من الأسباب الثلاثة يجعل من تولى كبره في دائرة النقد والجرح المشروع والواجب بحكم موقع الرجلين أحدهم رئيس لرابع مؤسسة عليا في البلد، والثاني نائب لثاني مؤسسة عليا في البلد، وأي كلام أو بيان منهما ليس كلاما عابرا وسداح مداح إنما موقف يؤثر في مسار الحرب بدرجة ما ويخلط الأوراق ويشوش على المتابع الخارجي للقضية اليمنية وينقلها من شرعية وانقلاب إلى طرفين داخليين متنازعين، كما ورد لفظ الطرفين في البيان.
وفي الحقيقة لو لم يكونا في موقعهما لكان الأمر ممكن أن يحسب في إطار آخر ولن يستلزم الرد أو التوبيخ لأن ذلك سيكون من باب لزوم ما لا يلزم لكن موقعهما ومشاركتهما تجعل البيان مربكا وتوضح هشاشة المسلك السياسي اليمني وبروز ظاهرة الانتهازية في قيادات الدولة العليا وما جباري وبن دغر إلا النموذج الأوضح لهذا السلوك.
فمن باب الموضوعية ليس جباري وبن دغر وحدهما من ينحو نحو هذا الطريق الزلق، الذي له أرباح خارجية وداخلية وله دواع ومحفزات كثيرة ويغطى بغطاء الوطنية غالبا، والشجاعة أحيانا.
نعم.. ليسا الوحيدين لكنهما الأجدر والأقدر على تمثيل هذا النمط من السلوك الرمادي القابل للتغيير وفق مستجدات الأحداث والفرص التي تدرك بقرون الاستشعار لديهما وهي قدرات فطرية ومكتسبة.
ففي المشهد اليمني هناك الكثير ممن يمارس نفس السلوك ويمكن القول إن المسرح السياسي اليمني غارق، بطفيليات السياسة والطامعين في وراثة الرجل المريض "هادي"، بعضهم يمارس التكتيك والتخطيط والتواصل بصمت وبذكاء وبعضهم يقفز في الإعلام ويشكل ظواهر صوتية من خلال بيانات وتصريحات واجتراح حلول تصل أحيانا إلى اللامعقول والطرافة، كما جاء في بيان "جباري، بن دغر" الذي يطالب بوقف الحرب وخروج التحالف من اليمن في افتراض بليد أن الحوثي سوف يوقف زحفه وإسقاطه المحافظة تلو الأخرى شمالا وجنوبا، غافلين أو متغافلين أن الحوثي ليس حزبا سياسيا وليس باحثا عن دولة أو سيادة أو وطن أو مشروع أو سلام، كونه مشروعا سلاليا بحاضنة إيرانية ترتكز على الولي الفقيه أبا ومرشدا ومقدسا.
ومثل هذه المنشورات والمبادرات القاصرة لا شك أنها مطلب حوثي وورقة ذهبية رابحة عندما تقدم من رجال في الصف القيادي الأول للشرعية.
صحيح أن جسم الشرعية مليء بالدمامل والطفوح والجروح والقبح والقيح، لكن الأصح أن هذه الأطروحات تزيده تعفنا وأكسدة إلى ما هو فيه وتضعف التحالف أيضا ودوره ودعمه الخارجي.
وخلاصة الأمر وفصل المقال:
إن بيان "جباري، بن دغر" أشبه بعلاج الزنداني للكورونا والإيدز وسائر الادعاءات المشهورة له وابنه من بعده ولربما هي ضرب من ضروب معالجة المريض النفسي عن طريق ادعاء المس الشيطاني وضرب المريض لخروج الجني من دبره أو أذنه.
لقد تأثر جباري بالزنداني منذ أواخر السبعينيات كما هو معروف وجر معه بن دغر الجاهز أن يلبس ثوب الشيخ وثوب المريد وثوب الصوفي وثوب الليبرالي والشيوعي والبوذي أيضا فهو "محترف قفز" لكنه هذه المرة يريد أن يقفز بنا معه إلى مجهول.
ولعل جباري أغواه وعله الآن يلعن العجلة ويقول: ما من الذماري غير دماري.
ومنذ ثلاث سنوات قال الشبزي قدس الله سره:
"حماري أفهم في السياسة من جباري".